الارهاب في العالم
الاربعاء 15 نوفمبر 2017 - الساعة 04:04 صباحاً
د.عمر عبدالعزيز
مقالات للكاتب
ليس الارهاب وليد مرحلة تاريخية بذاتها، ولا هو انسلاخ من دين بذاته ، بل ان الارهاب كان وما زال رديف البؤ س الانساني منذ ان تواجد البشر على الارض ، والشاهد على ذلك جملة الحروب المتنقلة في الزمان والمكان والتي انجبت بيئات قهر وفقر ودماء، واقترنت حصرا بامراء الحروب وشذاذ الآفاق من منتهكي الحرمات.
ذات الامر استطرد على جملة الاستيهامات الدينية المجافية لمعنى الدين ومقاصده ، حيث عرف العالم ذلك العنف المغلف بالشعارات الدينية، والأمثلة في هذا الباب اكثر من ان تحصى، ولعل شواهد اسيا واوروبا التاريخية تمثل محطات بيان تدويني تاريخي لمعنى العنف الذي يبرره الأشاوس بالدين ، وليست مذابح مسلمي (الروهينغا) سوى تعبير صارخ عن هذه الحقائق ، وبالمقابل تجولت المذابح الدينية قديما في اوربا لتطال البروتستانت المسيحيين واليهود والعرب المسلمين في الأندلس ، كما تمددت بقوة دفعها الهمجي لتطال الهنود الحمر في القارة الجديدة .. حيث وصل الغزاة الأقحاح لتلك الديار وهم يزاوجون بين المدفع والصليب ، ويخيرون السكان الاصليين بالتخلي الجبري عن عقائدهم ونمط حياتهم ، وإلا تصبح ابادتهم المنهجية بالرصاص الحي خيارا لا مفر منه.
وما حدث قبيل وبعد الحرب العالمية الثانية في اوروبا شاهد آخر على العنف المعجون بالاستيهامات الدينية والعرقية، مما هو مشهود وموثق بالاشرطة السينمائية الناطقة .
اليوم تعود آلة العنف الجهنمية وقد تمنطقت بسائط التواصل الاجتماعي المنفلت من كل عقال ، وتحركت بأذرع اخطبوطية في غوامض التعليم الاسكولائي التدويني النابت من ارضية لا دينية بالمعنى الأخلاقي والسلوكي للكلمة ، وبهذا المعنى اصبحت داعش ( الإسلامية ) ظاهرا، مثل عصابات ( الكوكلوس كلان) اللاهجة بلغة انجليكانية تسبح باسم المسيحية الصهيونية، وتدعي النقاء العرقي، وتعادي كل ذي لون أخضر.
مقدمات العنف الارهابي ليست صادرة عن تلك الاسترجاعات البائسة للماضي الكئيب فحسب، بل تجد ملاذاتها التبريرية ، وشواخصها الموضوعية، في الظلم العالمي الذي يزداد تقطيرا في بلدان الفشل والخيبات ، فالعالم ينقسم رأسيا إلى شمال يستأثر بالثروة والقوة ، وجنوب يعمل بالسخرة، وتنتظم ضمن هذه المتوالية الجهنمية كامل الروافع المالية والاستثمارية التي ترجح كفة الأقوياء ليزدادوا قوة ، وتحاصر الضعفاء في مربع البؤس والحيرة والفقر ليزدادوا فقرا ، ولا بأس ضمن هذا السياق الظالم من اعتماد وكلاء الأعمال الذين يقومون بادوار كلاب الحراسة المطيعين في تلك البلدان المحكوم عليها بالحيرة وفقدان الفتيلة .
هذه البيئة بجملتها شكلت وتشكل الارض الخصبة لانتاج الارهاب وتنميته عبر وسائل تبدأ بغسل ادمغة الشباب الأفتياء، ولا تنتهي بتخديرهم الفيزيائي المباشر عبر حبوب الهلوسة ومخدرات فقدان العقل .
لقد ثبت الان ودونما ريب أن غرفا سرية عالمية مظلمة هي من تدير هذه الجائحة ، وتدعم من طرف خفي منصات انطلاق الإرهاب أيا كان شكله ولونه ورائحته، وابسط شاهد على ما نذهب اليه يعيدنا الى حروب افغانستان الاولى التي تقدمت على خطى محاربة (الشيوعية الملحدة الحمراء) في تلك الديار، فإذا بها تتحول إلى حرب كونية يتمترس في قلب محنتها مؤيدوا ( المجاهدين ) السابقون .. الملاحقون لهم الآن!!
ليس أمام العقل الإنساني الرشيد في مثل هذه الأحوال من طريق سوى الذهاب مباشرة الى عهد عالمي انساني جديد يتخلى بحرية عن المكاسب النابعة من نتائج الحرب العالمية الثانية ، ويعمل على وضع البشرية في ذات المنصة التنافسية الإبداعية العادلة ، ففي ظل اقتصاد المعرفة وثورة التكنولوجيا وبدائل الطاقة النظيفة والميزات الاستثمارية الواعدة لكل مربع ارضي في البحار او اليابسة، تستطيع البشرية مغادرة ماضي الفقر والتعصب والتقاتل العدمي، لتحلق في ألفية متجددة بطوبى الازدهار والمحبة والتعايش والاطمئنان ، فهل يفعلون ؟؟؟