كيف حوّلت جماعة الحوثي التعليم إلى ساحة حرب فكرية

الاربعاء 12 نوفمبر 2025 - الساعة 10:01 مساءً
المصدر : الرصيف برس - خاص

 


 – إعداد:  / أحمد حوذان

 

منذ اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء عام 2014، لم يقتصر مشروعها على السيطرة المسلحة، بل تمدد إلى العقول والجامعات والمدارس. لم تعد الحرب في اليمن مجرد صراع على الأرض، بل تحولت إلى معركة على الوعي، هدفها الأول إطفاء نور التعليم وإشعال ظلام الجهل.

 

دور الأكاديميين ولماذا يُعدّون أهدافاً

 

الأكاديميون من أساتذة الجامعات والمحاضرين يلعبون أدواراً متعددة وحاسمة في المجتمع. عملهم لا يقتصر على تقديم المحاضرات، بل يشمل التدريس والبحث العلمي والإشراف الأكاديمي، وتطوير المناهج والمشاركة المؤسسية، إضافة إلى التوجيه والإرشاد المجتمعي. الأكاديمي هو منشط فكري ومؤثر اجتماعي، واستهدافه يهدد العمود الفقري للمجتمع العلمي والمعرفي.

 

لماذا يُستهدف الأكاديمي

 

استهداف الأكاديميين من قبل جماعات مسلحة أو أنظمة تخشى التنوير يعود إلى عدة دوافع: الأكاديميون ينيرون العقول ويعلمون الأجيال كيف تفكر، ما يجعلهم تهديداً لمن يسعى للسيطرة عبر الجهل أو التوجيه الأيديولوجي. هم منتجون للمعرفة والكفاءة، واستبدالهم أو تهميشهم يؤدي إلى تردٍّ جودة التعليم ويفتح الباب أمام السيطرة على الأجيال القادمة. كما أنهم جزء من النظم المؤسسية والمجتمعية التي تحقق المساءلة والتقدم، لذا فإن استهدافهم يمهّد لتدمير هذه النظم تدريجياً.

 

الحرب على التعليم: مشروع يبدأ من المعلم

 

منذ الأيام الأولى لانقلابها، بدأت جماعة الحوثي بإعادة صياغة المناهج الدراسية، تطهير الكوادر التعليمية، وفرض شعاراتها داخل المدارس والجامعات. مع مرور الوقت، اتضح أن الأمر ليس عشوائيًا، بل سياسة ممنهجة تستهدف العقول المتعلمة، لأن بقاء الجماعة قائم على الجهل والخضوع.

 

يقول الدكتور عبدالعزيز عيدان: "جماعة الحوثي لا تعيش إلا في بيئة الجهل. كلما زاد وعي الناس ذابت هذه الجماعة. لذلك تحارب المعلم والأستاذ والطالب، لأنهم نقيض وجودها."

 

استهداف التنوير: خوف الجماعة من كل عقل حر

 

يصف الدكتور عبدالله البكري، رئيس جامعة حجة، المشهد بالمرارة: "منذ نشأة الجماعة وهي تستهدف التنوير. من يعلّم الجيل الثورة والحرية والمواطنة يصبح عدوًا لها. إنها تريد أن تُبقي المجتمع غارقًا في ظلامها الفكري." ويشير إلى أن ما يحدث ليس مجرد انتقام من أفراد، بل محاولة منهجية لتدمير التعليم وتحويل الجامعات إلى منابر طائفية.

 

أما الدكتور عبده مدهش الشقري، فيقول: "المليشيات لا تعرف حرمة القانون ولا حرمة العلماء. يعيشون على القمع والإرهاب. الجديد هو أن تصل الوقاحة إلى حد اختطاف بروفيسور بحجم الدكتور حمود العودي، رغم شيبته ومكانته الأكاديمية." ويضيف: "العودي لم يُختطف لأنه معارض، بل لأنه قال الحقيقة، والساكت عن الحق شيطان أخرس، وهذا كافٍ ليُعتبر مجرمًا في عرف المليشيا."

 

الاختطافات الأخيرة: حمود العودي ورفاقه

 

في تطور مروّع يكشف مدى الدمج بين الحرب المسلحة والحرب الفكرية، قامت جماعة الحوثي يوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 باختطاف الأستاذ الجامعي والمفكر اليمني حمود العودي من منزله في صنعاء بعد استدعائه من قبل جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة، وتم اقتياده مع رفيقيه عبد الرحمن العلفي وأنور خالد شعب إلى جهة مجهولة. العودي يُعد من أبرز الأكاديميين في علم الاجتماع وأحد الأصوات المستقلة التي طالبت بالسلام والمصالحة، واختطافه يُعد رسالة واضحة إلى النخبة الأكاديمية بأن أي صوت يعلو بالفكر الحر معرض للملاحقة والقمع.

 

التعليم في اليمن: منبر للتحريض بدل المعرفة

 

تقول ناشطة حقوقية طلبت عدم الكشف عن اسمها: "ما تمارسه الجماعة ضد الأكاديميين ليس تصرفًا فرديًا، بل سياسة أيديولوجية هدفها طمس التعليم المدني واستبداله بتعليم طائفي يخدم مشروعها السياسي والمذهبي." وتضيف أن الجامعات اليوم تحت إدارة عناصر لا علاقة لهم بالتعليم، بل بالولاء، ويتم طرد الأساتذة وتعيين مؤيدين من السلالة أو خريجي الدورات الثقافية.

 

أرقام مرعبة لانتهاكات ممنهجة

 

بحسب تقرير لمنظمة رايتس رادار، الفترة بين 2014 و2024 شهدت سقوط 33 أكاديميًا قُتلوا، وإصابة 98 آخرين جراء الاستهداف المباشر، وتعرض أكثر من 630 أكاديميًا ومعلمًا للاختطاف أو الإخفاء القسري، وفصل 160 أكاديميًا تعسفياً من جامعة صنعاء وحدها عام 2018، وتسرب 4.5 مليون طالب من التعليم بسبب الحرب وانهيار النظام التعليمي. معظم الانتهاكات تتركز في صنعاء وذمار وإب وحجة، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين.

 

أصوات من داخل الميدان: الجهل هو سلاحهم

 

يقول الدكتور فاروق الصباري، عميد مركز اللغات بجامعة إقليم سبأ: "جماعة الحوثي لا تريد التعليم أساسًا. هدفها إعادة الشعب إلى الوراء مئة عام. كلما تعلم الشعب، أصبح أكثر وعيًا بحقوقه، وهذا ما تخشاه الجماعة." ويرى أن تجهيل الناس هو خط الدفاع الأول لبقاء المليشيا.

 

أما الدكتور محمد المصباحي فيؤكد أن الحوثيين يعتمدون على الجهل كأساس لبقائهم: "مشروعهم لا يسير إلا بوجود الجهل. يريدون تكميم أفواه المثقفين، لأن الأكاديميين هم الطبقة الأعلى في التنوير المجتمعي. يريدون إعادة الناس إلى الوراء، إلى زمن الجهل والطاعة العمياء."

 

تفريغ الجامعات وملء السجون

 

يتفق الأكاديميون والمراقبون على أن ما يحدث ليس سوى تجريف للعقول. الجامعات التي كانت منابر للبحث والنقاش تحولت إلى مراكز تعبئة فكرية، بينما امتلأت السجون بأساتذة الجامعات الذين رفضوا الانصياع. يقول أحد الأكاديميين: "أصبحنا نعيش في واقع مرعب، إما أن تردد شعارات الجماعة أو تُتهم بالخيانة."

 

من حرب البنادق إلى حرب العقول

 

يشير تقرير حديث لمنظمة رايتس رادار إلى أن جماعة الحوثي تخوض حربًا مزدوجة: حربًا على الجبهات وأخرى على التعليم، تهدف إلى تربية جيل لا يعرف سوى السمع والطاعة. ويحذر خبراء من أن استمرار هذه السياسة سيؤدي إلى جيل فاقد للهوية الوطنية، وأن الحرب الفكرية أخطر من الحرب العسكرية نفسها.

 

 مشروع يقوم على الجهل لا يمكن أن يبني وطنًا

 

يتفق جميع الأكاديميين الذين تحدثوا إلى مأرب اليوم أن الحوثيين حوّلوا التعليم إلى أداة للهيمنة والسيطرة، وأنهم يخوضون حربًا صامتة ضد الوعي. لم تعد المدارس والجامعات مؤسسات للعلم، بل ساحات لغسل العقول، وتربية أجيال على الولاء لا الكفاءة. في النهاية يظل السؤال مفتوحًا: هل يمكن لليمن أن ينهض بينما تُختطف نخبه الأكاديمية وتُدفن العقول في الزنازين؟

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس