حكومة رقمية: ببساطة.. كيف يمكننا صناعة سلام أبدي؟!

الخميس 17 نوفمبر 2022 - الساعة 11:58 مساءً

 

قبل أن نتحدث عن الآلية الممكنة لإنهاء الحرب وصناعة سلام داخلي مستدام دعونا نلتفت وإن لمرة أخيرة إلى أمسنا الحالي والمستمر.

 

لم ينجو بلد من الصراعات، بشيء من المراجعة التاريخية لدورة حياة أي بلد تُدرك أن ما نعيشه في اليمن لا شيء مقارنة بالعواصف التي شهددتها بلدان الشرق والغرب، الشمال والجنوب، الفارق فقط أن صراعاتهم التوسعية والطائفية منها أتت من شيء يتشاركوه جميعا، حب عميق لبلدانهم، تُقوده النخبة دون أن تنقاد له.

 

في اليمن نخوض حربا يُخبئ أكبر منتصريها هزيمته في داخله وفي المحيط من حوله، أعلم أن الخلاص من الحوثي هو المعنى الحقيقي لأي انتصار ولا خيار آخر، لكن من هو "الحوثي" اليوم، هل أعطيناه تعريفا واضحا؟! هل حددناه بدقة ؟! أين دور النخبة والإعلام، إن وُجدت أصلا، في ذلك.

 

الحوثي بصورته الحالية ليس أكثر من هُلام، شعارا أُعد بعناية مخابراتية إيرانية بعد سَبْر دقيق وفهم عميق للسايكولوجيا اليمنية.

 

هل نتصرف براديكالية ونعطي الحوثي تعريفا سُلاليا؟! يسعى الحوثي اليوم بتغيير المناهج والتعبئة العامة وإعلامه الحربي لأن يصبح مجتمعا، كيف كيف سنتصرف مستقبلا مع هذا الفهم لنمنعه من الذوبان في مجتمعنا الآخر أو في النظام والحيلولة دون إعادة إنتاج أدواته كما فعل الأمس.

 

إنني أغفر للجنوب إذا ما كان تعريفهم للحوثي هو "الشمال"، من دون هذه الجذرية ما كان للجنوب أن ينتصر، كان عداءهم للحوثي مضاعفا ومؤدلجا باعتباره غزوا شماليا ثانيا ولكينونته الحوثية أولا...

 

الحوثي ليس أكثر من هُلام، كائن بدائي يسيطر على القرار بأدوات بدائية، ولا سبيل لهزيمته سوى بتخطيه، تجاوزه أولا، وإنشاء جسور جديدة بين المواطن والحكومة، طرق حديثة للحوكمة والإدارة.

 

بالطريقة التي ظهر بها الحوثي سيتلاشى، وعلينا اليوم أن نُسرّع من دفعه نحو التلاشي.

 

سأقول بحسرة... نحن نفتقر لأدوات حقيقية للمواجهة، إن الأزمة اليمنية ليست نتاجا لفكر سياسي ضال أو تخلف اجتماعي أو نظام بُنيَّ على ثقوب مجاري طافحة وجدت الطريق سالكا بعد اندثاره، إن أصل الأزمة اليمنية هو خلوها من النخبة، لا شك أن لدينا نخبة مقارنة بالعامة عدا أن معرفتها مبتسرة ومُهتزة، يتملكها من الاضطراب ما يكفي لأن تجد نفسها عائمة في سيل مجاري عارم، تُسابق العاديين الإنجراف من متعلمين وغير متعلمين مُسرحين وعمال، فيما حافظت أعداد غير قليلة من الجماهير على ثباتها، لم تسقط في السيل الذي وصل في مداه إلى ما هو أبعد من رأسها، عدا أنها في المنتهى لم تستطع أن تبقى بمعزل عن التلطخ... وماذا كانت المحصلة ؟!.

 

مجتمع متشرخ، منقسم على بعضه، نصفه ملطخ بالذنب والنصف الآخر مذنبون وتتناسلهم الانقسامات البينية.

 

 

ما الحل إذا ؟!

 

لنتصالح مع فكرة أننا بشر، بشر عاديون غرقوا كفاية في التفاهة والدم واللصوصية، ولنلجأ إلى الآلات... هل فكر أحدكم بحكومة رقمية؟! أن يصبح الوزير أو الرئيس مجرد نظام الكتروني يعمل بآلية تقنية عادلة متجردا من أهوائه وميوله ورغباته، انصرفت أغلب الدول إلى تسيير أعمالها بهذه الطريقة فيما يقتصر عمل المسؤول أو الموظف على رقابة وتتبع سير هذه العملية والتقاط ما ترميه في يده من تقارير واحصائيات، إن مهام الرئيس اليوم هو صياغة واقع البلد بالنسبة لبلدان أخرى، أن ينشغل في علاقات الدولة الخارجية أكثر من انشغاله بالداخل الذي يسير بأمان، هذا هو صلب عمل الرئيس.

 

إن ايجاد بنية اتصالية جديدة ومتطوره هو كل ما يحتاجه اليمني اليوم، هو ما يُفترض أن نعطيه الوقت والمال، لنحظى غدا بمردود أكبر من المال والوقت.

 

عملتُ في المخا وكان الحلم أن ننشئ قاعدة الكترونية لتلك المنطقة الناشئة، أن نربطها ببعض رقميا لتصبح بحجم شاشة هاتف، من موارد وإدارة وموظفين، أن يُصبح التاجر ملزما بتسجيل بيانات محله التجاري على تلك القاعدة المعلوماتية ومنها نراقب التحصيلات مقابل انشاء قواعد الكترونية للمكاتب الخدمية وعبرها تتم معاملات المواطنين، لكن كيف يمكن فعل ذلك دون بنية اتصالية، تكاد شبكة الاتصالات العادية أن تكون معدومة في ٨٠٪ من مساحتها ككل.

 

علينا أن نتجاوز الإنسان فنحن لا نملك تعريفا واضحا لبعضنا، علينا أن نجفف أدوات ومسببات الحرب ونفكر بأدوات جديدة لصياغة سلام مستدام، إنه ليس أكثر من صراع ثروة أنتج جميع هذه الانقسامات المناطقية والطائفية داخل المجتمع وداخل الفرد ذاته.

 

بوسع البنك المركزي أن يُدير موارد الدولة ككل بطريقة أبسط وأسرع من المعاملات الورقية التي نحترق بها اليوم.

 

علينا أن نعترف اليوم، هذه الحكومة فاشلة وغير مجدية، حكومة وجدت أن دمج وزارتين مهمتين يقوم عليهما اقتصاد البلد هو الحل الأنجع لإيقاف التدهور الاقتصادي، هذه الحكومة تعترف بكل وقاحة بفسادها وأنها سبب التدهور الحاصل وأن تقليص عددها هو الوسيلة الآمنة لمنع السفينة من الغرق، الزراعة التي يعتمد عليها قطاع كبير من اليمنيين ثلثهم من المناطق الساحلية المحررة، والثروة السمكية التي تخضع لسيطرة الحكومة نفسها وليس لها كيان موازي لدى الانقلابيين.

 

علينا أن نعترف أيضا: خسرنا كثيرا، وأكثر هذه الخسارات مأساوية هو أن يفقد اليمني اليوم هويته، انتماؤه للأرض، وأن يكون المصير مشابها لمصير حيوان لطيف وجد الموت، كخيار وحيد، ممتعا في الضوء والزحام فمضى يصارع طواحين الهواء، على أن يموت وحيدا في كهفه.. ماضيه.

 

لم يثق اليمني أو لنقل أكثر من نصفه بالمسئول أو  بالموؤسسات طيلة عيشه اللاكريم، هذا ما يعنيه أن تُنزع أسلاك الكهرباء في المؤسسات من أحشاء الحيطان وتُباع كخردة... يا له من مستقبل خردة ينتظرنا إذا ما استمرينا في إجادة هذا الدور ونسينا النظر إلى أعلى.. إلى ماهو أبعد من الخردة ومن النُخب!!

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس