ما هو السلام الذي نريد..؟
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023 - الساعة 11:47 مساءً
طاهر شمسان
مقالات للكاتب
واحدة من أوهام المثقفين أن السلام مقولة واضحة وناجزة، ولا تحتاج سوى إلى إقناع الآخرين بقبولها على طريق تطبيقها. ولكن من قال إن الآخرين لا يريدون السلام؟ نعلم يقينا أنهم لم يقولوا ذلك، وكل ما في الأمر أن السلام بالنسبة لهم غير السلام بالنسبة لغيرهم، أو قل إن السلام الذي يريده (س) من الفاعلين في المشهد اليمني هو بالنسبة لغيره من الفاعلين في هذا المشهد سلام مكلف ومدعاة للخسارة.
إن السلام بالمعنى الذي يفهمه كثيرون من الحالمين بالسلام كان هو الأساس في ظل حكم علي عبد الله صالح، بينما كانت الحروب هي الاستثناء. والسؤال: لماذا لم يستمر ذلك السلام؟ من أين وكيف أتى النزاع الذي أطاح به؟ تتعذر الإجابة الموضوعية على هذا السؤال ما لم ندرك ما يلي:
(1) ليس السلام هو الأساس في الحياة وإنما الصراع على المصالح.
(2) إن الحديث عن السلام لا معنى له ما لم يكن حديثا عن التعايش.
(3) إن المجتمعات التي نراها تعيش سلاما مستداما هي تلك التي عرفت كيف تؤسس للتعايش من خلال التأسيس لإدارة أسباب الصراع سلميا وعلى نحو لا يسمح لها بالدخول في دورات العنف والاقتتال.
تأسيسا على (1) و(2) و(3) واضح أن النخب في اليمن عندما تفكر بالسلام فإن العاطفة تكون هي الطاغية على طرائق تفكيرها، وما لم نفكر بالسلام تفكيرا موضوعيا فلن يكون بمقدورنا أن نبنيه بناء موضوعيا يضمن استدامته. ولو أننا عدنا إلى ما قد تكدس لدى دعاة السلام في اليمن من أحاديث وخطابات حول السلام سنجد أنفسنا أمام ركام من الكلام الإنشائي الذي يتعذر قياسه أو الإمساك به. فلو سألنا-مثلا-ما هي أسباب الصراع؟ ففي الغالب الأعم سنسمع كلاما تعميميا من قبيل ضعف الولاء للوطن؛ المصالح الضيقة؛ ضعف الانتماء الوطني .... الخ، والبعض سيضيف إلى هذه الأسباب: ضعف أو غياب الوازع الديني وعدم الخوف من الله. وهذه كلها تعبيرات ديماغوجية يصعب تحليلها والقبض على أي شيء منها.
وقل مثل ذلك إذا طلبنا من دعاة السلام توصيفا لأي جماعة من الجماعات المتصارعة فإننا لن نجد توصيفا موضوعيا يأخذ بعين الاعتبار واقع هذه الجماعة وثقافتها وظروفها ومخاوفها ونقاط قوتها وضعفها وما هي المداخل الملائمة للتعاطي معها من أجل السلام. وفي الغالب سنجد توصيفات اختزالية تذهب إلى الإدانة وتتضمن نزعة إلغاء الآخر وفرض نموذج معين عليه.
إن السلام الذي نريد ليس السلام الرخو المؤقت الذي كان في عهد علي صالح وفي عهود سابقيه ممن حكموا اليمن قبل 1962 وبعده وإنما هو السلام الحقيقي الصلب والمنتج الذي يُبنى على نفي كل أسباب العنف داخل المجتمع الواحد والوطن الوحد ولا يبقى ما يهدده سوى العدوان المسلح الذي يمكن أن يأتي من الخارج. وسلام كهذا يتعذر تماما بدون دولة تتوفر فيها كل حقوق المواطنة على قدم المساواة وبعيدا عن أي تمييز.
أن السلام الحقيقي هو السلام المستدام الذي يتأسس على البحث عن المشتركات والإقرار بالاختلاف وتقبله ووضع آلية لإدارته. وأول خطوة على طريق بناء سلام كهذا هو دراسة أسباب العنف موضوعيا وبيان كيف وصل الأمر إلى ما وصل إليه... مرة أخرى:
(1) أي سلام نريد في الوقت الراهن؟ وما هي الفرص المتاحة لتحقيقه؟ وما هي التحديات التي تحول دون ذلك؟
(2) من هم الفاعلون في المشهد اليمني؟ ما طبيعتهم؟ ما هي سياقاتهم التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية؟ ما هي علاقاتهم ببعضهم وبغيرهم في الداخل وفي الخارج؟
(3) ما هي العوامل المنظورة وغير المنظورة التي تعيق التقدم نحو السلام؟
(4) كيف نميز بين السلام الحقيقي المستدام والسلام الرخو المؤقت؟
(5) كيف نفرق بين السلام وبين السلم الأهلي والاجتماعي؟
(6) كيف نفرق بين السلام وبين الهُدَنْ الطويلة؟
(7) كيف نخطط لبناء السلام؟
(8) هل يمكن بناء تحالف مدني واسع ووازن من أجل السلام؟ كيف يكون هذا؟ ومن أين تكون البدايات؟
أخيرا، وبناء على ما سبق: السلام هو القضية المركزية بالنسبة لليمن، ودولة المواطنة هي الأساس المادي لهذا السلام وليس المواعظ والمحفوظات الجاهزة.