عندما سخرت العصبية من الدولة

السبت 01 ابريل 2017 - الساعة 10:31 مساءً

 

 

لا تزال الدولة العربية مكوناً عصبوياً ، لم تتجاوزه الى العقد الاجتماعي .
في تكوين الدولة تسود عصبية اجتماعية او سياسية ايديولجية او طائفية بنفوذها فتفرض سلطتها على بقية العصبيات ؛ إما بإخضاعها ، او بإقامة تحالفات تتم على توزيع المنافع ، او بالاثنين معاً.
يشكل هذا التكون الهش اساس قيام الدولة في البلاد العربية ومنها اليمن .. عصبية سائدة واُخر كامنة تتحين الفرصة لتعزيز نفوذها ومكانتها في تراتبية السلطة ، أو الانقضاض عليها.
الحركية السياسية في هذا النوع من الدول هي حركيّة اجتماعية بدرجة أساسية لانها غالباً ما تكون مغلقة على فئات بعينها بروابط قبلية او ايديولوجية او ثقافية او عرقية او طائفية ..الخ ولذلك فانها لا تنتج شروط الفعل السياسي الا على نحو ضئيل وبالقدر الذي تسمح به هذه العصبيات .
وتنهار الدولة عندما تبدأ سطوة العصبية الام تضعف ، وتستنفذ من ثم قدرتها على مواصلة السيطرة ، فتخرج العصبيات المضغوطة من مخابئها وتعيد الخارطة السياسية للدولة إلى اصلها القديم : عصبيات من كل لون وعلى نحو اكثر وضوحاً وتأثيراً مما كان عليه الوضع قبل تكوين الدولة.
يمر اليمن اليوم بهذه المرحلة الخطيرة بعد أن تعاونت العصبيات بمجموعها في التمرد على العقد الاجتماعي الذي خرج به مؤتمر الحوار الوطني والذي استهدف تنظيم الدولة على قاعدة مختلفة بِمَا في ذلك حل القضية الجنوبية وفقاً لاختيارات الشعب في الجنوب .
لقد ادركت هذه العصبيات أن تنظيم الدولة بالاستناد الى قاعدة العقد الاجتماعي سيطيح بمشروعها في تناوب السلطة واقتسامها ، لذلك شنت حربها لإسقاطه .
كل العصبيات "أسقطت" من حسابها هذ التوافق التاريخي وراحت تغذي تطرف بعضها البعض ، وكان المستفيد الاول من كل ذلك هي العصبية الأكثر تنظيماً وتسليحاً ودعماً وهيمنة والتي أغرقت البلاد في هذه الحرب بالاستناد الى ما اعتبرته تفويضاً عصبوياً لها لاجتثاث الدولة .
كل العصبيات التي سخرت من الدولة أسهمت في تكوين فكرة التفويض تلك شاءت أم أبت، أحبت ام لم تحب . وضعت الدولة في فراغ هائل بدت معه وكأنها قيمة مجتثة الجذور، مما أغرى العصبية التي هيأت نفسها للثأر من الدولة أن تقدم على خطوتها بإدراك محكم التقدير من انها لن تواجه في مجرى بسط نفوذها غير عصبيات شتى خرجت من رحم الدولة .
وإن تحرك جزء منها في اطار مشروع اشمل ، الا ان الارض اليمنية لا يغطيها كلها مشروع واحد حتى عندما يتعلق الامر بترتيب الاولويات في مواجهة التحديات الاساسية التي يتوقف على كسرها الانطلاق نحو المشروع الذي تقرره خيارات الناس في الجنوب او في الشمال .
تعد هذه الظروف مثالية لانتعاش العصبيات وهي مسألة موضوعية في ظل انهيار الدولة ، غير ان الموقف منها يجب ان يتشكل من خلال قربها او بعدها من مشروع الدولة ، اي درجة استعدادها للانخراط في مشروع الدولة او مقاومته.
وفيما يلاحظ اليوم هو ان جميع هذه النخب العصبوية بمجملها تائهة ، تنحو نحو العزلة ، نجد أن رياح الانعزالية تتسلل إلى كل مناطق البلاد ومنها مناطق كانت اكثر انفتاحاً على العالم وكان يعول عليها ان تتصدر المشهد لتقود الجميع الى فضاءات المستقبل المستقر بعد أن علمت اجزاء واسعة من المعمورة كيف تخرج من عزلتها وتنشئ امماً تطاول الامم المتقدمة . وهو ما يجعل الامر اكثر تعقيداً مما نتصور .
نحن امام حالة تفكك عامة ، اليمن يتفكك ، الشمال يتفكك ، والجنوب يتفكك .. لا تخدعنا الشعارات الحماسية التي قد تكون صادرة عن وجدان صادق في إيمانه بما يصدر عنه ، هناك وقائع تتحرك على الارض تنتج مصالح ، ومصالح تنتج ثقافة موازية وأدوات ومنطق تجعل الشعار مجرد اهزوجة غنائية قابلة لاستبدال الكلمات في أي لحظة مع بقاء اللحن . المشروع الذي تتصدره عصبية مهيمنة فاشل من اساسه ، يظل مشروعاً ملتبساً بالدولة ، لكنه في الحقيقة يسخر من الدولة وكل ما يستطيع ان ينجزه هو اخضاع الدولة للعصبية المهيمنة .
وعندما تسخر العصبية من لفظ مدلول الدولة فنحن ولا شك اما اخطر تفكك قيمي ..
العصبية لا تقبل ان يأتيها وعيها من خارجها كأي طبقة اجتماعية ثورية تستعين بخارجها لتشكل وعيها بمصالحها ، لانها محافظة ومغلقة على مصالح ضيقة لا تتسع لأي ثقافة ذات طابع وطني اشمل .. تستدرج تاريخ الجغرافيا التي تنتمي اليها فتحرق أطرافه لتصنع من رماده كهف العزلة الذي تأوي إليه حينما تجتاحها رياح الدولة .
البلاد التي تتجدد فيها العصبية بواسطة نخب فشلت في أن تلتحم مع مشروع الدولة لا طريق أمامها الا ان تعمل على استعادة وعيها بمصالحها باصطفافات سياسية واجتماعية وثقافية أوسع نطاق تتمرد فيها على العصبية ونخبها الفاشلة ...
الدولة وحدها هي القادرة على التفاعل مع إرادة الناس وخياراتهم السياسية سواء بالوحدة او الانفصال او الاتحاد ، ومن يراهن على غير ذلك فلن يكون سوى طريق نحو تفكك بلا نهاية .

 

 

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس