إعدام تعسفي.. تقرير يوثق الإعدامات التعسفية في صنعاء ضد مدنيين من قبل القضاء الذي يشرف علية الحوثي
الاربعاء 10 ديسمبر 2025 - الساعة 03:51 مساءً
المصدر : الرصيف برس - منظمة سام

أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات تقريرها الحقوقي الجديد بعنوان "إعدام تعسّفي"، وهو تقرير موسّع يرصد ويوثق الأحكام الصادرة عن المحكمة الجزائية المتخصصة الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي في صنعاء ضد 17 مدنيًا يمنيًا، عقب محاكمات وصفتها المنظمة بأنها صورية، مستعجلة، وخالية من أدنى ضمانات العدالة والمحاكمة العادلة.
يكشف التقرير الذي يمتد على نحو ثلاثين صفحة حجم الانتهاكات الجسيمة التي رافقت عمليات الاعتقال والتحقيق والمحاكمة، والتي – وفق ما وثقته المنظمة عبر شهادات مباشرة ووثائق رسمية وصور من داخل مراكز الاحتجاز – اتسمت بغياب الإجراءات القانونية السليمة، واعتماد اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، واستخدام القضاء كأداة لإضفاء شرعية شكلية على قرارات سياسية مُسبقة.
بحسب التقرير، تأتي هذه الأحكام في سياق تصعيد واسع بدأ منذ عامين تقريبًا، يشمل موجات اعتقال، وإنشاء أجهزة أمنية موازية، واعتماد تشريعات مشدّدة، إلى جانب توظيف تهمة "التخابر" أو "العمالة" لجهات أجنبية كذريعة لمعاقبة الأصوات المستقلة أو المدنية.
ويؤكد التقرير أن هذه التهم لم تُدعَم بأي أدلة مادية، بل جاءت ضمن نمط متكرر لتسييس القضاء وتحويل الخلاف السياسي إلى "جريمة خيانة" تُبرّر العقاب القاسي وتضفي عليه غلالة قانونية شكلية.
ويبرز التقرير حقيقة لافتة تتعلق بطبيعة الأشخاص الذين استهدفتهم هذه الأحكام، إذ لم يكونوا – كما تكشف الشهادات الميدانية – سوى مواطنين بسطاء لا علاقة لهم بأي نشاط سياسي أو أمني.
وتُظهر المعلومات التي اعتمدتها المنظمة أن بعضهم حرفيون، وآخرون عمّال يوميون، أو شباب فقراء، أو مرضى كانوا يعيشون حياة هامشية قاسية قبل اعتقالهم.
ويؤكد التقرير أن جماعة الحوثي توسّعت عمدًا في دائرة الاتهامات بحيث تشمل الفئات الأكثر هشاشة، لاستخدامها في صناعة رواية رسمية تُظهر وجود "شبكات تخابر" و"عملاء"، بينما لا تستند هذه الاتهامات إلى أي قرائن قانونية معتبرة.
وهكذا تحوّل الأبرياء – وفق التقرير – إلى ضحايا لاتهامات فضفاضة مُجهّزة مسبقًا، تُستخدم لإظهار الشدة الأمنية وترسيخ الخوف داخل المجتمع، في انتهاك مباشر لحقهم في الكرامة والعدالة.
وثّق التقرير تعرض معظم الضحايا لعمليات اختطاف وإخفاء قسري استمرت لأشهر طويلة دون السماح لهم بالتواصل مع أسرهم أو محاميهم، ودون صدور أوامر قضائية.
كما نقل التقرير عن أسر الضحايا معاناة يومية مضنية في البحث داخل السجون والمراكز الأمنية، وسط صمت تام بشأن أماكن الاحتجاز.
ويؤكد أن بعض المحتجزين ظلوا مختفين لفترات تجاوزت ثلاثة إلى أربعة أشهر قبل ظهورهم لأول مرة، بملابس السجن، لإجبارهم على الإدلاء باعترافات مصوّرة أمام كاميرات الإعلام التابع للجماعة.
يرصد التقرير شهادات واسعة حول تعذيب قاسٍ شمل الضرب المبرح، التعليق، الصعق الكهربائي، العزل الانفرادي، والإيذاء النفسي. ويؤكد أن عددًا من الضحايا ظهروا في جلسات المحاكمة بملامح واضحة للإعياء، وأن المحكمة رفضت طلبات المحامين بعرضهم على أطباء أو فتح تحقيق في مزاعم التعذيب.
كما حُرم المتهمون من الدفاع، ومنع المحامون من الاطلاع على الملفات أو الحديث بحرية في الجلسات، بينما كانت الأحكام جاهزة قبل بدء النظر في القضايا.
يتناول التقرير بالتفصيل عملية إعادة هندسة القضاء في صنعاء، وتعيين قضاة موالين للجماعة على رأس المحكمة الجزائية المتخصصة، وتحويلها إلى منصة لتمرير قرارات أمنية معدّة مسبقًا.
ويوضح التقرير أن عددًا من القضاة باتوا معروفين داخل صنعاء بلقب "قضاة الإعدامات"، بسبب كثافة الأحكام القاسية التي يصدرونها في قضايا ذات طابع سياسي، ما جعل المحكمة أداة أمنية أكثر منها جهة قضائية مستقلة.
يروي التقرير قصصًا إنسانية موجعة لضحايا مثل الدكتور مهاجم حجار، الذي كان مريضًا يعاني من مضاعفات عمليات جراحية قبل اختطافه، ثم ظهر بعد أشهر بملامح منهكة في تسجيل مُصوّر يعلن “اعترافات” فُرضت عليه.
كما يروي قصة الشاب فيان نيسان الذي كان يعمل في إصلاح الأطباق اللاقطة لإعالة أسرته قبل أن يُتهم بالعمالة دون أي دليل، ويُحكم عليه في جلسة قصيرة لا تتجاوز دقائق.
وتظهر هذه القصص – كما يورد التقرير – حجم الظلم الذي تعرض له أفراد من الطبقات الأضعف، الذين استخدمت معاناتهم لتثبيت رواية أمنية لا علاقة لها بحياتهم أو واقعهم.
خلص التقرير إلى أن الأحكام الصادرة تمثل إعدامات تعسفية ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب وفق القانون الدولي الإنساني، كونها نُفّذت بعد محاكمات تفتقر إلى المعايير الدنيا للعدالة، وفي سياق نزاع مسلح، وبما يخالف اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
اختتمت سام تقريرها بجملة من التوصيات، أبرزها:
- وقف تنفيذ أحكام الإعدام فورًا.
الكشف عن مصير المختفين وضمان سلامتهم.
- تمكين المحامين من التواصل الحر والآمن مع موكليهم.
- فتح تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات.
- تفعيل آليات المساءلة الدولية ضد القضاة والجهات الأمنية الضالعة في هذه الممارسات.














