الإنـكـسـارالـعـربـي بـيـن هـزيـمـتـيـن !! نـصـف قـرنٍ من الارتـهــان والـتـبـعـيـة (الحلقة الثانية)
الاربعاء 15 يونيو 2022 - الساعة 01:10 صباحاً
نبيل أمين الجوباني
مقالات للكاتب
نصف قرنٍ ويزيد ولم تزل دوائر الارتهان العربي ، وبعض النفسيات المتعبة التي أصابها الوهن أو تلك النخب التي تمكنت منها الهزيمة أو انكسر نموذجها المثال أمام عينها وفق رؤيتها هي أو وفق استعدادها النفسي الذي لم تلتئم جراحاتها خلال سنوات ست وتحقيق النصر في أكتوبر 1973م ، ربما لأن الهزيمة في وعيه النخبوي أو الشعبي أو السياسي تتمثل بغياب القائد وغياب المشروع ، وربما لما أعقب السنوات الست تلك من ارتكاسات وانتكاسات على صعيد المشروع الناصري نفسه ، وممن !!؟
ممن كانوا احد صناعه وشكلوا امتداداً له بدايةً في انتزاع الشرعية والمشروعية الثورية والجماهيرية قبل أن ينقلبوا على عبدالناصر وعلى مشروعية ثورة 23 يوليو وأهدافها ومشاريع تحولاتها الكبرى.
كأن نصف قرن ٍ من حدوث النكسة لايكفي لسبر جراحاتها على الرغم من أن ماتلاها من أحداث وعلى مدى سنوات ست كفيل بدمل كل الجراحات على مستوى المعركة وإدارتها واستعادة مصر العربية لدفة القيادة ، وتفويت الفرص على الأعداء بإفشال أهدافهم ، وتفاعل الجماهير كل الجماهير العربية حول عبدالناصر وقيادته التاريخية للأمة وللمعركة ولمصر ولرفض الجماهير ذاتها للهزيمة ولمشاريع الاستسلام ذاتها ، وترجمته الإرادة الثورية قيادة وشعباً في بيان 30 مارس 1968 م الذي أخذ على عاتقة استعادة الدفة ، و إعادة بناء القوات المسلحة على أسس ٍ علميةٍ و سليمةٍ واستطاعت بإرادتها الجمعية الصلبة أن تحقق ما ترجوه فكان العبور وحروب الاستنزاف على مدى سنوات ثلاث وكان السادس من أكتوبر 1973م وانتصار شعبنا العربي المصري المجيد.
وبرغم كل قيل عن آثار الهزيمة على مستوى النفسية العربية لدى جماهيرنا العربية فإنها _ أي الجماهير _ تبقى في كل انحيازتها ناصرية الروح والهوى والمواقف ربما لأنها لم تجد بعده_ اي بعد عبدالناصر _ من بسد الفراغ الشاغر أو من يملؤه أو يكون امتداداً له رحمة الله تعالى عليه .
زمن جميل حتى في هزائمه وانتكاساته وجماهيره
إن نكسة 5 يونيو / حزيران 1967 م لم تكن معركة عادية بل كانت معركة حُضِرَتْ أوراقها أمريكياً منذ وقتٍ مبكر ٍ ، والإطاحة بعبدالناصر ومنظومة حكمه وتجربته كانت هدفاً أمريكياً منذ العام 1954 م ، وقد اعيتها الحيل في ذلك من خلال الإملاءات ومشاريع الوصاية والهيمنة على الشعوب التواقة للتحرر والاستقلال ، ومنها شعبيا العربي المصري وتجربته الناصرية الفذة وقائدها الملهم ، فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تمويل عمليات الإغتيال لعبدالناصر أو من خلال دعم دولة الكيان المحتل وتمويلها بالسلاح والمال وضمان تفوقها وإعلان حمايتها لها .
الـجــرح الإمـريـكـي فـي فـيـتـنـام !!
الرئيس الأمريكي جونسن يرى أن ماحققته إسرائيل في 67 يعوض اخفاقاته فى حرب فيتنام !!
ومن جانب آخر يتضح حجم الدعم اللا محدود من الأمريكان لدولة الاحتلال الإسرئيلي مقابل دعم محدود للروس أو السوفييت لمصر العربية بحسب كثير من الساسة والمراقبين وعلى رأسهم الرئيس الجزائري ( هواري بومدين ) الذي استقل طائرة ً وتوجه إلى السوفييت ليبدي عتبة وعتابه _ ولن نقول اعتراضه_ من التخاذل الروسي الذي لم يكن في المستوى المأمول أو ألمرجو أو ألمتوقع كما هو الحال بالنسبة للأمريكان مع الطرف الأخر !!
بـعـضــاً مـن ردود فـعــل الـتـنـحـــي
كان الكل تقريباً متوقعاً انتفاضة كبرى جماهيريا ً وشعبياً ضد النظام العربي المصري عقب النكسة مباشرة وبعد خطاب التنحي تحديداً 8 يونيو 1967 م لكن العكس من ذلك هو ماحدث تمامآ ً.
فالشارع العربي وليس المصري وحده خرج عن بكرة أبيه مندداً بالهزيمة ورافضاً التنحي مؤكداً على استمرارية المعركة وعلى قيادة ناصر وفي استفتاء شعبي على قيادته للمعركة بدلالة كل الهتافات التي رددت هذا الاسم في كل البلاد العربية ، وليس في مصر المحروسة فقط ، بل وفي كل البرقيات التي بعثت بها الحكومات والدول العربية والأوروبية تحديداً منها خطاب أو برقية ( ديجول ) الذي بعثها في 10 يونيو / حزيران 1967م بعد عودة عبد الناصر مباشرة والتي قال فيها :
( ان النصر والهزيمة في المعارك عوارض عابرة في حياة الأمم ، وما يهم هو الإرادة ، ففرنسا في وقت من الأوقات كان نصفها تحت الاحتلال النازي ونصفها الآخر خاضع لحكومة عميلة ، ولكن فرنسا لم تفقد إرادتها ، إن الشجاعة الحقيقية هي مواجهة المحن ، اما الأوقات السعيدة فإنها لا تستدعي هذه الشجاعة ) .
وكذا بعث الملك الحسين والرئيس بومدين وغيرهما الكثير ، والتي كانت ترى في تنحي عبدالناصر تحقيقاً لأهداف المعركة التي تشنها دولة الاحتلال ومن يقف خلفها من دول الغطرسة والاستعمار . وتتويجاً لإحكام سيطرتها علئ المنطقة بأسرها ، وقد أكدت كل البرقيات والرسائل علئ المطالبة بالعدول عنها تفويتاً لأهداف دول الاحتلال ومن يقف خلفها من ناحية ، ولاستمرارية المعركة وقيادة ناصر رمز التحدي والكرامة والعدو الأول للهيمنة والإمبريالية والصهيونية والاحتلال ، ولتجنيب مصر الفوضويات المحتملة .
الرئيس اللبناني ( شارل الحلو ) يبكي في قصر( بعبدا ) لسماعه تنحي الرئيس /جمال عبدالناصر ، وكذلك فعل الرئيس السوداني ( إسماعيل الأزهري ) وكذلك فعل رئيس وزراء السودان ( المحجوب ) في اتصال هاتفي مع المسؤولين المصريين لمنع التنحي .
يتبع ....