هوامير ناطقة لا تستحي !!
الخميس 07 سبتمبر 2023 - الساعة 08:56 مساءً
نبيل أمين الجوباني
مقالات للكاتب
في واقعٍ محكومٍ بالخيبة، معوقٍ بالقيادات والإرادات والمفاهيم والمشاريع الصغيرة، ومولعةٌ قواه باجترار الصراعات والعيش في أكنافها .. يصعب على المرء استكناه المستقبل والتتبؤ بمآلاته.
قوى مقسومة على ذاتها ، وتغالي في الانتقاد حد الفُجر ،وتبالغ في التمجيد حد المزايدة ، وتزايد في الحرص والوطنية حد الإفلاس من كل قيمة، وهي من تقوِّض الدولة والقانون، وتغذي الصراع ، وتنمي مشاعر الفرقة والكراهية وتستعدي المواطن والجغرافيا وتضرب إسفيناً في خيارات استعادة الدولة ناهيكم عن تحولاتها الوطنية المنشودة .
هوامير الفساد وحدهم من ينبرون اليوم لينتقدوا حكومة ضيقت عليهم مساحات التربح واللصوصية ، وآخرين وجدوها فرصة للنيل منها بدوافع أيديولوجية محضة أو بدوافع شخصية ونزوع نحو السلطة والحكم ، أو بدوافع تنال من الرعاة ومن التحالف ، وصنف ثالث يعرفون بشقات اليومية أو بحملة المباخر من يزايدون وتتاح لهم أضواء الميديا لنفث السموم وتسخين الأجواء .
حكومة لم ترضى عنها معظم الأطراف المتناحرة أيديولوجياً وسياسياً وحتى جغرافياً _ رغم تمثيلها لكل الأطياف والجغرافيات _ ويتهمونها بانحيازاتها للآخر ، و توحدت لضربها ظناً منها أنها فرصة مثالية للإجهاز عليها واصابتها بمقتل ، ولاغرابة أن يلتقي خصومها فمصالحهم العابثة تتحقق بإزاحتها .
البرلمان ولن نقول تقرير اللجنة البرلمانية واحد من أدوات الاستنزاف للمال العام ، وتُحمِل الدولة والحكومة أعباء اضافية بالعملات الصعبة ، وجل أعضاء هذا البرلمان يعيشون خارج أسوار الوطن المكبل بتحديات لم تواجها حكومة من قبل في تاريخ اليمن الجمهوري، ولن نخوض في كيفية تشكيل اللجنة ومدى قانونية ودستورية هذا التشكيل من عدمه.
وما كلف النواب أنفسهم العودة للعيش في أراضي الداخل الوطني بين ناسهم وجمهور ناخبيهم يقاسمونهم المعاناة ويشاطرونهم الآلام ، ولو في محافظات غير محافظاتهم المحتلة حوثياً !!
تسع سنوات والدولة تتحمل أعباءهم وأسرهم وذويهم خارج الأسوار ليأتوا متحدثين عن فساد هم أول من يجسدونه ، ومنهم من عرض ويعرض منازله في الداخل للبيع وبالعملة الصعبة !!
لا ندافع عن حكومة تتحمل الوزر الأكبر في المسؤوليات وقد قبلت تحدي تمثيلها في ظروف صعبة للغاية ، ولانعفها من تحمل تبعات ذلك ، ولكن أن ينبري هوامير الفساد والإفساد بنقدها والتعريض بها وبرئيسها فذاك دافعي لهذه التناولة ، فبين من يدعو للتحقيق والمحاكمة وبين من يصمها بالخيانة وانتهاكات السيادة وبين يصفها بالفساد والإفساد ، وهم أنفسهم من يتربحون من اقتصايات الحروب ومافيا الفساد والافساد، و ( العيسي ) نموذجها الصارخ بلا منازع..
وهو الذي يتهرب من دفع رسوم ثمان سفن راسية في المياه الإقليمية منذ ما يقارب عشر سنوات مثالاً لا حصراً .. ناهيكم عن مطالبته بالتعويض عن تلكم الأضرار التي لحقت بالبيئة البحرية ، و مايشكل وجودها من عائق أمام الملاحة البحرية ؛ ولا أقل من بيعها بالمزاد العلني أو مصادرتها أمام تجاهل ولا مبالاة صاحبها المتخم بالفساد حتى أذنيه لاسيما وهي سفن متهالكة في مينائي المنطقة الحرة والمعلا.
مكاشفة رئيس الوزراء الرأي العام في مؤتمره الصحفي بمستجدات الأحداث على صعيد الاقتصاد والسياسة وتحديات الراهن والمستقبل يشكر عليه ويحسب له ، وكم نتمنى أن يغدو ذلك سمتاً اعتيادياً أو تقليداً دورياً في السلم والحرب كتجسيد لمبدأ المكاشفة والشفافية وإطلاع الرأي العام بكل جديدٍ يعترض مسيرة الأداء الحكومي ، وتفنيد كل الاتهامات والشائعات التي يشنها الأطراف والخصوم وأصحاب مشاريع التربح والفيد واللصوصية ؛ حتى لايكون الرأي العام فريسة سهلة للتضليل والتشويش الإعلامي الذي تتفرد جهات التضليل بامتلاك معظم فضاءاته في ظل سياسات الاستقطاب والتجاذب السياسي .
حديث رئيس الوزراء كان مسؤولا وواضحاً أن شراكتنا مع دول التحالف العربي أمر محسوم في كل مستويات الدولة لأنهم حلفاؤنا ، وفي موضوع الاستثمارات يجب ان ينظر إلى مصلحة اليمن واليمنيين ، والاستثمارات واحدة من أدوات بناء البنى التحتية ، وحجم الاستثمار المطروح مع الشركة الاماراتية كبير ، وكذا حجم الأبراج والبنى التحتية وخطط الانتشار كبيرة أيضاً ، وذلك سيحرك كل قطاع الاتصالات وسيحدث نقلة نوعية في هذا القطاع في السنوات القليلة القادمة ، و بموجب التسهيلات المقدمة للاستثمارات والمستثمرين تعول الحكومة أن يحدث ذلك بناء عملية حقيقية لمنظومة اتصالات كاملة ، وسيعوض ذلك إخفاق قطاع الاتصالات الذي تسببت به قوى الانقلاب الحوثية بسقوط العاصمة صنعاء وسقوط المؤسسات الأمنية معها وقطاع الاتصالات ومايمثل ذلك من اختراق أمني كبير ، وكل اتفاقات الحكومة تمت بنظر مجلس القيادة الرئاسي وفي عز الظهيرة وليس في غرف مغلقة ومظلمة .
أخيراً حجم الهجوم الذي تعرضت وتتعرض له هذه الحكومة تحديداً ورئيسها الدكتور / معين عبدالملك لم تتعرض له حكومة قط ، وربما لظروف البلد وانقسام الجغرافيا والأجندات والمصالح وتداخل مصالح دول الإقليم وتصفية حساباتها بالوكالة وتحديات محلية واقتصادية وسياسية ووو كل ذلك وغيره عقد أداء مهام الحكومة تجاه التزاماتها نحو رعاياها ولا يعفها من تحمل مسؤولياتها..
كما لايعني ذلك التسليم بكل مايقوله خصومها وهم نافذون فيها وشركاء في صناعة القرار ، وعليه والحال كذلك فإن الواقع و المنطق بحاجة إلى انصاف وتسمية الأشياء بمسمياتها بعيداً عن أي تعصب أو غلو أو خصومة أو مناكفة .. ونظرة سريعة للإعلام تكتشف حجم التدليس والتلبيس وصناعة بروجندا التضليل .
ذلك هو حال السياسي اليومي ( المتصلب أيديولوجياً ) بفعل الحرب : نزوع جمعي طاغٍ نحو اقتناص الفرص ، وتشويه الحقائق والنيل من كل قيمة .
ولتكتشف أسفاً خلو المشهد من سير هلالية تمجد القيمة ولو في المخيال التبريري سردياً على الأقل، أو هي فانتازيا خالية من كل نبل .. وملهاةٍ تدعو للبكاء وتمكين الخيبة وتعميم الزيف ، وموارة الحياة والآمال.
والكل هنا في الحثالة سواء إلآ من رحم الله .. وقد تمرغوا فيها كلُ بحسب حجمه ووزنه وحدود غوغاءه و انتهازيته ، ومن الصعوبة بمكان في هكذا مناخاتٍ بناء نظام سياسي ، لا سيما في غياب الإرادات الوطنية سياسياً ، و غياب البنى المؤسسيّة أو تغيبها بفعل الانقسامات البينية التي تتقاسم الجغرافيا ومربعات السطوة ، وترعاها أجندات الخارج العابث بممكنات استعادة الدولة ، وامكانيات توحيد الصفوف .
وعلينا جميعاً ان نرتقى بوعينا ومسؤولياتنا إلى مستوى الوطنية والمسؤولية التاريخية ونربأ بأنفسنا عن الصغائر والأحقاد والمكايدات السياسية العمياء .