وحدة القوة والسياسات الاستعلائية الإقصائية
الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 - الساعة 08:59 مساءً
خالد سلمان
مقالات للكاتب
حين كانت الوحدة حتى بعد فظائع الغزو، كياناً مقدساً يجري التكفير السياسي لكل من يقترب منها ويدعو لتصحيح مسارها.
يوم كان ذلك التصحيح وتلك الدعوة تلقى قبولاً بين ضحايا الوحدة القسرية جنوباً، حين كانت الوحدة بشكلها الإلغائي الإلحاقي جسداً محنطاً في غرفة ضريح مملوءة ببخور ادعاء القداسة الزائفة، حينذاك كان هناك قلة تستشرف مآلات الغطرسة بعد نصر أو بالأصح هزيمة مشروع الوحدة 94، يطالبون بالحد الأدنى من الإصلاح، بقليل من عقلنة السياسات الاستعلائية الإقصائية الشططة، حتى لا يجد الجنوب نفسه غير شريك لا بسلطة ولا ثروة ولا وطن.
حين كانت الوحدة تتخلى عن سلميتها، وتتعزز مشروعيتها ببارود فوهات البنادق وميادين الحرب، سقطت الشراكة ولم ير الممسكون بمقاليد الحكم، مخاطر و"ضياح" ما بعد الزهو بكسر الشريك، واغتيال الشراكة تحت جنازير الدبابة وغرفة هيئة أركان الحرب.
فقط قلة من سياسي الاشتراكي كانت تنادي بإصلاح المسار، لا بالخروج الكلي من أحابيل وشراك وحدة القوة، لم يكن أحد يصغي، يتفهم، يستشعر الخطر، داخل الحزب الذي كان شريكاً فأصبح خارج متطلبات الشراكة.
أتذكر تلك الأجراس وهي تُقرع داخل اجتماعات الاشتراكي، فتواجه بنبذ وتطيّر وعدم إصغاء، باعوم، مسدوس، محمد علي شائف، الجعدي عبدالحميد طالب، عبدالله المهندس، وشباب الزوقري، حرمل العسل وأسماء أُخرى، كانت مطالبهم تحمل قدراً كبيراً من المعقولية، كان سقفهم عنوانه "لا لإقصاء الجنوب ومع إصلاح المسار"، تدحرجت كرة الثلج كبرت اتسعت ابتلعت مشاريع الإصلاح، تجذرت المطالب وغدت أكثر راديكالية وجذرية وغدا الجحيم هو الوحدة.
أتذكر "العسل" بروحه المرحة اللاذعة وهو يواجه السخرية من كونهم قلة، وهو يقول في جنبات اجتماع اللجنة المركزية: نحن صنعنا البذرة وغداً سيولد الجنين، قالها بلهجة شعبية مرحة غير قابلة للاستشهاد بها نصاً هنا.
اليوم تحولت أصابع اليد الواحدة، إلى شعب والبذرة إلى مولود لا يمكن الادعاء أنه لا يُرى.
هكذا تجري الأمور حين لا تقبل بالحل الوسط، وتتعالى على دعاته بقوة السلاح داخل السلطة، وبقدسية الشعار خارجها داخل الحزب ووسط النُخب، في مواجهة دعاة الإصلاح، فيصبح الوقت متأخراً حين تطالب بالعودة لمشروع إصلاح المسار، في حين ارتفع فيه سقف المطالب باتجاه لا شيء قابل للتفاوض خارج "الانفصال".
ما كان بالأمس مرفوضاً، أي إصلاح مسار الوحدة، أصبح اليوم المطالبة بالعودة إليه خيانة أمام مطلب استعادة الدولة، كل شيء يتحرك إلى الأمام.
▪︎ من صفحة الكاتب على الفيس بوك