يا موت انتظر

الجمعه 08 ديسمبر 2017 - الساعة 09:12 مساءً

 

من 17 يوليو 1978 إلى 4 ديسمبر2017 كان علي عبدالله صالح حاملاً كفنه في يده وكان القتل وكل الاحتمالات مفتوحة وطبيعية أمام شخصية اختارت الحكم والسياسة.

وتظل مختلف مراحل حياته التي تأرجحت بين الصواب والخطأ في الحكم والسياسة متروكة للتاريخ ليقول كلمته..

لكن الراجح أن علي عبدالله صالح كان حالة فريدة في حياته ومماته.. والراجح أيضاً أن علي عبدالله صالح الذي إختار توقيت مقتله وخلع عن كاهله عبئ ثقيل ظل يحمله بدون قناعة بتحالفه مع جماعة أنصار الله واراد التخلص منه وقال و صيته في كلمته الاخيرة أراد أن يموت وقد سجل موقفه وقناعته للتاريخ والأجيال وهو يدرك أن الموت يفصله عنه بضع ساعات..

والواضح أن قرار التخلص من الرئيس السابق علي عبدالله صالح رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام كان قد أتخذ من قبل عبدالملك الحوثي منذ وقت مبكّر وأن التنفيذ تأجل مرة بوساطة من أمين حزب الله وأخرى من قيادات عسكرية وقبلية محلية لتكون الثالثة ثابتة وهو يحمل سلاحه مثل أي جندي في ميدان معركة ينتظر طلقة تأتيه من أي اتجاه..

نال عبدالملك الحوثي من صالح وأسرته وقادة حزبه وتجاوزت عمليات القتل إلى الضغينة والوحشية وأظهرت العملية حقد أعمى وإرهاب منظم ليس بغريب على جماعة دينية يعتاش قائدها على الدم ويتنفس هواء الحقد والكراهية ..

والواضح أيضاً أن الحوثيين كانوا قد بدءوا منذ وقت مبكّر للتحضير ورسموا الخطة لذلك لم يجدوا عناء في التنفيذ ضد صالح الذي كان مكشوف وعاجز عن القيام بأي ترتيبات مماثلة..

وذاك أمر طبيعي بين جماعة لديها الأجهزة الأمنية كلها وتقبض على الخزينة العامة وتحرك الجيش ومسلحيها بإمكانات دولة منهوبة وبين صالح وحزب المؤتمر الذي كان أكثر ما يستطيعون فعله حشد أنصارهم في تظاهرات ومسيرات لا تخرج سيناريوهاتها عن ما يرسمه الحوثيون مقابل بقاءه حياً.

قتل صالح أو استشهد وهو يدافع عن نفسه في منزله ومعه أولاده الذين لم يصطفيهم أو يميزهم عن أي يمني وقتل طارق محمد عبدالله صالح وهو كذلك يدافع عن علي عبدالله صالح ومعه المئات ثم تحركت عجلة الكراهية الفاشية لعبدالملك الحوثي لتحصد أمامها كل من له علاقة بصالح وأسرته وحزب المؤتمر ففجرت المنازل وقتلت حتى المعتقلين وداهمت العائلات وهي نيام ونكلت وشردت قدر قبحها وإرهابها وفاشيتها القذرة ثم راحت بعد كل ما فعلت تقيم احتفالات الشكر ورقصات وأهازيج الفرح على جثث الضحايا منتشية بالانتصار بضمير ميت ودم بارد..

لم تكتف بالتنكيل والقتل والانتقام المريض بل راحت تقتل الشهود وتلون روايات القتل وتفبرك قصص غبية فيها استخفاف باليمنيين وعقولهم..

لكن هل انتهت القصة أم أن باب جهنم انفتح على مصراعيه لتزداد معاناة اليمنيين وتتوسع دائرة العنف لمواجهة هذا المشروع السلالي الطبقي الذي يحمل فكراً من مخلفات التاريخ ويتدثر بالجهل ويعيش على القتل إلى ما لانهاية؟ على الأقل أن هذه التطورات الأخيرة قد أوضحت وفرزت بجلاء جماعة الحوثيين كعدو كامل الدسم أمام اليمنيين بمختلف توجهاتهم السياسية وفئاتهم المجتمعية وعلى الجميع أن يوحدوا الصفوف ويتناسون الخلافات لتكون بنادقهم وهدفهم هذه الجماعة الضالة بأفكارها العفنة وأحقادها التاريخية..

وعلى المؤتمر أن يبدأ بتحريك التظاهرات السلمية وإثبات حضوره الشعبي في تشييع جنازة زعيمه علي عبدالله صالح وأن يرفض أي شروط لدفن الجثة دون تشريح أو القيام بجنازة وتشييع لا تليق بمكانة الرجل بين أنصاره ومحبيه..

دعوا صالح فقد قضى نحبه وأصبح بين يدي باريه وخالقه وابدءوا بجدية وإصرار وإخلاص في إنقاذ اليمن من هذه الجماعة الإرهابية التي تريد إعادة اليمن إلى عصور الإمامة والظلام وثالوثها المرعب الجهل والفقر والمرض..

إن حزب كالمؤتمر الشعبي العام له حضوره وفاعليته في الساحة اليمنية بفكره الوسطي المعتدل ويملك ثروة بشرية وكوادر ذات مراس وقبول بين اليمنيين قادر على النهوض والبقاء والعمل بفاعلية مع شركائه السياسيين وحلفائه الجدد على تشكيل جبهة موحدة يمكنها أن تقود دفة المواجهة وتحقيق الانتصار..

إن القبيلة التي تتخبط الآن في اليمن بلا رأس وتفتقد للقائد مثلها مثل الحكومة الشرعية لا يجب أن نزيد من قسوتنا عليها فقد تشوهت هي الأخرى وراح الحوثيون يفصلون وجاهات وشخصيات بمقاساتهم السلالية والعرقية وحتماً عندما تجد القائد ستسير خلفه.. أعيدوا اليمن الذي سلب بعزيمتكم وهمتكم وصدق ونبل مقصدكم وبعدها ستجدون الإقليم والعالم معكم لبناء اليمن الجديد الموحد بعيداً عن هذه المخلفات الآدمية التي تظهر كمسخ في شاشات التلفاز وأمام أعينكم، وبهذا تعيدون للإنسان وللتاريخ اليمني اعتباره ومكانته التي يستحقها بين الأمم.. *..

ويا مَوْتُ انتظرْ ، ياموتُ ، ‎حتى أستعيدَ صفاءَ ذِهْني في الربيع ‎وصحّتي ، لتكون صيَّاداً شريفاً لا ‎يَصيدُ الظَّبْيَ قرب النبع . فلتكنِ العلاقةُ ‎بيننا وُدّيَّةً وصريحةً : لَكَ أنَتَ ‎مالَكَ من حياتي حين أَملأُها .. ‎ولي منك التأمُّلُ في الكواكب : ‎لم يَمُتْ أَحَدٌ تماماً ، تلك أَرواحٌ ‎تغيِّر شَكْلَها ومُقَامَها

*محمود درويش

...................

 

للاشتراك في قناة " الرصيف برس " على التلجرام.

إضغط على اشتراك بعد فتح الرابط

https://telegram.me/alraseefpress

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس