لن أورث لأطفالي لعنة الحوثي..
الاثنين 10 يونيو 2024 - الساعة 11:57 مساءً
أحمد شوقي أحمد
مقالات للكاتب
لم أقاوم الحوثي من أجل السعودية والإمارات، ولا من أجل الشرعية، ولا من أجل الأحزاب، لا خوفاًً ولا طمعاً في منصب أو مال (راتبي لا يستحق الذكر، وهو مقطوع من الشرعية منذ بداية الحرب وإلى اليوم)، ولا خوفاً من شخص أو جماعة أو جهةٍ ما، أو أياً كان..
قاومت الحوثي من أجلي، ومن أجل أهلي وأصدقائي ووطني، أولاً، ثم من أجل أولادي - حين صار لي أولاد - آخراً.. لم أُرِد أن أورث الحوثي لأطفالي، يستعبدهم وينتهك طفولتهم وكرامتهم، يذلهم ويهينهم ويستخدمهم كوقود بشري لحروبه وصراعاته، يغسل أدمغتهم ويلوث وجدانهم ويدمر حياتهم وحاضرهم ومستقبلهم، يحولهم إلى مُسوخٍ بغسل أدمغتهم واستغلالهم كقتلة ولصوص مبردقين بثمن اللقمة والكيف، أذلاء ومعتوهين، أو يحولهم إلى هياكل بشريَّة منكل بها تحت طائلة الجوع والخوف والاختطاف والتعذيب والسحق الوحشي لأجسادهم وأرواحهم الحرَّة..
لقد كُتب علي، وعلى أهلي وأصدقائي ووطني، أن نضيع شطراً من أعمارنا، وجلّ عافيتنا وزهرة شبابنا نجابه لعنة الحوثي التي حلَّت علينا كرهاً، وإن كنت قد أصبت وأحبتي، وقُدر علينا أن نجابه هذا القدر البغيض، فإني سأنفق ما تبقى من طاقتي للمواجهة، للرفض، للتحدي والمقاومة، ولن أستسلم ما وسعني ذلك، ليس مثاليةً مني، ولا بطولة، ولكن حُباً ورأفةً وشفقة على أطفالي من أن تطالهم لعنة الحوثي التي طالتنا..
أنا لم أُرِد أن أورث هذه اللعنة لأطفالي، لم أرد لهم أن يعيشوا التوجس والقلق الذي عشناه وما زلنا، ولم أرد لهم أن يعانوا الجوع والفقر والمخافة التي عانينا ونعاني، لم أرد لمشارط الحُزن المسموم أن تشرح قلوبهم الغضة النقية، ولا لسكاكين الغضب وشظاياه الحادة أن تمزق أحشائهم الطريّة، ولا لأحماض العجز والقهر وقلة الحيلة الحارقة، أن تآكل أكبادهم وتفحمها, لم أرد لهم أن يتجرعوا أو يتجشأوا عصارة الاحتقار، احتقار الواقع الحوثي المفرط في الابتذال والقذارة، واحتقار ذواتهم المُجبرة على التعايش مع كل ذلك القرف والتكيُّف معه..
لم أُرد لهم هذا البؤس والضياع، هذا ونحن لم نختبر طغيان الحوثي فوق رقابنا، وما زلنا في منعةٍ منه، فكيف بنا، إذا عشناه واقعاً مُسلطاً، وأورثناه لأبنائنا جحيماً يتجرعوه، فأي آباء نحن وأي رعاة ومسؤولون عن رعيةٍ وعن أمانةٍ كرَّمنا الله بها وحمَّلنا مسؤولية رعايتها وحمايتها ففرطنا بها، ونقلنا قمامة التاريخ المُتراكمة طوال ألف سنة، بعفنها الذي فاح واستشرى، اليوم، لننزلها من على كاهلنا ونحملها كواهل أطفالنا الغُرّ المساكين..
إن كان موتي، وموتك، وموت الكثيرين منا، ثمنٌ كافٍ لتطهير حاضر ومستقبل أطفالنا، من رجس النسخة اليمنية من إرث الإمامة، الزيدية الهادوية منها والجارودية والاثناعشرية وما شابه وما ظهر من أمثالها وما بطن، في كل بقاع اليمن، وإرث التخلُّف والاستبداد والعصبيَّة، المدمر لحاضر الشعوب والأمم ومستقبلها، لكان ذلك ثمناً مستحقاً واجب السداد علينا في التوِّ واللحظة، كأقل واجبٍ أبويّ نقدمه لحماية أبنائنا وسعادتهم..
إن الحوثية ليست سوى أقبح وأكبر اللعنات والكوارث البشعة التي أصابت هذا البلد في القرن الحالي، لكنَّها مع ذلك، ليست إلا رمزاً لجوقة عريضة من اللعائن والمصائب التي تتغذى علينا، ليس ابتداءً بالإمامة الهادوية والجارودية اللتان لن تقوم لنا قائمة إلا بجزهما وحذفهما بإرثهما الثقافي العنصري والطبقي منه والعُرفي والاجتماعي وحتى الفني، كأقلّ واجب، وليس انتهاءً بالأمراض العصبوية والطبقية المنتشرة في طول البلاد وعرضها..
إنها مهمة هذا الجيل, وغضب السماء والأرض ستحلّ عليه وعلى ذريته إن تخلى عنها أو لم يؤد فرضه ومستطاعه منها,,