التعليم في زمن الحرب .. !

الاثنين 29 مايو 2023 - الساعة 06:46 مساءً

 

مع حلول موسم الاختبارات او بالأصح موسم الغش والجبايات وبمجرد التأمل فيما يجري  خلال إختبارات الثانوية العامة من إختلالات و عبث وفوضى وجبايات وممارسة الغش الجماعي جهارا وعلى المكشوف وبمشاركة حماة المراكز الامتحانية وحتى للأسف بعض التربويين والمعلمين الذين باعوا ضمائرهم وكذا تدخل بعض النافذين المدنيين والعسكريين وبعض المشائخ والشخصيات الاجتماعية..ومن الغش المباشر و تداول القصاصات ونماذج الإجابات الورقية الجاهزة إلى إستخدام أحدث وسائل التكنولوجيا والاتصالات..

 

ومع الحديث عن حالات إنتحال الشخيصة وبالذات بين الطالبات ووصولا إلى تسريب الاسئلة بالمعنى المباشر والمفهوم القديم والمتمثل بتسريب الاسئلة قبل ساعات من موعد الاختبار  مع وجود نوع اخر من التسريب يمكن ان نسميه بالتسريب الإلكتروني والذي يتم غالبا بمجرد فتح المظاريف وتسليم أوراق الأسئلة للطلاب عن طريق تصوير أوراق الاسئلة وإرسالها إلى خارج المراكز الاختبارية لتمر عبر شبكة من مدوني الاجابات والكتاب والمدونين والمتاجرين والسماسرة والناسخين والناقلين والمراسلين وحتى تعود بسلام محملة بالإجابات إلى الطلاب في المراكز الاختبارية يدويا او إليكترونيا... وماخفي أعظم..

 

وقد يصل الأمر إلى الفوضى و لعلعة الرصاص وسقوط الضحايا  سواء من اعضاء اللجان الإختبارية او من الطلاب كما حدث في بعض السنوات الماضية في بعض المحافظات  وكما حدث يوم السبت الماضي  بمقتل الطالب ايمن منير برصاص احد المسلحين الحوثيين بمجرد خروجه من احد المراكز الامتحانية في مديرية المشنة بمحافظة اب  ...!

 

مجرد التأمل في هذا المشهد يجعلنا نشعر بالألم والحسرة ويجعلنا نتحسر على تعليم زمان وحتى على غش زمان المتواضع الخجول امام  ( الغش الوقح ) الذي نشاهده اليوم  !.

 

وهذا الغش والعبث الذي نشاهده اليوم ما هو إلا مظهر من مظاهر المرض وواحد من أبرز الأعراض الظاهرية للمرض الذي أصاب التعليم والعملية التعليمية وتعبير عن مدى استفحال المرض  وتغلغله في جسد التعليم والحالة المزرية التي وصل إليها التعليم في اليمن ..

 

فعقب الانقلاب الحوثي المشؤوم وخلال ثمان سنوات من الحرب تعرض التعليم والمؤسسات التعليمية للتدمير وأصيب التعليم بأضرار كبيرة ماديا ومعنويا وظاهرا وباطنا..

 

فقد عمدت الميليشيات الحوثية منذ الوهلة الأولى إلى فرض سيطرتها وهيمنتها على المؤسسات التعليمية والإدارات التربوية بداية من وزارة التربية وحتى المدارس ومارست نوعا من الملشنة للتعليم وعبثت بالمناهج التعليمية وسخرت المدارس لنشر وترسيخ أفكارها الطائفية, وبعد ما قامت به وسببته من خراب ودمار وبعد ان لغمت الارض وزرعتها بالالغام عملت مسيرة الموت الحوثية على غسيل الادمغة وتلغيم العقول وتفخيخ الأجيال  واستخدمت المراكز الصيفية كحضانات للتعبئة الفكرية والتربية الطائفية واستقطاب وحشد الطلاب وكفقاسات للموالين والمقاتلين..

 

واجبرت المعلمين على العمل حسب هواها والعمل بلا راتب وبشكل أقرب " للسخرة " او الإلتحاق بالجبهات ومن تمنع او رفض فليس أمامه إلا الهرب بجلده والتشرد والنزوح مع أسرته إن تكمن من ذلك ..ومنهم من كان مصيره الموت او السجن ...

 

وفي الضفة الأخرى في مناطق الشرعية قد تبدو الصورة افضل وقد يبدو الضرر أيسر والتدهور أقل ... ولكن وبعد التمعن في الصورة والتدقيق بالنظر  سنجد ان المرض قد تمكن من جسد التعليم العليل واستفحل..

 

واذا كان تعليم الشرعية قد سلم من هيمنة وسيطرة وعبث الميليشيات الحوثية ومن بذرة الطائفية الخبيثة  فإنه لم يسلم من الفساد والفاسدين و عبث الإدارات الفاشلة وهوس البعض بالهيمنة والتمكين والتوظيف والتدجين ظاهرا أو من وراء حجاب... , ولم يسلم من فيروس الغش والعبث والجبايات وما خفي من الممارسات..., ولم تسلم المدارس والمؤسسات من الألغام والقذائف والصواريخ...وتحويل بعض  المدارس إلى ثكنات ومتارس بل وحتى إلى سجون ومعتقلات..

 

وإن كان المعلم في مناطق الشرعية قد سلم من اضطهاد الميليشيات الحوثية وله راتب هزيل يترقبه نهاية كل شهر او يزيد ..فهذا الراتب العليل لم يسلم من الخصميات والجبايات ..

 

وأمام الازمة الاقتصادية وتدهور الريال وارتفاع الأسعار وفساد المسؤلين وجشع التجار أصبح هذا الراتب العليل لا يفي بالحد الأدنى من متطلبات واحتياجات اسرة المعلم المسكين ولا يوفر للمعلم الحد الأدنى من المعيشة الكريمة , مع وجود إعداد كبيرة من النازحين الذين لا يتم ترتيب وضعهم ولم يستلموا مرتباتهم حتى اليوم وعدم انتظام عملية صرف مرتبات بعضهم الاخر ..

 

ومع غياب للرؤية والتخطيط الاستراتيجي و  للاستراتيجية الوطنية للتعليم والافتقار للكتب الدراسية مع اننا نشاهدها تباع جهارا على الأرصفة , إضافة إلى الاختلالات الادارية والفشل الإداري وغياب الدور الفاعل للتوجيه وما يشوبه من قصور كبير  والاختلال الكبير في توزيع المعلمين وما يحدث من تفريغ للمعلمين تحت مسميات ومبررات متعددة وأشكال مختلفة وانتشار ظاهرة ما يسمى بالبدائل وتسرب أعداد من المعلمين  من المدارس سواء  إلى الجبهات والمتارس او للبحث عن عمل اخر ومصدر رزق اخر يوفر لهم ولأسرهم معيشة افضل وحياة كريمة نسبيا ..

 

وفي ضوء كل ذلك وفي المحصلة النهائية وبشكل عام فإن التعليم في اليمن في تدهور وانهيار مستمر وقد وصل إلى حالة مزرية ومستعصية وأصبح للتجهيل اقرب ...وتجهيل باهض الثمن ..!.

 

وقد نتمكن مستقبلا  من اعادة ترميم وبناء ما دمرته الحرب من مباني ومدارس ومرافق ومنشئات مهما كانت المعوقات والصعوبات ومهما استغرق ذلك من الزمن والعقود والسنوات ومهما احتاج وتطلب من تكاليف وإمكانيات ومتطلبات, ولكن هل سنتمكن من اعادة ترميم وتعمير وبناء العقول وإصلاح التعليم الذي دمرته الحرب ودمره الفساد والغش ؟!

وإن صدقت النوايا وصحت الضمائر ووجدت الإرادة وصلحت الإدارة و تمكنا من ذلك بعد مراحل طوال فكم سنحتاج من الجهود والإمكانيات والقدرات والخبرات .. وكم سيستغرق ذلك من العقود والسنوات ؟!

 

# نبيل السفياني

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس