مجيب .. قصة رحيل مؤلمة لأب إجبره " سالم " على التنازل عن دم ابنته المقتولة بتعز – تفاصيل حصرية
الخميس 03 أكتوبر 2019 - الساعة 03:52 صباحاً
المصدر : خاص
" اذا كان القاضي غريمك فمن تشارع " ، تلك كانت أخر كلمات خطها مجيب على حائطه على الفيس بوك قبل ان يغادر الحياة.
مجيب علي قاسم الزغروري ، قصة كُتبت بمداد الألم والقهر ، لضحية ذبحت لمرتين على يد مليشيات الفوضى في تعز ، المرة الأولى حين سلبته روح ابنته نوران ، لتعود وتتنزع روحه مرة اخرى بعد ان اجبرته عن التنازل عن دمها.
مطلع العام الحالي وتحديدا اواخر شهر يناير ، شهدت مدينة تعز اشتباكات بين مسلحين في مشهد بات مألوفا وربما عاديا لدى ابناء المدينة لتكرره بسبب وبدون سبب.
بل ولم تعد معرفة تفاصيلها شيئا مهما في مدينة باتت خاضعة لسيطرة فصيل ولون واحد ، تخوض مليشياته صراعا حول تقاسم النفوذ والسيطرة وتحت نظر سلطات الجيش والأمن الخاضعة لسيطرة ذات الفيصل ، بل ان اطراف المواجهات هم في حقيقتهم منتسبون لهذه السلطات.
لكن المشهد لم يكن عاديا بالنسبة لمجيب ، الاب لـ 5 أطفال ، بل انه قبل حياته رأسا على عقب ، بعد ان خطفت رصاص المتحاربين او " المفصعين " ، روح ابنته نوران ذات الـ 6 اعوام.
كان لخبر مقتل نوران صدا شعبيا واسعا وتحولت قصتها حينها الى قضية رأي عام ، على أمل ان تكون بداية النهاية لمسلسل الفوضى والعبث في تعز ، لكن ذلك لم يحدث وغابت قضيتها عن المشهد لتكرار حوادث القتل.
لتعود القضية من جديد بعد 9 أشهر ، ولكن بصورة اشد الما ووجعا ، برحيل مجيب ( والد نوران) عن الدنيا أواخر شهر سبتمبر الماضي وليكشف عن تفاصيل جديدة تشير الى وفاته لم تكن الا قهر وكمدا على ضياع دم ابنته.
حيث كشف عن اجبار مجيب لتوقيع " صلح " وتنازل عن دم ابنته تحت سيف الاكراه والخوف ، " معي اربعه جهال اشتي اربيهم" كهذا رد مجيب على سؤال أخيه منذر على سبب توقيعه لهذا الصلح.
وكشف منذر في منشور له على "الفيس بوك " ، تفاصيل اخر حوار داره بينه وبين اخيه مجيب الذي اكد له بأنه تم اجباره على التنازل وانهم أخبروه بشكل واضح " احنا الحكومة والقضاء من بتشارع آخر شي الحكم لنا".
حاول منذر اقناع اخيه بعدم التوقيع ، الا ان رده كان بنبرة الاسى واليأس "خلاص وقعت ولكن لم اسامح ، يا اخي منذر تعز يحكموها عصابات".
اشار اليه منذر بما طرحه عليه وقت وقوع الجريمة بالأخذ بالثار ورفضه لذلك ، ولكن رد مجيب هو ابن مؤسسة الأمن ويحمل ماجستير حقوق ،كان حاسما: "اقولها الى الان احنا مش قتله ولابنقتل احد ،حسبي الله ونعم الوكيل وكفى".
حسرات وقهر مجيب من فقدان فلذة كبده تحول الى مرض اصاب كبده بتليف تام ودخل بسببه بغيبوبة ، حاولت اسرته اواخر الشهر الماضي انقاذه بالسفر الى مصر للعلاج ، لكن حالته لم تمكنه من الصعود الى الطائرة ، ليلفظ انفاسه الاخيرة في احد مشافي مدينة عدن مساء السبت الماضي.
تفاصيل القهر تتكشف بوضوح في تفاصيل الصلح المزعوم والذي صاغه مستشار قائد محور تعز المدعو " سالم " القائد العسكري لمليشيات الاخوان ، بل والقائد الحقيقي في تعز.
حروف "الصلح" تجعله فضيحة اخلاقية وقانونية ودستورية ودينية ، وخارج حدود المنطق والعقل تماما ، فقط رغبا في حماية قتلة الطفلة وهم من عناصر اللواء 17 مشاه.
لكن الطريق الى هذا الصلح يعكس صورة مصغرة لمنطق الغاب وغلبة القوة التي تحكم مدينة تعز ، فحروف هذا الصلح الذي يدعى كاتبه " سالم " بأنه كتب تبركا بالايام الاخيرة من رمضان ، لم يكن صحيح.
مصادر خاصة لـ " الرصيف برس " كشفت عن ما تعرض له مجيب من تهديد وترهيب وصلت حد الخطف وتهديده بالتصفية لاجباره على التوقيع.
وقالت المصادر بأن مجيب الذي رفض ضغوط الاسرة والمقربين بالاخذ بالثأر رفض عشرات الوساطات التي ارسلت له لانهاء القضية والتنازل عنها.
وكشفت المصادر عن ارسال " سالم " لعدد من أفراده قبل حوالي شهرين وطلب مجيب للحضور اليه والبحث في القضية ، وهو ما تم وتم اللقاء بحضور عدد من القيادات العسكرية ابرزها القيادي الاصلاحي البارز/ عبده حمود الصغير رئيس عمليات اللواء 17 والذي ينتمي له القتلة.
مشيرة الى ان مجيب رفض كل الاغراءات والضغوط خلال اللقاء للتنازل عن القضية ، ودخل في مشادة كلامية معه ، وانتهى اللقاء بتهديد مجيب والتوعد بتأديبه.
وعقب هذا الاجتماع باسبوع واحد ، تفاجأ مجيب بمسلحين على متن طقم عسكري يعترضون طريقه امام مبنى مصلحة الجوازات ، وقاموا باختطافه الى مكان مجهولة.
وقالت المصادر بأن مجيب تعرض للتهديد من قبل المسلحين الذين وضعوا اسلحتهم في رأس مجيب ، مهددين اياه بالتصفية وقتل اولاده اذا لم يقبل بالتنازل.
المصادر اكدت بان هذه الحادثة وخوف مجييب على حياة اولاده من ان يلاقوا مصير نوران ، اجبرته على توقيع التنازل الذي تعد صياغته جريمة بحد ذاتها.
حيث يسرد " سالم " في بداية الصلح تفاصيل الحادثة ، وبأن ما حدث هو نزول طقم من شرطة المظفر للقبض على ماجد العديني واخيه عرفات لكونهم " مطلوبين امنيا " في الاعتداء على ارضية تابعة للمواطن/ غالب الخليدي.
بحسب " صلح " سالم فقد اشتبك الـ " مطلوبين امنيا " ومن معهم من المسلحين مع أمن المظفر ما اسفر عن اصابة احدهم واصابة احد الضباط ، وعاودوا الاشتباك مع الأمن امام مستشفى البريهي ما اسفر عن مقتل المطلوب امنيا عرفات.
ليرد شقيقه ماجد مع عدد من المسلحين بالهجوم على محطة الماء التي يملكها الخليدي ، ما اسفر عن مقتل الطفلة نوران التي كانت تقوم بتعبئة الماء داخل المحطة.
يقر سالم بأن ما حدث جريمة مكتملة الاركان وليست خطأ عابرا ، ليخرج في نهاية الحكم الذي صاغه في رمضان الماضي ، بحكم جائر يقضي بالاكتفاء بدفع 5 مليون ريال "دية" الى والد نوران من قبل القتلة الطلقاء.
ولم تتوقف جريمة سالم عند هذا الحد ، بل تضمن حكمه اجبار قسم شرطة المظفر بدفع ذات الدية الى القتلة لمقتل " المطلوب الأمني " عرفات العديني الذي قتل اثناء تهجمه واشتباك مع أمن شرطة المظفر.
مصادر كشفت بأن " سالم " قام بالزام السلطة المحلية بدفع الدية" المطلوب الأمني " عرفات العديني بهدف تسليمها مرة أخرى كدية لأهل الطفلة نوران ، وهو ما تم.
وقالت المصادر بأن مجيب رفض استلام الدية ، التي تسلمها مدير البحث الجنائي الذي قام بالذهاب الى والد مجيب ( جد الطفلة ) لاقناعه باستلام الدية خوفا على حياة مجيب ، في تهديد آخر يضاف بحق الأسرة.
الحكم وصفه المحامي عمر الحميري بأنها " استغلال نفوذ واساءة استعمال سلطة وجريمة اكراه للمجني عليه للقبول بمالا يرضاه"
ويؤكد الحميري في منشور له تعليقا على الحكم بأنه دليل ادانة للمستشار سالم وقيادات في الجيش على استغلال نفوذهم في الضغط نحو انهاء قضية قتل طفلة والمتهم فيها افرادهم.
مضيفا بأنه "سلوك خاطئ يستحق الادانة كونه صدر من قادة يفترض بهم الوقوف في صف الضحية وضد افرادهم القتلة".
الكشف عن بنود هذا الصلح اثار ضجة بين الناشطين من ابناء المدينة ، وولدت مطالبات باحياء ملف القضية والقبض على الجناة والمطالبة باقالة القيادات المتواطئة وعلى رأسها المستشار " سالم ".