أطفال اليمن في يومهم العالمي.. حكاية الألم الذي لا صوت له

الجمعه 21 نوفمبر 2025 - الساعة 06:04 مساءً
المصدر : الرصيف برس - منظمة سام

 


قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن اليوم العالمي للطفولة في اليمن لم يعد مناسبة احتفالية بقدر ما أصبح لحظة لمساءلة جماعية عن عقدٍ كامل من الحرب حوّل حياة الأطفال إلى ساحة مفتوحة للجوع والخوف والنزوح والحرمان، وأنتج في عامي 2024 و2025 موجة جديدة من الانتهاكات المركّبة التي تهدد حاضرهم ومستقبلهم على حدّ سواء.

 

وأضافت أنه ومع مرور أكثر من عقد كامل على اندلاع الحرب، لم يعد الطفل اليمني قادراً على الحصول على أبسط مقومات الوجود الإنساني، إذ تتحوّل سنوات طفولته إلى مرحلة صراع يومي من أجل البقاء، ويتعرض هؤلاء الأطفال لحرمان مستمر من الغذاء والدواء والتعليم والحماية، في ظل تفكك الدولة وتراجع قدرة المجتمع على توفير أي شبكات أمان اجتماعي.

 

إنّ الطفولة في اليمن لم تعد مجرّد فئة ضعيفة في سياق الحرب، بل أصبحت قلب المأساة الإنسانية الأعمق، ومؤشّرا صادما على تهشّم الدولة، وانهيار المنظومة الاجتماعية، واستمرار الإفلات من العقاب، وفي حين تُلزِم الاتفاقيات الدولية كل الأطراف بحماية الأطفال، ما يزال الصمت العالمي أحد أكبر الفجوات الأخلاقية التي تسمح باستمرار هذه الكارثة

 

طفولة محاصَرة بين الحرب والجوع

 

تؤكد التقارير الحقوقية الدولية أن اليمن يظل إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم؛ ففي تقريرها عن أحداث عام 2024 أشارت هيومن رايتس ووتش إلى أن أكثر من 18.2 مليون إنسان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بينهم ملايين الأطفال الذين تضرروا من الهجمات على المدارس والمستشفيات والمياه والغذاء، مع استمرار تجنيد أكثر من 4,000 طفل في القتال من قبل الأطراف المختلفة. هذه الأرقام لا تصف فقط حجم الاحتياج، بل تكشف عن منظومة انتهاكات ممنهجة تستهدف الحق في الحياة والصحة والتعليم والحماية في آن واحد. 

 

وأشارت ورقة الحقائق الإنسانية الصادرة عن المجلس النرويجي للاجئين في مايو 2025 إلى أن 19.5 مليون شخص – حوالي نصف سكان اليمن – بحاجة إلى مساعدات وحماية إنسانية، بينهم 15 مليون امرأة وطفل، وأن 4.5 مليون شخص ما زالوا نازحين داخلياً، في حين يعجز 17.1 مليون شخص عن الحصول على غذاء كافٍ يقيهم الجوع. هذه الصورة العامة تؤكد أن الطفل اليمني يعيش في بلد تتقاطع فيه صدمات الحرب مع الانهيار الاقتصادي وتقلّص المساعدات الدولية، فيتحول كل جانب من حياته اليومية إلى معركة للبقاء.

 

أزمة غذائية تستهدف الأطفال أولاً

 

تشير بيانات اليونيسف من جنيف الصادرة في 25 مارس 2025 إلى أن نصف أطفال اليمن دون سن الخامسة (50%) يعانون من سوء التغذية، بينهم أكثر من 540 ألف طفل في حالة سوء تغذية حاد وشديد، إلى جانب 1.4 مليون امرأة حامل ومرضعة يعشن الظروف نفسها، مع ارتفاع أسعار الغذاء بأكثر من 300% خلال عشر سنوات، وتدمير أو تعطيل الموانئ والطرق التي تمثل شريان الحياة للغذاء والدواء. هذا يعني عملياً أن ملايين الأطفال يستيقظون وينامون على معدة خاوية، في بيئة لا تستطيع فيها الأسر تغطية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية. 

 

وفي 16 أكتوبر 2025 حذّرت منظمات دولية، من خلال ورقة مشتركة حول تفاقم الجوع في اليمن، من أن البلاد أصبحت ثالث أكبر أزمة غذائية في العالم، وأن نصف السكان تقريباً يواجهون الجوع، فيما يعاني ما يقارب نصف الأطفال دون الخامسة من سوء تغذية مزمن (تقزّم). وأوردت الوثيقة أن أكثر من 100 مديرية باتت في حالة طوارئ تغذوية حرجة، مع تسجيل وفيات لأطفال جراء الجوع في مديريات مثل عبس في حجة، وتوقّع ارتفاع حاد في سوء التغذية الحاد في الحديدة وتعز بنسبة تصل إلى 15–30% بحلول نهاية العام.

 

وتحذر الوثيقة نفسها من أنه بحلول أوائل 2026 سيكون أكثر من 18 مليون شخص في اليمن على حافة أو في مستويات أزمة من الجوع، بينهم نحو 41 ألف شخص مهددون بالمجاعة، في وقت تراجعت فيه تمويلات برامج الأمن الغذائي والتغذية إلى أدنى مستوى منذ عشر سنوات، مع إغلاق أكثر من 2,800 مرفق علاجي وسقوط معظم سلاسل الإمداد الخاصة بالأغذية العلاجية، مع الإشارة إلى أن هذا النمط من الحرمان لا يعني نقص الطعام فقط، بل يعني خسارة الأطفال لقدراتهم الجسدية والذهنية مدى الحياة، وتحويل الجوع إلى واحدة من أخطر أدوات الإفقار والعنف البطيء ضد الطفولة.

 

التعليم المنهار.. جيل خارج المدرسة

 

تظهر ورقة الحقائق الصادرة عن المجلس النرويجي للاجئين في مايو 2025 أن قطاع التعليم أحد أكثر القطاعات إهمالاً في الاستجابة الإنسانية؛ إذ يقدَّر أن 6.8 مليون طفل وشاب بحاجة ماسة إلى دعم تعليمي، في حين لم يصل الدعم إلا إلى 28% منهم فقط، كما تؤكد الورقة أن قرابة 3.2 مليون طفل لا يرتادون المدرسة إطلاقاً، بينهم 1.6 مليون طفل نازح وقرابة 594 ألف طفل من ذوي الإعاقة، ما يعني أن ملايين الأطفال يُدفَعون قسراً نحو العمل المبكر أو التجنيد أو الشوارع بدلاً من مقاعد الدراسة.

 

وتشير الورقة نفسها إلى أن 65% من المعلمين لا يتقاضون رواتب أو حوافز، وأن الاكتظاظ الشديد في الفصول، وتهالك المباني، وغياب الكتب والوسائل التعليمية، دفع كثيراً من المعلمين إلى ترك المهنة، كما جعل البيئات التعليمية أكثر هشاشة وعرضة للعنف والتجنيد. وعندما تتزامن هذه الظروف مع القصف أو تحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية – كما وثقته منظمات يمنية ودولية منذ 2015 – يتحول التعليم من حق مضمون إلى امتياز نادر لا يناله إلا القليل، بينما تتوسع دائرة الأمية والجهل بين الأطفال، خاصة في المناطق الريفية ومخيمات النزوح.

 

وأضافت سام أن عشرات الاعتداءات على المنشآت التعليمية والصحية، بالتوازي مع بقاء 4.5 مليون طفل خارج التعليم بحسب تقديرات اليونيسف السابقة، وتدمير أو إعادة استخدام نحو 3,000 مدرسة لأغراض عسكرية خلال سبع سنوات، يهدد بحرمان اليمن من جيل كامل متعلم، ويحوّل الأطفال إلى وقود سهل لدورات جديدة من العنف والفقر.

 

انتهاكات الجسيمة بلا مساءلة

 

تؤكد البيانات المشتركة للمنظمات اليمنية في “تحالف ميثاق العدالة لليمن” أن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال استمرت خلال عام 2024 بوتيرة مقلقة؛ حيث تم توثيق 283 حالة انتهاك جسيم بين فبراير 2023 وسبتمبر 2024، شملت القتل والتشويه والتجنيد والعنف الجنسي والاختطاف والهجمات على المدارس والمستشفيات ومنع المساعدات الإنسانية، وتُظهر الأرقام أن 84% من هذه الانتهاكات ارتُكبت من قبل جماعة الحوثي، و14% من قبل الحكومة والمجلس الانتقالي، و2% من جهات مجهولة، في تأكيد واضح على أن جميع الأطراف منخرطة في دائرة العنف ضد الطفولة، وأن غياب المساءلة يغذي تكرار الجريمة. 

 

وتضيف تقارير سام الحقوقية بعداً زمنياً أوسع، إذ رصدت المنظمة بين 2014 ومنتصف 2020 أكثر من 30,000 انتهاك ضد الأطفال، شملت مقتل 5,700 طفل، وتوزعت المسؤولية عنها بنسبة 70% للحوثيين و15% للتحالف و5% للحكومة و10% لأطراف أخرى، ما يعكس استمرارية نمط العنف بحق الأطفال من بداية الحرب وحتى اليوم، مع تغير أشكال الانتهاكات وتنوع أدواتها، لكن ضمن سياق واحد من الإفلات من العقاب وغياب العدالة. 

 

في 13 يوليو 2025 أعلنت منظمة أنقذوا الأطفال عن مقتل خمسة أطفال في محافظة تعز جنوب غرب اليمن، عندما انفجرت ذخيرة غير منفجرة أثناء لعبهم كرة القدم، ليرتفع بذلك عدد الأطفال الذين سقطوا ضحايا للألغام والذخائر غير المنفجرة خلال النصف الأول من عام 2025 إلى ما لا يقل عن 40 طفلاً، في سياق أوسع شهد خلال الأشهر الستة نفسها مقتل أو إصابة 107 مدنيين بهذه المخلفات، بحسب مشروع رصد الأثر على المدنيين.

 

وتشير المنظمة إلى أن عام 2024 وحده شهد 260 ضحية مدنية بسبب الألغام والذخائر غير المنفجرة، كان أكثر من ثلثهم من الأطفال، وأن اليمن يعد من أكثر بلدان العالم تلوثاً بمخلفات الحروب. وبحسب الأمم المتحدة، بين أغسطس 2023 ويوليو 2024 وقع 79 حادث انفجار ألغام في الحديدة ومناطق أخرى، أدت إلى مقتل 49 شخصاً وإصابة 66 آخرين، بينهم أطفال، مع تحول مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والقرى إلى مناطق محظورة على السكان خوفاً من الموت المفاجئ تحت أقدامهم. 

 

طفولة مسحوقة بين الحرمان

 

تُظهر دراسة “تحليل الفقر متعدد الأبعاد لدى الأسر وأبعاد الحرمان المتداخلة لدى الأطفال في اليمن 2024” أن الفقر في اليمن لم يعد مجرد نقص في الدخل، بل تحول إلى منظومة حرمان متداخلة تشمل الغذاء والصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي والسكن والحماية، وأن نسبة كبيرة من الأطفال -في بعض الفئات العمرية- تعاني حرماناً في أكثر من بُعد في آن واحد، مع تجاوز نسب الحرمان في بعض المؤشرات عتبة 60 - 70% بين الأطفال من 0 إلى 17 سنة، وهو ما يعني عملياً أن الطفل محروم في الوقت نفسه من الغذاء الكافي، والمياه النظيفة، والتعليم اللائق، والبيئة السكنية الآمنة.

 

وفي ظل هذه الصورة المركّبة، تغدو معاناة الأطفال متداخلة؛ فالطفل الذي يُخرج من المدرسة للعمل، غالباً ما يعمل في بيئات خطرة بلا حماية أو أدوات سلامة، كما أظهرت الدراسة أن نسبة عمالة الأطفال تبلغ 15.9%، ونسبة الأطفال العاملين في ظروف خطرة تبلغ 23.4%، وهي نسب مرشحة للارتفاع في ظل التدهور الاقتصادي، وتخفيض برامج المساعدات في 2025. هذه الدائرة من الحرمان تغذي التجنيد، وزواج القاصرات، وتسرّب الأطفال من التعليم، وتحوّل الفقر إلى وعاء جامع لانتهاكات متعددة ضد الطفولة.

 

نداء سام.. مطالب عاجلة لحماية الطفولة في اليمن

تؤكد منظمة سام للحقوق والحريات أنّ حماية الطفولة في اليمن لم تعد شأناً إنسانياً فحسب، بل باتت شرطاً لبقاء المجتمع نفسه، في ظلّ التدهور المتسارع الذي يهدد حياة ملايين الأطفال ويقوّض فرصهم في الصحة والتعليم والأمان. وفي هذا السياق، تدعو سام إلى حزمة مطالب عاجلة وملحّة، موجّهة إلى الأطراف المحلية والدولية، لضمان حماية شاملة ومستدامة لحقوق الطفل.

 

1. وقف الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال دون أي شروط

تناشد سام جميع أطراف النزاع وقف العمليات التي تستهدف الأطفال أو تؤثر على حياتهم بشكل مباشر أو غير مباشر، بما في ذلك القصف العشوائي، والتجنيد، والعنف الجنسي، والاستغلال، والاختطاف، واستخدام المدارس والمستشفيات لأغراض عسكرية. كما تدعو إلى اتخاذ إجراءات عملية تضمن منع تكرار هذه الجرائم، من خلال آليات رقابة ومساءلة فعّالة.

 

2. تحييد التعليم بالكامل وإعادة تأهيل المدارس

تطالب سام بتحييد المرافق التعليمية عن أي صراع سياسي أو عسكري، وإعادة فتح المدارس المتضررة وترميمها، وضمان وصول الأطفال إلى التعليم الآمن والجيد، خصوصاً في المناطق التي تشهد معدلات نزوح مرتفعة. وتشدد المنظمة على ضرورة صرف رواتب المعلمين، وتوفير الكتب والوسائل الأساسية التي تسمح باستئناف العملية التعليمية بصورة طبيعية.

 

3. مكافحة التجنيد بكافة أشكاله وإعادة تأهيل الضحايا

تدعو سام إلى وقف حملات التجنيد القسري أو الطوعي للأطفال، سواء في المعسكرات أو المدارس أو الأنشطة الاجتماعية، وفتح برامج وطنية لإعادة إدماج الأطفال المجندين، تشمل الدعم النفسي، وإعادة لمّ الشمل، والتعليم المعوَّض، والحماية الاجتماعية.

 

4. معالجة الجوع وسوء التغذية عبر تدخلات مستدامة

تحثّ سام الحكومة والأمم المتحدة والجهات المانحة على معالجة أزمة الجوع التي تهدد ملايين الأطفال، من خلال توسيع برامج التغذية العلاجية، واستئناف سلاسل الإمداد، وتوفير دعم نقدي مباشر للأسر الأكثر فقراً، وضمان وصول المساعدات دون عوائق، خاصة في المناطق خاضعة للقيود المشددة.

 

5. توسيع برامج الحماية النفسية والاجتماعية

تدعو سام إلى إنشاء مراكز دعم نفسي متخصصة للأطفال المتأثرين بالحرب، بمن فيهم الناجون من العنف الجنسي، وضحايا الألغام، والأطفال الذين فقدوا ذويهم، والأطفال الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة. وتؤكد أنّ غياب هذه البرامج يترك الأطفال عرضة لانهيارات طويلة الأمد، ويقود إلى دورات متكررة من العنف.

 

6. تسريع وتوسيع عمليات إزالة الألغام

تطالب سام بتمويل عاجل ومستدام لبرامج نزع الألغام والذخائر غير المنفجرة، وتوسيع حملات التوعية بمخاطرها في المدارس ومخيمات النزوح والقرى الريفية. كما تدعو إلى إنشاء سجل وطني لضحايا الألغام، وتوفير الدعم الطبي المتخصص والأطراف الصناعية وبرامج التأهيل للناجين من الأطفال.

 

7. حماية وصول المساعدات الإنسانية دون قيود

تناشد سام جميع الأطراف رفع القيود والعوائق التي تعطل عمل المنظمات الإنسانية، سواء عبر التصاريح أو نقاط التفتيش أو التدخل في اختيار المستفيدين. كما تدعو إلى تحقيق بيئة عمل آمنة للعاملين الإنسانيين، وإطلاق سراح المختطفين منهم، وضمان حمايتهم القانونية.

 

8. إنشاء آلية دولية مستقلة للمساءلة

تطالب سام بإطلاق آلية دولية متخصصة لجمع الأدلة والتحقيق في الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال منذ بداية النزاع، باعتبار أن غياب المساءلة هو العامل الأبرز الذي يغذي استمرار الجرائم. وتؤكد أن العدالة الانتقالية وجبر الضرر يجب أن تكون جزءاً أصيلاً من أي تسوية سياسية مستقبلية.

 

9. وضع الطفل في قلب أي عملية سلام مستقبلية

تدعو سام الوسطاء الإقليميين والدوليين إلى إدراج حماية الأطفال كأولوية في أي مفاوضات سياسية مقبلة، باعتبار أن أي سلام لا يضمن حقوق الطفل في الحياة والتعليم والصحة والحماية سيظلّ سلاماً هشّاً، ويتهيأ للانهيار عند أول اختبار.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس