"ثورة فبراير " و المنتصف المميت .. !
الاحد 11 فبراير 2024 - الساعة 10:52 مساءً
نبيل السفياني
مقالات للكاتب
" مَن يقوم بنصف ثورة كمن يحفر قبره بيده ".. ماو تسي تونغ
في فبراير 2011 ومع رياح التغير القادمة من تونس ومصر خرجت الجموع الشبابية والشعبية إلى الشارع في انتفاضة شعبيةمفاجئة غلبت عليها اوعلى بداياتها العفوية وخرج الشباب والثوار إلى السحات يردونها ثورة كاملة وتغيرا شاملا, وكانت البدايات مبشرة... ولكن ومع توسع الشرخ او الشروح في جدار النظام وبروزها إلى العلن , وانقسام الجيش او ظهور الانقسام المبطن وإحاطة " جيش الفرقة " و" عسكر القبيلة " بساحة التغير , وقفز ما يقارب النصف يقل او يزيد من رموز و شركاء وحلفاء " الصالح "ومكونات واجنحة النظام العسكرية والقبلية والسياسية.. إلى ساحات الثورة و التغير وركوب الموجة الثورية وإمتطاء قذال الثورة , في ظل غياب الرؤية الثورية الإستراتيجية لدى " القائم بأعمال الحامل السياسي للثورة " والذي تشكل في الأصل على اساس تكتيكي انتخابي وسياسي ورؤية تكتيكية آنية ولأهداف وغايات سياسية وانتخابية وسعيا لإجراء بعض الإصلاحات السياسية والإقتصادية... ,وإضافة إلى ما يشوب " المشترك " من تناقضات وخلافات بينية بين من يريدها تغيرا شاملا وثورة كاملة ومن يريدها تغيرا محدودا وعملية إصلاحية و الاكتفاء بإزاحة " علي صالح " وتغير رأس النظام ومن يريدها شبه ثورة او نصف ثورة ومن يريد عسكرتها ومن يريدها سلمية..
مع قصور في البنية المؤسسية وغلبة طرف معين وبعض اليهمنة المباشرة وغير المباشرة لبعض القوى القبلية والعسكرية... ,ومع التحول من " إسقاط النظام " إلى " إسقاط الرئيس " وفتح باب التسويات والتوازنات والمساومات والصفقات والمبادرات الداخلية والخارجية جاءت الرياح بما لا يشتهي الشباب و الثوار , فلا الثورة اكتملت وأسقطت النظام ولا النظام أخمد شعلة الثورة , وجاءت المبادرة الخليجية لتحول الثورة إلى "ازمة " وتنهي الأمر بتسوية وبنصف ثورة ولتمنح " مشترك وقوى الثورة والملتحقين بالثورة والمهيمنيين عليها " بعض السلطة ونصف الحكومة وتكتب للنظام نصف حياة وتمنح " صالح " حصانة وفرصة ثمينة لاستعادة الأنفاس والإعداد لجولة ثانية , ولتترك الجمر يتوهج تحت الرماد و تؤجل الصدام وجولة الإنتقام لوقت لن يطول ..
ومع افتقار المشترك وشركائه للرؤية الإستراتيجية الجامعة والتصور المسبق الواضح لمرحلة ما بعد التغير والوصول إلى السلطة والحكومة او الشراكة فيها , و بروز مؤشرات على بداية تفكك المشترك و انشغال الأحزاب بالخلافات البينية والمحاصصة والتعينات والتسابق على المناصب والكراسي , والصراع على المصالح والمغانم , وطغيان نوع من الأنانية المفرطة على بعض الأطراف وسعيها لفرض نوع من الهيمنة والاستئثار بالنصيب الأوفر والأكبر والتصرف وكأنها وريثا شرعيا للنظام.
ومع ظهور الخلافات داخل منظمومة السلطة والحكومة المنبثقة عن المبادرة الخليجية وبروز الخلافات بين الرئيس الانتقالي ورئيس حكومة المناصفة وبين الرئيس وبعض الرموز والقوى القبلية والعسكرية المحسوبة على الثورة , ومع فشل (او إفشال) الحكومة في إصدار قانون العدالة الإنتقالية وفشل الحكومة في إدارة الملف الإقتصادي والعودة إلى أدوات وأساليب ما قبل فبراير ووفاء البعض لفساد نظام " صالح " وتمسك البعض بأساليب "صالح " في ادارة النظام , وفشل هيكلة الجيش و زيف الهيكلة العسكرية وبقاء علي صالح في الملعب واستمراره في اللعب وادارة اللعبة والتأثير في مجريات الأحداث عن طريق المؤتمر الشعبي وبصفته كرئيس للمؤتمر ومن خلال نصف المؤتمر في الحكومة وهيمنة المؤتمر على ما يعرف بالحكومة العميقة ومن خلال الوحدات والقيادات العسكرية الموالية له , واستمراره في ممارسة لعبته المفضلة مع الثعابين وبالثعابين مع دخول " ثعاببين " جديدة إلى الملعب والى حلبة الصراع الجديد القديم والقديم الجديد في ظل هيمنة روح ونزعة الانتقام على تفكير " صالح " والتي افقدته دهائه المعروف و قدرته المعهودة على اللعب و اعمته عن رؤية حقيقية ومدى خطورة هذه الثعابين السامة القاتلة ..
وفي ظل هذا الوضع وهذه الظروف وفي 21 سبتمبر 2014 جاء الانقلاب الحوثي المغذى ايرانيا والثورة المضادة المغلفة والمعززة بروح الإنتقام لتنقض على قافلة " نصف الثورة " ومشروع الدولة وحكومة الوفاق وشرعية الحوار وتوقف مسار التغير المحدود وتجهض مخاض ميلاد العقد الإجتماعي المنشود وتعرقل خطوات الانتقال وبناء النظام الجديد وجني ثمار الحوار , وتدخل البلاد في حرب ضروس وتطوف مسيرة الموت بارجاء الوطن وتثخنه بالجراح ..
واليوم وبعد تسع عجاف من الحرب والانقلاب والدمار والخراب تنقسم البلاد بين نصف للشرعية ونصف للانقلاب ويعم التقسيم ويعم التنصيف السياسة والجيش وبعض القوى والأحزاب ... والتعليم والخدمات وبيت المال والتجارة والاقتصاد والريال.. وحتى الراتب العليل ففي مناطق الهيمنة الحوثية أصيب الراتب بالتنصيف والموسمية وفي الضفة الشرعية أصيب بالهزال , وحتى السلة الغذائية الإغاثة المقدمة للمواطن المسكين لم تسلم من التنصيف والتقليص ...
بعد تسع عجاف تقف مسيرة التحرير واستعادة الشرعية عند المنتصف وتراوح الحرب عند المنتصف وعند نقطة اللا حرب و اللاسلام.. وحتى مواقف بعض القوى والأحزاب السياسية تتأرجح عند نقطة المنتصف ومنها من يحاول إمساك العصا من المنتصف ..
وبعد تسع عجاف يهمن الركود على الحياة السياسية ويغيب العمل السياسي الفاعل وتعاني القوى والأحزاب السياسية من اختلالات بنيوية وتنظيمية ومؤسسية وتراجع او غياب دورها السياسي والجماهيري الفاعل..
وبعد تسع عجاف تعاني الشرعية من التشضي والانقسام وتسودها الخلافات والنزاعات والمعارك الصغيرة والصراعات البينية وتغلب عليها الحالة " الكنتونية " مع الافتقار للرؤية الوطنية الجمعية والإطار السياسي الوطني الجامع وغياب الإرادة وفقدان القرار , مع تفشي للفساد واختلالات المؤسسات وفشل الإدارة واستفحال الازمة الاقتصادية والمالية الحادة و تفاقم الظروف المعيشية الصعبة والخانقة وانهيار الريال وصعود السعودي والدولار وارتفاع الأسعار
بعد تسع عجاف تستمر الشرعية في المراوحة عند نقطة المنتصف وتستمر سياسة الترقيعات و المغالطات وأنصاف التسويات وانصاف المواقف وانصاف القرارات وانصاف المعالجات وانصاف الحلول...
بعد تسع عجاف وفي ظل هذا الوضع وفي ظل هذه الظروف ومع حلول ذكرى ثورة 11فبراير ما أحوجنا واحوج ثوار فبراير او من تبقى منهم ومن بقى منهم وفيا لفبراير , ما أحوجنا واحوجهم لاستعادة روح ووهج وقيم ومبادئ واهداف " فبراير " وما سبقها من الثورات والحركات الوطنية والعمل وفق مفهوم ومنهج " الثورة المستمرة ".. , وما أحوج ثوار فبراير وما أحوج الشرعية ومكونات وأحزاب وقوى الشرعية لوقفة جادة مع الذات للتقيم والمراجعة والاعتراف بالأخطاء والنقد الذاتي والموضوعي والترشيد والتصويب الجاد والتصحيح الجذري والمعالجات الجادة الشاملة والجذرية..., ونبذ المحاصصة وخلع جلباب الأنانية وتعزيز الشراكة , واجتثاث الفساد وكبح جماح الفاسدين وتجار الحروب , وبناء الثقة واستعادة الإرادة وامتلاك القرار , وترميم " السفينة " و ضبط البوصلة وتصويب المسار , والخروج من نقطة المنتصف المميت ..