وطنية الجيش في مفهوم حزب الإصلاح
الجمعه 06 سبتمبر 2019 - الساعة 02:49 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - خاص
كان توجه المخلوع علي صالح نحو توريث الحكم لنجله أحمد سببا رئيسيا في تحويل الجيش الوطني إلى جيش عائلي بحيث صار الجيش عبارة عن وحدات عسكرية مسلحة يقودها أفراد أسرته والمقربين منه وفي مقدمتهم نجله أحمد الذي كان قائدا للحرس الجمهوري، وابن أخيه يحيى الذي كان قائدا للأمن المركزي، وعلي محسن الأحمر الذي كان قائدا للفرقة الأولى مدرع.
وبلاشك فإن الجيش العائلي كان من أهم الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة الشبابية الشعبية بهدف بناء الدولة المدنية الحديثة، ولقد كان بناء الجيش الوطني في مقدمة أهداف هذه الثورة التي انخرطت فيها كل مكونات وقوى الشعب السياسية والاجتماعية.
وخلال المرحلة الانتقالية التي تلت ثورة فبراير أنجز اليمنيون مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة جميع القوى لرسم ملامح اليمن الاتحادي الجديد، حيث كانت ”لجنة الدفاع والأمن” والهادفة لمعالجة الاختلالات في المؤسسة العسكرية والأمنية وإعادة بنائها على أسس وطنية ليكون الجيش في خدمة الشعب والدفاع عن أرض اليمن، كانت هذه اللجنة هي احدى اللجان الرئيسية في المؤتمر باعتبار أهمية وضرورة إعادة بناء هذه المؤسسة التي تعرضت للعبث الممنهج.
قبل أن يتم ترجمة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني على أرض الواقع انقلب الحوثيون - بالتحالف مع صالح - على الدولة ومؤسساتها بقوة السلاح، وتنكروا لمخرجات الحوار الوطني، واستدعى هذا الانقلاب التدخل العسكري من قبل التحالف العربي بهدف استعادة الشرعية بعد طلب من الرئيس هادي، لتدخل اليمن مرحلة جديدة في ظل المرحلة الانتقالية تعمل فيها على استعادة مؤسسات الدولة وإعادة بنائها بما فيها المؤسسة العسكرية والأمنية، والتي عمل حزب الاصلاح - الذزاع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين في اليمن - على الاستيلاء عليها مستندا على نفوذه الذي بناه في الهرم القيادي للشرعية، وتمثل هذا النفوذ في التحكم بالقرار العسكري والسياسي عبر كل من علي محسن الأحمر وعبدالله العليمي باوزير.
عمل الاصلاح جاهدا على إطالة الحرب بهدف الاستيلاء على المؤسسة العسكرية والأمنية في اليمن، بما يتيح له استكمال السيطرة والاستحواذ على السلطة، باعتبار أن من يملك القوة ويستحوذ على الجيش فهو يملك السلطة ووسائل الحفاظ عليها، ولذا فقد لجأ حزب الاصلاح إلى وسائل متعددة للاستيلاء على الجيش وتحويله من جيش وطني إلى جيش حزبي.
عمل الاصلاح باكرا وتحديدا مع بدء الحرب في مارس 2015 على تصدر قياداته لعدد كبير من الفصائل المسلحة للمقاومة الشعبية التي تضم مقاتلين من جميع الأطراف، واستخدم وسائل الاعلام لتلميع هذه القيادات والترويج لها وتقديمها لدول التحالف وقيادة الشرعية، وبذلك كانت هذه القيادات التي تعمل لأجندة الحزب هي من تتسلم الدعم المالي والتسليح المقدم من دول التحالف العربي، وتقوم بتخزين نسبة كبيرة منه وتسخيره لصالح الجناح العسكري للحزب التابع للجناح العسكري للتنظيم الدولي لجماعة الاخوان.
كذلك استغل حزب الاصلاح غياب مؤسسات الدولة بالإضافة للامكانيات المالية والتنظيمية التي يمتلكها واختراقه الممنهج لقيادة الشرعية لتنفيذ أجندة جماعة الاخوان الهادفة للسيطرة على الجيش اليمني، حيث تم توزيع استمارات التجنيد للجيش والأمن داخل مقرات الحزب ووفقا لمعايير محددة من الحزب تضمن له أن يكون الجيش تابعا له ويتلقى تعليماته من المقر، وهذا ما ساهم ببناء جيش فضفاض بقوام يقرب من نصف مليون فرد، منهم 200 ألف فرد في مأرب وحدها والتي تعد المقر الرئيس لتجمع جيش جماعة الاخوان في اليمن.
بعد البدء بما يسمى بعملية دمج المقاومة في الجيش قام الحزب بمنح أرقام عسكرية لعشرات آلاف من الموظفين في السلك المدني، منهم على سبيل المثال لا الحصر 6000 مدرس في تعز تم منحهم أرقام عسكرية، كما قام الحزب بتوزيع الرتب العسكرية وفقا لمبدأ الولاء لمرشد الجماعة، حيث تم منح رتب عسكرية تصل إلى رتبة ”عميد” لعدد كبير من المدنيين، مقابل اقصاء ممنهج للعسكريين السابقين بمبرر أنهم ”عفاشيون”، وعلى سبيل المثال لا الحصر تم توزيع أكثر من 300 رتبة لمدنيين مواليين للاصلاح في محافظة تعز فقط.
باختراق جماعة الاخوان المسلمين ”حزب الاصلاح” لقيادة الشرعية في اليمن، نجحت الجماعة في الاستيلاء على المواقع القيادية للجيش ”هيئة الأركان، المحاور، الألوية، التوجيه المعنوي” وكذلك فعلت في المؤسسة الأمنية، وبهذا الاستحواذ تكون الجماعة قد سيطرت على تبعية الأفراد بما يضمن الولاء الحزبي المطلق لحزب الاصلاح من قبل الجيش الجديد الذي تم بناؤه.
في سياق مواقف الحزب المتماهية مع موقف قطر وتركيا تم تسخير مواقف الوحدات العسكرية الجديدة التي دخلت في هدنة غير معلنة مع الانقلابيين الحوثيين، أسفرت عن توقف التقدم في الجبهات وخطوط التماس، وكذا استنفاذ الدعم الكبير والمهول المقدم من دول التحالف العربي في معارك وهمية واعلامية، حيث يتم استغلال الدعم بالمال والسلاح لصالح الحزب الذي قام بتخزين السلاح في مخازن خاصة، واستغلال الدعم المالي لأنشطة الحزب المختلفة وإثراء قيادات الحزب وانشاء المشاريع الاقتصادية الخاصة بالحزب وقياداته وخاصة في مجالات الصرافة والمستشفيات والمدارس والجامعات الخاصة، بالاضافة إلى الاستثمارات في دول خارجية وخاصة في تركيا ومصر.
بعد ذلك تم تسخير هذه الوحدات العسكرية التي تم انشاؤها في حروب الحزب الخاصة وهي حروب عبثية تخالف تعليمات القيادة الشرعية، وتتلقى التوجيهات من القيادات العسكرية لحزب الاصلاح وأبرز هذه الحروب العبثية هي الحرب في الجنوب وفي منطقة التربة بتعز، حيث أن هذه الوحدات التابعة للحزب والتي تلبس الزي الرسمي للجيش اليمني قد تنكرت لتوجيهات القيادة العليا بعدم تحرك الوحدات العسكرية - المصحوبة بتحشيد قبلي مسلح - في أبين وشبوة وتقدمت بهدف اجتياح الجنوب ليتم ايقافها عبر قصف بعض وحداتها بالطيران في مدخل مدينة عدن، كما أنها كررت الفعل نفسه حيث لا تزال وحدات الجيش الموالية لحزب الاصلاح ترفض الانسحاب من منطقة التربة بتعز على الرغم من صدور أوامر عليا بعودتها إلى مدينة تعز.
الغريب في الأمر أن ناشطي حزب الاصلاح الذين يتحدثون دوما عن ”الجيش الوطني” يغضون الطرف عن الوحدات العسكرية التي تخالف توجيهات القيادة العليا وتتلقى تعليماتها من قيادة حزب الاصلاح كما في الجنوب وتعز، وهو ما يؤكد أن الوطن في مفهوم أعضاء ونشطاء حزب الاصلاح محصور في جماعة الاخوان المسلمين، وأن صكوك الوطنية لابد أن تصدر من مقرات الحزب، وأمام كل هذا العبث فالشعب الذي رفض الجيش العائلي يجد اليوم نفسه في مواجهة مع الجيش الحزبي.