اليمن وأفريقيا تكامل وشراكة حضارية.. ولكن..؟!(1 - 3)
الاثنين 18 مارس 2024 - الساعة 02:47 صباحاً
د . نادين الماوري
مقالات للكاتب
تعود العلاقة اليمنية _الأفريقية الي قرون مؤغلة في القدم حين كان الملكة (بلقيس) ملكة سباء يمتد من مدينة (مارب) إلى مدينة (كسب تاون) في أقصى جغرافية القارة الأفريقية، حتى أن هناك اليوم قبائل أفريقية تدين لبلقيس وتعتبرها إلها، فيما تؤكد تقارير بعض الباحثين في هذه العلاقة الي اعتبار الملك (ابرهة) ينحدر من أصول حميرية..!.
ولقرون كانت دول القارة الأفريقية بمثابة العمق الاستراتيجي لليمن منذ ما قبل حدوث الشق الجغرافي وتشكل البحر الأحمر الذي فصل جغرافية اليمن عن الجغرافية الأفريقية، ويمكن القول إن العلاقة الخارجية شكلت اساسا لخلاف النخب اليمنية في العصور القديمة حين كان البعض يفضل العلاقة والتكامل مع مملكة (اكسوم) الحبشة حاليا، عن أي علاقة أخرى وقد أدى هذا الخلاف بين النخب اليمنية وصراعهم الداخلي الي إقدام الملك سيف بن ذي يزن للاستعانة بالفرس ضد أبناء جلدته الذين كانوا يرفضون العداء لمملكة اكسوم ويعتبرون التحالف معها والتكامل جزءا أصيلا من استقرارهم السياسي والاقتصادي..
ومع تطور الزمن والتحولات وضيق العيش في بلاد اليمن بسبب طغيان أنظمة الأئمة وجبروتهم وفرضهم لقيم الجهل والتخلف على الشعب اليمني وغياب آفاق الحياة وتطورها لجاء الكثيرون من أبناء اليمن إلى الهجرة إلى دول القارة الأفريقية وهناك وجدوا الفرص أمامهم متاحة ومنحتهم هذه الدول فرص العيش الكريم وتحسين اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وخلال القرون الأربعة الأخيرة كان دول القارة الأفريقية ملاذا ومنقذا لحياة الآلاف من أبناء اليمن الذين كانوا يتخذون من مينائي المخاء اولا ثم ميناء عدن نقطة انطلاق نحو العالم الخارجي ومنها دول القارة الأفريقية، إذ كان يكفي المواطن اليمني أن يجد له موقعا على ظهر سفينة ماء متجهة الي ميناء من مؤاني دول القرن الأفريقي ليصل اليها ومن ثم يبدأ حياته العملية ويساهم في البناء والتنمية والتعمير والحركة الاقتصادية ويتأهل وينخرط في الحياة الاجتماعية في تلك البلدان دون أن ينظر إليه بنظرات الانتقاص اويقال له دخيل أو اجنبي بل يصبح جزءا من المجتمع الذي وجدا نفسه سوي كان في الصومال أو في إثيوبيا أو في السودان أو في كينيا أو في جيبوتي أو في أي دولة من دول القارة الأفريقية، وفي كل هذه الدول كان المغترب اليمني يعيش حياة أبناء البلد وله كل الحقوق مثله مثل بقية مواطني البلد..
على مدى سنوات استطاع المهاجر اليمني أن يبني ذاته بل ويجد ذاته التي فقدها في وطنه في ظل أنظمة الاستبداد..!
وقد شكلت دول القارة الأفريقية حاضنة لأبناء اليمن الذي وصل إليها غالبيتهم بدون جوازات ولافيز ولا حتى بعضهم كان يحمل هوية شخصية تثبت اسمه، بل كان غالبيتهم يصلون ثم يسألون عن أسمائهم ويكفي أن يقول ان فلان بن فلان من قبيلة فلان ومن القرية الفلانية وقد أكدا هذه الحقيقة الكثيرون من المهاجرين الذين عاشوا لعقود في الحبشة والسودان وجيبوتي والصومال، ومنهم من أصبح لاحقا رمزا من رموز الاقتصاد الوطني، ولن تجد اي رجل أعمال يمني اليوم ممن أصبحوا ذات وزن اقتصادي ومالي إقليمي ودولي مثل والدي الحاج عبدالله ناصر الماوري ، محمد ابوبكر باخشب ، هائل سعيد أنعم، محمد مبارك عذبان، جمعان، شاهر عبد الحق، درهم العبسي، وعلى جبران العنسي، ومئات من رجال الأعمال المشهورين في اليمن وخارج اليمن، لم يبدأ حياته من دول القرن الأفريقي..
وحين قامت الثورة اليمنية وقبلها حتى كان هؤلاء من أبرز داعمي الحركة الوطنية اليمنية المناهضة للإمامة في شمال الوطن والاستعمار في جنوبه، بل قامت الثورة اليمنية بدعم وإسناد من المهاجرين اليمنيين في بلدان القارة الأفريقية وهذه الحقيقة اجمع عليها كل رموز الثورة اليمنية الذين اختلفوا في كل شيء إلا في هذه النقطة وهي الدعم السخي الذي قدمه المغتربين اليمنيين في دول القرن الأفريقي، تلك الدول التي فتحت حدودها للمغترب اليمني فيما أبنائها ومجتمعاتها فتحت قلوبها لأبناء اليمن الذين اندمجوا في تلك المجتمعات وتزوجوا من بناتها وبنوا اسرهم وانجبوا الاولاد والبنات، وبعد قيام الثورة اليمنية عاد العديد من هؤلاء لليمن وخاصة رجال الأعمال الذين استبشروا خيرا بالثورة والتحولات فعادوا ليفتتحوا مشاريع تجارية في بلادهم دون أن يقطعوا علاقتهم بالدول الأفريقية التي نجحوا فيها واحتضنتهم ردحا من الزمن.
أفريقيا بما لدى شعوبها من قيم وأخلاقيات وتسامح وحب للآخر الذي يأتي إليهم، عكست أو جسدت هذه القيم الاجتماعية الأفريقية رؤية رسولنا المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي امر أتباعه للهجرة الي الحبشة هربا من بطش قريش وتنكيلها بأتباعه حين أمرهم أن (هاجروا الي الحبشة فإن فيها ملك عادل لايظلم عنده احد) ولم يكون الملك النجاشي العادل الا عاكسا لثقافة وقيم المجتمع الذي يحكمه، ورسول الله لم ينطق عن الهوى بل كان يدرك حقيقة هذه المجتمعات وحبها للآخر وتسامحها مع الوافد وترحيبها به حد الفرحة وتسهيل كل العوائق أمامه، لدرجة ان يقدم أبناء هذه الدول على القبول بالغريب ويزوجوهم بناتهم دون أن يكلفوا أنفسهم السؤال عنه وعن أهله مع اننا ونحن في بلادنا إذا تقدمت بمثل هذا الطلب من خارج قريتك تقابل إما بالرفض أو طلب مهلة ليسألوا عنك وعن اصلك وتاريخك وقد يوافقوا وقد يرفضوا،فيما في تلك المجتمعات تأهل غالبية المغتربين وارتبطوا من مرة ومرتان وثلاث واربع مرات دون أن مشكلة وهذا يجسد حقيقة المشاعر الإنسانية التي يتحلى بها أبناء المجتمعات الأفريقية تجاه ابناء اليمن تحديدا، إذ لم يحصل على الميزة أيا من رعايا الدول الأخرى داخل المجتمعات الأفريقية لكن اليمني حصل عليها واندمج في النسيج الاجتماعي الأفريقي فاثرا واشتهر وتعلم وكسب المال والأولاد والمكانة الاجتماعية والحضور والشهرة.
يتبع