الإنـكـسـارالـعـربـي بـيـن هـزيـمـتـيـن !! (الحلقة الأولى)

الاحد 12 يونيو 2022 - الساعة 11:37 مساءً

 

مقدمة لابد منها  :

هذه التناولة ليست دفاعاً عن النكسة ولا تبريراً لها أو لما ترتب عليها من آثار ولكنها وبشكل موضوعي _ والحق يقال  وفق تقديري _ تحاول بسط الحقائق أمام كثير من الطروحات الموجهه والذي يتداولها الكثير من المثقفين والساسة لتبدو كقناعات  أو قل حقائق أمام  الرأي العام والأجيال المتعاقبة وحتى امام الباحثين وطلاب الحقائق _حتى وإن كان بعضاً مما يطرح فيه صدق وفيه استياء لكنه لايرتقي إلى مستوى الظاهرة العامة  وتحميل نكسة 5 حزيران / يونيو 1967م أسباب الانكسار العربي الذي أعقب  رحيل الزعيم الراحل / جمال عبدالناصر ، و انحراف الزعامات التي جاءت بعده. 

 

من هنا جاءت هذه التناولة تصويباً لتلك القناعات التي يطرحها كثير من النخب وقادة الرأي والساسة والمثقفين ، و بعيداً عن أي سخطٍ أو تذمرٍ أو تحاملٍ أو تسطيح ٍ أو حتى تعجلٍ في استباق الأحكام  على ماطرح أعلاه  أو على التناولة إجمالاً ، والتي سأدعكم معها على بساطتها بعد هذه التوطئة التي لابد منها بدايةً . 

 

وموضوع النكسة برمته أكبر من أن تحتويه مقالة أو تستوعبه  دراسة _ على كثرة ماكُتب عنها سلباً أو إيجاباً _ لاسيما وكثير من أسرارها لم يُكْشَف أو يتكشف بعد لاسيما عن دوائر الاستخبارات الأمريكية  صانعة القرار والتوجيه و بروجندا التضليل العالمي ، ولكم بعدها الحكم.

 

 و أجدني و بصدقٍ اتفق إلى حدٍ ما في توصيف ماحدث في 5 يونيو 1967 م بالنكسة  لا بالهزيمة ، لسببٍ  موضوعي واحدٍ  وهو أن الهزيمة تكون عادةً  بتحقيق الهدف المعلن الذي شُنَّتْ أو انطلقت المعركة من أجله ، وقد كان يومها الهدف منها القضاء على عبد الناصر ونظامه ،  وَ لِتُخْرِجَ مصر بثقلها الوازن من  المعركة العربية الصهيوامريكية  وهو مالم يتسنى لهم  ذلك في عهد الرئيس الراحل / جمال عبدالناصر. 

 

بمعنى  اوضح وادق لم تستطع ( الهزيمة ) في عام 1967م أن تحقق أهدافها السياسبة المتوخاة منها أمريكياً وصهيونياً  بعكس ماحدث تماماً  فى ( نصر أو انتصار ) السادس من أكتوبر 1973م !! 

 

ولعل في هذه المفارقة ودلالاتها  وماتلاهما من وقائع وأحداث  هو  الذي يجعلني اميل إلى توصيف الأولى بالنكسة  وتحفظي على توصيف  ما تلا ألانتصار  العسكري الخاطف في السادس من  أكتوبر 1973 م ، وعلى أهمية هذا النصرالعظيم وحقيقته ، و بمعنى  آخر فإن الرئيس/  السادات انتكس سياسيا وحول الانتصارات العسكري إلى هزيمة سياسية بكل المقاييس ولكن كما قلنا في تناولة سابقة أن العواقب إنما تقاس بالمآلات والخواتيم  لأنها تكشف ما كان مستوراً  أو غامضاً  أو  ما أشكل  في حينه فهمه، وذاك وحده مرد تحفظي ( سيناريو خاطف  يستعيد بعض كيلوهات من الأرض  لاتتجاوز أصابع اليدين إلآ بقليل من الكيلو مترات وفق سيناريو  وضعه ( هنري كيسنجر  ) و ( السادات ) يمتصا به معاً نفسية الجمهور والجيش تحديداً  المهيئين نفسياً للمعركة ، فكانت المعركة الخاطفة  كنوعٍ من الترميم لتلك النفسية ،  وخلاصة المفارقة تقول :

مالم يستطع العدو الأمريكي والصهيونى تحقيقه في ( هزيمة ) الخامس من حزيران 1967م  الخاطفة استطاع العدو تحقيقه بعد انتصار معركة السادس من أكتوبر 1973م الخاطفة أيضاً !! 

 

وكل ما كان يرجوه العدو الصهيوامريكي ويطمح إليه تم تحقيقه رغم هزيمته النكراء في السادس من أكتوبر 1973م ، فقد ظفر به لاحقاً !! 

 

 أليس  بين المعركتين مفارقة تدعو لإعادة القراءة وتصويب زاوية الرؤية ووضع النقاط على الحروف بتجرد.ٍ  وموضوعيةٍ وإعادةِ توصيفٍ  للمشهد ، وهو ما أشرنا إليه في تناولات سابقة ،  فلماذا إذاً نُحَمِلُ نكسة يونيو 1967م  فوق طاقتها عربياً ، وأنها سبب كل هذا الانكسار والهوان العربيين منذ ذاك التاريخ وحتى الأن ، وذاك في تقديري خطاب مجافي للحقيقة ، والصواب أن الانكسار العربي كان تالياً لانتصار السادس من اكتوبر 1973م لا لنكسة 5 حزيران 1967م..

 

وتحديداً بزيارة السادات للقدس وتوقيع اتفاقية السلام مع دولة الاحتلال الصهيوني ، وتلك الهزيمة الحقيقية للمشروع العربي الذي مُنِيت بها امتنا والذي أصابها وقضيتها في مقتل  والذي انتزع الاعتراف بدولة الكيان الغاصب على حساب القضية العربية الفلسطينية ، وهو ما اخرج مصر العربية بثقلها القومي الكبير من الصراع العربي الإسرائيلي حينها ، وهو ما أصاب النفسية العربية بالإنهزامية والانكسار في أجيالها المتعاقبة. 

 

ويتحمل السادات نفسه بأفعاله وانفعاله ونرجسيته المتغطرسة امام التاريخ والأجيال والأمة كل ما حاق بأمتنا من نكوص وارتدادٍ  وهزيمةٍ  جرَّها إليها السادات ، و عاشها جيلها ومعه كل الأجيال المتلاحقة ، بسبب انقلابه على مشروع عبد الناصر وثورة  23 يوليو ومبادئها ، وارتماءِهِ في أحضان أمريكا القابضة بيديها على  99 % من أوراق اللعبة  كما يقول السادات نفسه . 

 

 إن الانتصار العسكري - الذي كان امتداداً لما تلا نكسة 5 يونيو 1967م  بعد إعادة  بناء وتحديث القوات المسلحة المصرية غلى أسس من العلمية والحداثة -  تحول على أيدي السادات إلى هزيمة ٍ سياسيةٍ ٍ نكراء باتفاقيات السلام والاستسلام وبزيارته المهينة لإسرائيل المحتلة !!

 

نعم اقول ذلك واجدني مطمئناً لهذه القناعة ولهذا التفسير  :

 

إن انقلاب السادات على مشروع عبدالناصر وأهداف ثورة 23 يوليو  1952م كان الانتكاسة الحقيقية التي أسست للانكسار العربي و للهزيمة  التي لم تفق منها حتى يومنا هذا أمتنا وجماهيرها العربية رغم الانتصار العسكري في أكتوبر 73 م !! 

 

    وأما لماذا  فقد سبق طرحه !! 

وتلك هي المفارقة التي تحتاج  من الجميع ساسة ومفكرينَ  وباحثين وقادة رأي إلى كثير من إعمال الذهن لندرك في نهايتها  أن غياب القيادة السياسية أصاب جماهيرنا العربية في مقتل وتلك هي النكسة الحقيقية الأولى ، وزاد السادات بانقلابه على  مشروع عبدالناصر وأهداف ثورة 23 يوليو الاشتراكية وزيارته لإسرائيل المحتلة وابرام معاهدة السلام معها أصاب النفسية العربية بالهزيمة والانكسار بدلالة مصر العربية ورمزيتها في التاريخ وبثقلها الوازن وقيادتها التاريخية في معركة الوجود ، وبامتداد السادات لعبدالناصر ولمشروع ثورة 23 يوليو.

 

وهو ما أحدث ذاك الشرخ العربي الفج في النفسية وفي الشخصية العربيين ، وفي الجغرافية السياسية و في مستوى العلاقات العربية / العربية وماتلاها من مشاريع تقزيم ٍ وتفتيت ٍ  واستفرادٍ وانبطاحٍ وهرولة ٍ وهوانٍ.

 

     يتبع ...

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس