الإنـكـسـارالـعـربـي بـيـن هـزيـمـتـيـن !! الـتـأسـيـس الـسـاداتـي لـلـهــزيـمـة (الحلقة السادسة)
الثلاثاء 21 يونيو 2022 - الساعة 07:28 مساءً
نبيل أمين الجوباني
مقالات للكاتب
₩وعودة على ذي بدء نقول : إن الانهزامية العربية بدأت مع السادات من كامب ديفيد وما أسست له من اتفاقات الهوان والذل والعار التي تلتها في مدريد و أسلو ووادي عربة !! .
وزيارة ( السادات ) للكنيست الإسرائيلي كانت المفتتح البداية ، بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد التي أسست لكل هذه الانهزامية العربية التي استوطنت الذات العربية منذ ذلك التوقيع المشين والمهين والمخزي والمعيب الذي تجرعت فيه مصر والسادات قبل غيرهما ويلاته ، فقد عزلت مصر عربيًا ، لاسيما وأن فكرة عزل مصر عن محيطها العربي كانت واحدة من مواد الاتفاق الساداتي مع العدو الإسرائيلي المحتل ، وقد لقى السادات حتفه بسبب هذا الاتفاق مع العدو الصهيوني وزيارته المشؤومة لدولة الاحتلال .
ذاك في قناعتي الخاصة هو ما أصاب الذات العربية بالانهزامية والانكسار لا نكسة 5 حزيران /يونيو 1967م ، فبعد أن كان مصر حاملة دفة القيادة وصاحبة المشروع الوطني العربي التحرري الكبير في حقبة عبدالناصر غدت مصر السادات حاملة لواء التطبيع والمشروع الساداتي الخاص والصغير ، و بزيارته المشؤومة تلك يمنح دولة الاحتلال اعترافاً دولياً بها عربياً على حساب فلسطين والقضية الفلسطينية برمتها وعلى حساب كل التحديات .
ولتستفرد الدولة المحتلة ومن تكفل بحمايتها وتأمينها بالمنطقة العربية وبدولها دولةً دولةً ، وتضربا معاً ( مصر واسرائيل) التضامن العربي والدفاع العربي المشترك بأسفين .
لم تربح مصر والرابح هو دولة الكيان الغاصب بكل المقاييس الذي ليس لديه شيئاً ليخسره !!
لقد كانت زيارة الرئيس السادات للدولة الاحتلال الصهيوني وفي عقر الكنيست هي القاتلة ليس له ، ولكن للأمة ولفلسطين تحديداً ، وللنفسية العربية المأزومة ، فكان الانكسار وكانت الانهزامية ، ومن حينها كفرت الشخصية العربية بكل أملٍ وبكل حلمٍ جميلٍ، بفعل تلك الردة الساداتية وانفلابة على مشروع عبدالناصر وثورة 23 يوليو العظيمة والذي هو مشروع أمة ، والتي من يومها وحتى اليوم لم يستطع العرب تجاوز تلك المحنة ؛ بل استطاعت دولة الاحتلال الصهيوني أن تمارس مع دول المنطقة ما سبق ومارسته مع السادات ، ولم تهرول إليها دولة الاحتلال بل سارعت الدول إليها بثقةٍ وارتجالٍ ودون حياءٍ أو حمرةِ خجل .
سار الجميع على منوال السادات باتفاقيات بعضها معلن ، وبعضها الآخر غير معلن ، بل ويمكن القول أن السادات استطاع أن يسترد بعضاً من أرض بلاده ، وإن رأى الكثير من النقاد أنه - أي السادات - انتصر عسكرياً في 1973م وهزم سياسياً باتفاقيات كامب ديفيد مع دولة الكيان الغاصب ، وإن عده البعض سياسياً لايبارى ولا بجارى ، وإن اعددنا ما أقدم عليه السادات خيانةً ومحاولة منه للخروج من إسار عبد الناصر والتجربة الناصرية عموماً ، أو لنقل لمحاولة إثبات وجوده ، ولو بتلك الطريقة التي ستدفع بالجميع لإرضاء ذاك الشعور لديه من الإفلات من إسار شخصية وكارزمة عبدالناصر .
تلك الحقيقة التي أصابتنا كعرب وكدول ونخب ومثقفين وشعوب وساسة وأفراد بانكساراتٍ وشروخٍ على مستوى الحلم والمكانة والطموح بل وعلى مستوى الوجود ذاته .
وهي الحقيقة التي أسس السادات عليها مشروعه الانهزامي ، والذي كان له مابعده وغير في وجه التاريخ والأمة من ناحية ، وأصاب الذات العربية بالإنكسار والانهزامية !!
كانت شعوبنا العربية وشعبنا المصري جزء منه برغم نكسة 5 حزيران 1967 م وبرغم الهزيمة في أوج تفاعلاتهم وانفعالاتهم تطالب باستمرار المعركة وعلى ثقة تامة بنفسها وبقيادة عبدالناصر لهذه المعركة بكفاءةٍ واقتدار ومسؤولية، في حين أنها ذات الجماهير التي انكسرت باتفاق كامب ديفيد وانهزمت بزيارة السادات لدولة الاحتلال، وما ترتب على ذلك من تطبيعٍ وتمثيل دبلوماسي وتبادل تجاري وووو… إلخ.
من يستطيع أن يقول بغير هذا القول :
فالسنوات التي اعقبت نكسة 67 كانت أفضل من ذي قبل عسكربا ، وأفضل سنوات عبدالناصر بشهادة باحثين ، قياساً إلى قيمة العمل والجهود المبذولة منه رحمة الله عليه، و قياساً بحجم التحديات التي كانت تواجهه وتواجه مصر ، فلم يكن أمام مصر الآ أن تعمل بكل ما اؤتيت من قوة لتتجاوز نكستها ومحنتها، وتقف على اقدامها ، وتصحح مسار خطاها ، وتتلافى أخطاء الماضي ، وتطوي صفحة النكسة أو الهزيمة وتتجاوز آثار الهزيمة في النفسية المصرية أولاً والعربية ثانياً ، وإعادة بناء الوجدان العربي والمصري ثالثا ً، وإعادة الثقة بالجندي المصري وبالجيش المصري عموماً وبالمشروع العروبي .
فكانت حربي الاستنزاف واكتوبر73 دليل عمل وجهد ومسؤولية مقتدرة هذا جانب ، والآخر أن عملاً مضنيا قد تم التأسيس له ليكون الجندي المصري على وجه الدقة والتحديد هو صانع الأمجاد العروببة وصانع النصر، وبطل الحرب، وست سنوات من العمل المضني والكد والإصرار واعادة البناء قد جعلته صانع البطولة وصاحب الفضل بعد الله سبحانة وتعالى في انتصارات الاستنزاف والسادس من أكتوبر 73 م ، ورفعت من اسمه وأسهمه وخلدت آثاره ومآثرة في الذاكرة الوطنية والعسكرية ، وأعادت الاعتبار والثقة للوحدان العربي والمصري تحديداً..
ست سنوات بين النكسة وآخر المواجهات المنتصرة في أكتوبر 1973 م، والجندي المصري يخوص تدريبات قاسية في التكتيك والتكتيك والتخندق واكتساب المهارات والعلوم العسكرية الحديثة تقنياً ومعرفيا ً ، لتعيد للشخصية العسكرية المصرية اعتبارها ، وللمواطن المصري والعربي ثقته بنفسه بعد أن هزت النكسة جيلاً بأكمله ، وهو ذات الجيل الذي خاض غمار هذه المعارك ليصنع الانتصار على مدى ست سنوات من البناء العسكري المهني الصرف ، فالجيش المصري ومن خلفه شعبة العربي صاحب الحضارة الضاربة الجذور في أعماق التاريخ الإنساني والممتدة لسبعة آلاف سنة، ومن حق هكذا جيش أن ينبري لمعركة التحدي والوجود ليكون ويسود ، أو ليطوي صفحته من الوجود فلا يكون ولا يعود ، وقد انتصر لإرادته الوطنية والعروبية وسيظل رهان الأمة كلها عليه . فهم خير الاجناد .
هذه هي الشخصية المصرية التي تتخلق في الأجيال ، وتتناقل في جينات الشخصية المصرية لتهب كمارد ٍ يصنع المعجزات ويجترح المستحيل .
مابعد 67 تختلف تماماً عما قبلها ، والوطنية المصرية عسكرياً وان كانت حاضرة فيهما الآ أنها بعد النكسة تجلت في اروع صورها في تحمل الجلد والاعباء ، وقبول التحدي والانتصار لمصر وللعروبة و للوطنية المصرية التي تجشمت ست سنوات من البناء والتعب وإعادة الثقة والاعتبار للشخصية المصرية.
ومن يرى غير ذلك فليدلي برأيه معللاً وموضحاً ً قوله ومستشهداً بحقائقه .
وصدق الزعيم الراحل / جمال عبد الناصر عندما قال فى خطابه يوم 23 نوفمبر 1967م :
( وإن تقع رقعة من أرض الوطن أسيرة فى يد عدو زُوِّدَ بإمكانيات ٍ تفوقُ طاقته فهذه ليست الهزيمة الحقيقية ، ولا هى النصر الحقيقى للعدو، وأن تقع إرادة ُ الشعب أسيرة ٌ فى يد هذا العدو فهذه هى الهزيمة الحقيقية وهذا هو النصر الحقيقى للعدو ) .
وقد وصف الرئيس الفرنسي / شارل ديجول نكسة 5 حزيران 1967م قائلاً : ( المعركة أمريكية والأداء إسرائيلي)
في تأكيدٍ أن هزيمة 1967 م كانت في حقيقتها مواجهة مع الأمريكان بدلالة اعلانهم لدعمهم الكامل لاسرائيل، وليس ذلك وحسب بل والترام الأمريك بتعهداتها بحمايتها وبضمان التفوق العسكري في هذه المعركة.
ولنتفق أن هناك ثمة فساد داخل السلطة المصرية بل وداخل المؤسسة العسكرية وهو من قاد للهزيمة في معركةٍ لم تكن إلآ من طرفٍ واحدٍ _ رغم الاستعداد لها كما تقول بذلك كل المؤشرات _ وكان بطلها صاحب الضربة الأولى والأخيرة والتي شلت حركة الجيش والطيران والمطارات بكل أسفٍ ، ولم تقم معركة أو مواجهات حتى نقيم الحجة !!
وعدم قيام مواجهات هو بحد ذاته الحجة التي تؤخذ على النظام، وهو ما كشف مكامن الخلل و الفساد في المؤسسة العسكرية، ومع ذلك كان أن أحدثت الهزيمة مواجهات عنيفة على مستوى تصحيح وتصويب مكامن الخلل والفساد داخل المؤسسة العسكرية، وهو ما تلى ذلك في إعادة بناء القوات المسلحة وتصحيح أوضاعها ، وهو ما أسس لشرعية المعركة القادمة التي انتصرت في كل جولاتها .
و مع ذلك أعلن الزعيم الرَّاحل /جمال عبدالناصر تحمل المسؤولية كلها .
( لقد تعودنا معاً في أوقات النصر وفي أوقات المحنة ، في الساعات الحلوة وفي الساعات المرة ، أن نجلس معاً ، وأن نتحدث بقلوب مفتوحة ، وأن نتصارح بالحقائق ، مؤمنين أنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائماً أن نجد اتجاهنا السليم ، مهما كانت الظروف عصيبة ، ومهما كان الضوء خافتا ).
( نصل الآن إلى نقطة ٍ هامةٍ في هذه المكاشفة بسؤال ِ ِأنفسِنَا :
هل معنى ذلك أننا لا نتحمل المسؤولية في تبعات هذه النكسة ؟
وأقول لكم بصدق ٍ - وبرغم أية عوامل ٍ قد أكون ُ بنيتُ عليها موقفي في الأزمة - فإنني على استعداد لتحمل المسؤوليةِ كُلِّهَا ، ولقد اتخذتُ قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدوني عليه :
لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أي منصبٍ رسميٍ وأي دور ٍ سياسيٍ، وأن أعودَ إلى صفوف الجماهير ، أؤدي واجبي معها كأي مواطنٍ آخر . . . ).
يتبع.....