البطل يتذكر..."الرصيف برس" يعيد نشر الحوار الأخير مع الشهيد القائد عدنان الحمادي (الحلقة الاولى)
الخميس 05 ديسمبر 2019 - الساعة 09:23 مساءً
المصدر : نقلا عن صحيفة الشارع اليومية
في 5 نوفمبر الماضي، زُرنا "الحُجَرِيَّة". غادرنا، علوي حسن وأنا، مدينة عدن في الثانية والنصف من بعد ظهر ذلك اليوم، ووصلنا مدينة التُّرْبَة قبل دقائق من حلول الظلام. الصديق العزيز عبدالرحمن النعمان، أخذنا بسيارته إلى هناك؛ إذ كنا قد أبلغناه، قبل ذلك بيومين، أننا نريد زيارة "الحُجَرِيَّة"، وإجراء مقابلة صحفية مع العميد الركن عدنان الحمادي، قائد اللواء 35 مدرع.
عام 2011، عرفنا عبدالرحمن النعمان كواحد من أبرز شباب ثورة 11 نوفمبر. تطوَّرت معرفتنا به إلى صداقة وود متبادل. وعام 2015، انقطع عن زيارتنا، ثم عرفنا أنه نزل إلى تعز لقتال مليشيا الحوثي. وخلال عام 2017، أرسل رسالة إلينا: "العميد عدنان الحمادي يُسَلِّم عليكم". كانت بطولات "الحمادي" معروفة للجميع، لكنَّا لم نكن نعرفه بشكل شخصي. وحِرصه على إرسال رسالة السلام تلك إلى صحفيين لم يسبق له اللقاء بهما، أمر يعكس حِسَّه الاجتماعي العالي، الذي ظهر في تمكُّنَه من استلام قيادة اللواء 35 مدرع، في ظروف بالغة التعقيد عام 2015، ثم قدرته على جعل كثير من أفراد اللواء يصطفون خلفه لقتال مليشيا الحوثي.
يتمتع عدنان الحمادي بشخصية استثنائية. بمجرد التعرّف عليه تشعر إنه صديق قديم لك. هو شخص بسيط وصادق وودود ووفي، أمَّا شجاعته فقد تجلَّت في أكثر من مكان وموضع. عبدالرحمن النعمان، يحمل الصفات ذاتها؛ لهذا تطوَّرت علاقته بـ "الحمادي" حتى صار صديقه المقرَّب ومدير مكتبه. لهذا، أبلغناه، في 3 نوفمبر، أننا نريد زيارة "الحُجَرِيَّة"، وإجراء مقابلة مع "الحمادي". وسريعاً ما جاءنا، اليوم التالي، الرد بالموافقة والترحيب المسبق.
بعد نحو دقائق من حلول ظلام يوم الخامس من نوفمبر، غادرنا "التُّرْبَة" إلى "ذُبْحَانْ"، الملتصقة بها، وبعد نحو ربع ساعة، تركنا الأخيرة وتوجَّهنا، على متن سيارة أخرى، نحو منطقة "العَيْن"، حيث كان ينتظرنا عدنان الحمادي. تتبع "العَيْن" عُزْلة بَنِي حَمَّاد، وتقع في الطرف الآخر من "الحُجَرِيَّة". حَرَمَنَا ظلام الليل من التمتُّع بمشاهدة المناطق والقرى التي مَرَرْنَا بها. بعد نحو ساعتين من السفر الليلي، وصلنا إلى منزل "الحمادي". كان ذلك أول لقاء يجمعنا به. مع ذلك استقبلنا كما لو إننا أصدقاء قُدَامى. استقبلنا مُعَانِقَاً ومرحباً وبشوشاً. تناولنا العشاء، ثم عُدنَا لتناول القات. قضينا تلك الليلة في حديث طويل معه. وبعد الواحدة من منتصف الليل، وَدَّعَنَا وصَعَدَ للنوم عند أُسرته. كُنَّا قد أبلغناه، ونحن في "التُّرْبَة"، أننا نريد أن نلتقيه بعيداً عن أيِّ من ضيوفه الكثيرين والدائمين، ففرَّغَ لنا نفسه تلك الليلة، واليوم الذي يليه بالكامل، مع الليل.
صباح اليوم التالي، نزل إلينا باكراً. خرجنا معه للتجول راجلين في المناطق المحيطة بمنزله. ما إن غادرنا المنزل، حتى اكتشفنا روعة المكان الذي وصلنا إليه ليلاً. يقع المكان قبل نهاية التقاء جبلين، وفيه أشجار طويلة تُغَطِّي أجزاء منه. على بداية المرتفع الجبلي الأيمن ينتصب بيت "الحمادي" المبني بشكل أنيق ورائع. صَعَدنا المدرجات الزراعية المرتصَّة على بعضها في التقاء الجبلين.
تناولنا الغداء سوياً، ثم بدأنا في تخزين القات بمفردنا. قبل حلول الليل بنحو نصف ساعة، بدأتُ تسجيل الحوار معه؛ بحضور علوي حسن وعبد الرحمن النعمان. استمر الحوار لأكثر من أربع ساعات. بدءاً من هذا العدد، سنبدأ نشر الحوار على حلقات.
بقي أن نقول هُنا، إن المهام التي قام بها عدنان الحمادي في مواجهة مليشيا الحوثي، منذ 2015، تجعله واحداً من أبطال اليمن المعاصر. لا فرق بينه وبين الأبطال والرموز الوطنية، الذين نتحدّث عنهم، إن لم يكن أفضل منهم بالنظر إلى ما فَعَلَهُ. بمقتله خسرت اليمن واحداً من أهم أبطالها الاستثنائيين. على أن محافظة تعز هي الخاسر الأكبر.
بورترية:
وُلِدَ في شهر يناير عام 1968. عام 1984، التحق بالكلية الحربية في صنعاء، وتخرَّج منها نهاية 87. بدأ العمل في "محور قعطبة"، قبل الوحدة؛ ضمن قوام اللواء الثاني مدرع مستقل (اللواء 35 مدرع حالياً). عام 2012، تم تعيينه قائداً لـ "معسكر لَبُوزَة"، قائداً لكتيبة دبابات فيه، واستمر هناك حتى 18 مارس 2015. وبعد أقل من شهر، صدر قرار جمهوري قضى بتعيينه قائداً للواء 35 مدرع.
العميد الركن عدنان الحمادي، متزَوِّج ولديه خمسة أبناء (ثلاث بنات وولدين). أكبر أولاده يُدعى زكريا.
حوار: نائف حسان:
....
كُنْتَ أوّل من رفض الرضوخ لهيمنة مليشيات الحوثي، وأوّل من بدأ قتالها في تعز.. نريد منكم أن تخبرونا عن ذلك.. وكيف ومتى بدأتَ القتال ضدّ هذه المليشيات الانقلابية، وكم كانتْ القوة التي لديك، ومن دعمكم في ذلك؟
الكلُّ يعلم أن المليشيا الانقلابية، بعد أن أسقطت صنعاء، تحرَّكَتْ إلى بقية المحافظات، بما فيها محافظة تعز، والمحافظات الجنوبية. وعندها كُنْتُ قائداً لمعسكر لبُوْزَة، الواقع في محافظة لحج، والتابع، حينها، للواء 35 مدرَّع.
قبل نحو خمس أيام من دخول مسلحو مليشيات الحوثي، في مارس 2015، إلى مدينة عدن، جاء اللواء محمود الصبيحي، وزير الدفاع في تلك الفترة، إلى معسكر لبُوزَة، الواقع في محافظة لحج، والتابع، حينها، للواء 35 مدرع. يومها، كُنتُ أنا قائداً لـ"معسكر لبوزة". جاء إلينا الوزير الصبيحي، ومعه بعض القيادات العسكرية، وسألنا عن جاهزية "معسكر لبوزة"، وأفراده، وهل الأفراد سيقاتلون مليشيا الحوثي الانقلابية، أم سيسلمون لهم، شأن بقية جنود وضباط بقية المعسكرات، في صنعاء وغيرها، الذين سلَّموا لمليشيا الحوثي دون قتال. وقُلتُ له أنا: نحن جاهزون ومستعدون لمواجهة مليشيا الحوثي. وكنتُ أعرف اللواء الصبيحي منذ كان قائداً لمحور العند، وعندما كان قائد المنطقة العسكرية الرابعة، وطوال تلك الفترة، كُنَّا، في "معسكر لبوزة"، الذي أنا قائده، نُنَفٍّذ، بنجاح، كل المهام التي يوجِّهنا بها، وكان اللواء الصبيحي يحترم الوحدات العسكريّة الموجودة في "معسكر لبوزة"، وكان على ثقة أن هذا المعسكر سيواجه مليشيا الحوثي على أبواب الجنوب، ولن يسمح لها بدخول الجنوب. حين عَلِمتُ أن مليشيا الحوثي مُتَّجِهة من "الحوبان" باتجاه "الدمنة"، عَرَفتُ أن الهدف سيكون الجنوب وعدن. حينها، استغلينا اختطاف أحد جنود المعسكر من قِبَلْ بعض المتقطعين طالبوا بالإفراج عن قُطَّاع طُرُق تمَّ اعتقالهم وإرسالهم إلى قيادة المنطقة العسكرية الرابعة.
استغليتُ عملية الاختطاف تلك للجندي، فحرَّكتُ حملة عسكرية مكونة من أطقم ومدرعات، فلم يفرجوا عن الجندي المختطف، فكانت تلك فرصة لتحريك دبابات إلى منطقة كَرِش، وبالذات "الشُّرِيجة"، وتحديداً إلى المناطق الشطرية التي كانت تفصل الشمال عن الجنوب قبل الوحدة. تحركتُ، بعد ما استأذنتُ من قائد اللواء، العميد منصور محسن مُعَيْجِر، لإخراج دبابات إلى تلك المناطق بدعوى الضغط من أجل الإفراج عن الجندي المختطف. حَرَّكتُ أربع دبابات إلى هناك، وعيّنتُ عليها أفراداً جيدين، وعملتُ لهم طوق حماية، إلى جانب النقاط الأمنية، والمواقع السابقة التي كانت لنا في تلك المناطق. شَكَّلنا خط دفاع قوي جدّاً في منطقة كَرِشْ، وشكَّلنا خط ثاني للدفاع، وكان في التباب المُطِلَّة على مدرسة البدو الرُّحَّلْ. وخط أو نسق الدفاع الثالث كان في منطقة مَحْصُوص، ونسق الدفاع الرابع والأخير كان قبل "معسكر لبوزة"، وتحديداً في منطقة عَقًّان؛ على وحول "جسر عَقَّان"، حيث نشرتُ كثير من القوى. أبلغتُ وزير الدفاع بهذه الجاهزيّة، وقال: عمل رائع، وممتاز جدّاً. وتمَّ إطلاق سراح الجندي المختطف، في نفس اليوم، لكنَّا أبقينا قواتنا منتشرة في تلك المناطق، بما فيها الدبابات. الأخ قائد اللواء، ناصر مُعَيْجِر، لم يسأل عن ما إذا كُنَّا أعدنا الدبابات إلى المعسكر أم لا.
قبل دخول المليشيا الانقلابية، سألنا الأخ وزير الدفاع عن جاهزية المعسكر، وقال: هل تحتاج قوة أخرى؟"، فقلتُ له: "طبيعي، نحتاج قوة أخرى؛ لأنَّ عندنا عجز في القوات، لأنه في قوات أرسلناها إلى المخا، ودباباتها لازالت في معسكر لبوزة، ولو في تعزيزات لنا بقوات فيها متخصصين فسيكون ممتاز". قال الوزير: "تمام، سنعززكم بقوات من الأفراد العائدين [يقصد من الجنوبيين الذين تمَّ، حينها، إعادتهم إلى وظائفهم العسكرية]، وهؤلاء الأفراد كانوا في ساحة العروض في عدن". وخلال ثلاث أيام، وصل إلينا ألفين شخص من هؤلاء العسكريين السابقين. الأخ وزير الدفاع داوم عندي في "معسكر لبوزة"، في المكتب الخاص بقيادة المعسكر، داوم في المكتب وكان ينام ويأكل ويشرب فيه، وإن تحرَّك كان يتحرَّك إلى بعض المناطق في مهام سريعة، ويعود بعدها إلى المعسكر، وكان معه العميد ثابت جواس، واللواء الركن فضل حسن، والأخ ناصر منصور هادي، وآخرين، وتمَّ تجهيز هذه القوة التي أحضرها الأخ وزير الدفاع من ساحة العروض، وتمَّ تسليحها، بأكثر من ألفين قطعة سلاح، ومعدَّلات، وقواذف آر بي جي، وتمَّ صرف كل تلك الأسلحة من قبل وزير الدفاع، من مخازن "معسكر لبوزة"، وفتح فرع للقاعدة الإدارية أمَّنتْ الأكل لهذه القوة، التي تمَّ استيعابها في معسكرنا. أنا نَفَّذتُ كل توجيهات الأخ وزير الدفاع، رغم أن قائد اللواء "مُعَيْجِر" لم يكن يريد ذلك، وكان يريد تسليم كل شيء إلى مليشيا الحوثي.
كان وزير الدفاع، اللواء الصبيحي، يعتقد أن "مُعَيْجِر" من القيادات الوطنية التي يُركَن عليها. ولكني اِكتشفتُ عكس ذلك، بعد فترة، وأبلغتُ وزير الدفاع بالأمر. قُلتُ للوزير: "مُعَيْجِر سَيُسَهِّل دخول الحوثيين إلى الجنوب وعدن". قال الوزير الصبيحي: "لا يُمكن"، فأسمعته إحدى المكالمات، وفيها قال لي "مُعَيْجِر": "يا حمادي، من تَزَوَّجْ أُمَّنَا كان عَمَّنَا، وأنت سَلِّم للأخ وزير الدفاع أربع أو خمس دبابات فقط، ولا تُسَلِّمَهُ المعسكر"! يعني، هو كان يريد تسليم كل شيء إلى مليشيا الحوثي. اللواء الصبيحي اصطدم بذلك.
أيش كانتْ ردَّة فعل محمود الصبيحي؟
تأثَّر، وقال: "يا أخي هذا مُعَيْجِر، أنا كُنتُ أحسبه وطني، إذن من عاد باقي معنا وطنيين؟! إذا كان مُعَيْجِر يقول هذا الكلام، فعلى الدنيا العوض. إحنا اتفقنا معه في تعز على واحد، اثنين، ثلاثة، والآن يقول لك: من تَزَوَّج أُمَّنَا كان عَمَّنَا، وبا يدخِّلهم الجنوب؟!". تأثر اللواء محمود الصبيحي تأثيراً كبيراً.
كم عدد القوة التي كانتْ معك في معسكر لبُوزَة؟
الكتيبة 61، والكتيبة 64؛ الكتيبة 64 كانتْ منتشرة في مناطق خارج المعسكر ("كَرِشْ"، وغيرها)، ونص أفراد الكتيبة 61 كانوا، أيضاً، منتشرين في المناطق الشطرية لمواجهة مسلحي الحوثي. وتفاجأنا، قبل دخول الحوثي، بثلاث أيام، أن هناك مسلحين، بأعداد كبيرة، بدأتْ تُهَاجم النقاط والمواقع التابعة لنا، في "كَرِش" وغيرها. وقِيْلَ إن أولئك المسلحين يتبعون "الحِرَاك"، وأتوا من "المسيمير"، وعدّة مناطق جنوبية، وطالبوا برحيل قواتنا من الجنوب، وكانوا يتلفظون بألفاظ عُنصرية وشطرية، وكانوا يقولون إننا سندخل الحوثي إلى الجنوب، وهذا غير صحيح، ولم يكن وارد أبداً. والحقيقة أن جنود وضباط اللواء 35 مدرع الذين كانوا في "معسكر لبوزة"، كانوا وطنيين وصادقين وجادين في قتال مسلحي الحوثي. وكان عددهم أكثر من 500 فرد في المعسكر، من غير القوة المنتشرة خارج المعسكر. وعندما زارنا الأخ وزير الدفاع، سأل جنود المعسكر: هل سَتُدافِعُون عن الجنوب من المليشيا الحوثية، أم ستتحوَّلون إلى القتال في صَفَّها؟ وأكد الأفراد أنهم سيُقاتلون المليشيا الانقلابية، وكانوا بمعنويات عالية، أعطوا وزير الدفاع وعدّاً، قطعوه على أنفسهم، بأنهم سيُقَاتِلون المليشيا الانقلابية. وكان "الصبيحي" يعلم هذا من دون ما يسألهم.
كان كل شيء مُرَتَّب بشكل جيّد، لكن المسلحين القبليين الذين هاجموا مواقعنا وجنودنا دمروا كل استعداداتنا، ومَكَّنوا مليشيا الحوثي من دخول الجنوب بسهولة. أولئك المسلحين هاجموا جنودنا، وسلبوهم السلاح من كثير منهم، ونهبوا الأطقم العسكرية، وتم طرد الأفراد باتجاه "الراهدة"، ما عدا الأفراد الذين كانوا في الدبابات، ظلوا داخل الدبابات، وقطعت كل الطرق ما بين "معسكر لبوزة"، وما بين هذه المناطق؛ من قِبَل هذه العناصر المسلحة. أكثر من 300 مسلح انتشروا في هذه المناطق، وانتقلوا من موقع إلى موقع، حتى طردوا الجنود من كل المواقع.
ما الذي فعله وزير الدفاع، حينها؟
وزير الدفاع، لم يكن موجوداً يومها في معسكر لبوزة؛ خرج الصباح إلى "رأس العارة"، والمناطق الواقعة جهتها، يُرَتِّب دفاعات وخطوط قتالية لمواجهة مليشيا الحوثي؛ لأن مسلحي هذه المليشيا كانوا قد اجتازوا "المخا"، ووصلوا إلى "باب المندب". وكان وزير الدفاع يرتِّب لمنع دخول المليشيا من جهة الساحل إلى عدن. يومها، أنا اتصلتُ به تلفونياً، وأبلغته بما جرى، فقال: "يا أخي أنا أُحاول أتصل لمشائخ، لكن هؤلاء أعتقد أنهم مرتبطين بالانقلابين". القوى التي كانت متجمعة داخل "معسكر لبوزة" كان أغلبها داخل المعسكر، وكانت الطرق مقطوعة، والأفراد قد مشوا، والي داخل الدبابات محاصرين من الصباح ولم نستطع ايصال الماء والغداء لهم. بعد المغرب، وصل وزير الدفاع وتحرَّك بزيارة ، هو والأخ فضل حسن، وآخرين، ووصلوا إلى "كَرِش"، وكان المسلحون قد أخذوا علينا النسق الثاني للدفاع، في التباب حول مدرسة البدو الرُّحَّل، ولم يبق معنا إلَّا موقع فيه رشاش حموه أهل القرية، ولم يسمحوا لأحد يطلع إليه. ونسق الدفاع الثالث، الذي كان في منطقة مَحْصُوص أخذه المسلحون، وأخذوا أسلحة الجنود. والجنود الذين كانوا في النقاط في "كَرِش" أُخِذَت أسلحتهم وتم طردهم كأفراد، وبعض الأفراد الذين كانوا قُرب "الشُّرِيجة" غادروا بأسلحتهم، باتجاه تعز. كان وضع لا يُحسَد عليه. كان الجنود بمعنويات عالية، لكنهم أحبطوا وانسحبوا. يعني يقول لك: أنا مستعد أقاتل وأدافع عن الجنوب، ومسلحون جنوبيون يهاجموني من الخلف؛ قبل ما يوصل "الحوثيون" بثلاث أيام، و"الحوثيين" كانوا في "الدِّمْنَة".
ما الذي حدثَ لأفرادكم الذين كانوا داخل الدبابات..؟
رفضوا الخروج من الدبابات، ورفضوا تسليمها. لم يُطلق الجنود والضباط حتى طلقة واحدة. أنا منعت إطلاق نار أو الاشتباك، أو الدخول في معركة جانبية غير التي كُنَّا مُعِدِّين لها. كُنَّا مرتبين أنفسنا لقتال المليشيا الانقلابية ولا يُعقل أن ندخل في مواجهات مع إخواننا الجنوبيين، والبلاد في ذلك الوضع الكارثي؛ لأن ذلك كان سيصُبُّ في صالح مليشيا الحوثي.
ما الذي حدث بعد ذلك؟
استاء الأفراد الذين كانوا في "معسكر لبوزة". استاءوا جدّاً، وأغلب الأفراد المنتمين للمحافظات الشمالية غادروا المعسكر. قالوا: "لم يعد لنا بقاء؛ إذا كان الحوثي سيُقاتلنا من ذلك الاتجاه، وهؤلاء سيهاجموننا من الخلف!". كان الوضع صعب.
ماذا عن أفرادكم الذين كانوا محاصرين في الدبابات؟
وصلَ الأخ محمود الصبيحي إلى هناك، وجَمَّع المسلحين الذين كانوا محاصرين للدبابات، وصَيَّحْ عليهم، ونزلتْ الدمعة من عينه. قال لهم: "أنا أعَدِّيتُ هذه القوة للدفاع عنكم، للدفاع عن بلادكم، لكن الآن أنتم تطردوهم، وهم متخصصون، ومتمكنون من أسلحتهم. أنتم الآن تفتحون الطريق للحوثي". نَزَّل الأفراد من فوق الدبابات، واتصل لأفراد القوة الذين كانوا من "العائدين"، الذين هم من الجنوب، وكانوا، كما قُلنا، في "معسكر لبوزة"، وجاب مجموعة منهم وسَلَّمهم تلك الدبابات، وعندما استلموا الدبابات، واستمروا هناك، ثم تركوا الدبابات وغادروا، وعندما وصل مسلحو مليشيا الحوثي لم يُقَاتِلوهم!
لم يُقاتِلوا مسلحي مليشيا الحوثي الانقلابية؟!
لم يُقاتلوا. في مدفع واحد، المدفع الرشاش الذي كان في موقع الدفاع الجوي إلي على التَّبَّة الواقعة فوق مدرسة البدو الرُّحَّل، استلموه ثلاثة من "رَدفان"، وهؤلاء قاتلوا قتال الأبطال واستشهدوا. هؤلاء منعوا الحوثيين من التقدم لأكثر من ثلاث ساعات، أما بقية المسلحين الجنوبين، والعسكريين الجنوبيين العائدين للجيش، والذين كان عددهم ألفين شخص، فلم يُقاتل منهم أحد. أخذوا الأسلحة، ثم تركوا "معسكر لبوزة" ومواقعهم في "كَرِش" وغيرها، وهربوا. كان هناك جنوبيون من أهل تلك المناطق وغيرها اشتغلوا مع الحوثيين ودَلُّوهم على كل شيء، وكانوا سواقين أطقم وعربات معهم. وكان هناك مجموعة من الخونة أدخلوا مسلحي الحوثي من خلف موقع الدفاع الجوي وأوصلوهم إلى الموقع، وتم تصفية الثلاثة أصحاب "رَدفان" الذين كانوا في الموقع وقاتلوا ببسالة. وبعدها، تقدم الحوثيون بكل هدوء..
باتجاه لحج، ثم عدن..
اجتازوا "لبُوزَة"، وو. القوة التي جَمَّعها الأخ وزير الدفاع إلى معسكر لبُوزَة، لم تُقَاتِل، رغم أنها استلمتْ المعسكر بكل ما فيه من أسلحة وذخائر ودبابات وو. في يوم المعركة، قال لي اللواء محمود الصبيحي: "يا أخي في أفراد (جنود) انسحبوا، وأخذوا الإبر حق الدبابات". قُلتُ له: "في أي مكان؟". قال: "في مكان كذا". قُلتُ له: "ما فيش فرد أخذ إبرة، هذا لا يمكن". قال: "تأكد". فذهبتُ بنفسي إلى المكان الذي ذكره الأخ الوزير.. ذهبتُ مع بعض الأخوة العسكريين الجنوبيين العائدين.. عَمَّرنا قذيفة في إحدى الدبابات، وأطلقنا، فأطلقت، وأبلغت الأخ الوزير بالأمر، وقلت له، إن العائدين الجنوبيين إلى الجيش لم يعرفوا كيفية عملية الإطلاق؛ لأن الدبابات كانت قد زُوِّدَت بمنظومة ليزرية، غير المنظومة التقليدية التي كانوا متعودين عليها. قال "الصبيحي": "باقي دبابة عند جسر عَقَّان، قالوا إن الجنود أخذوا الإبرة حَقَّها". قُلتُ له: "هي نفس المشكلة"؛ العائدون الجنوبيون إلى الجيش لم تكن عندهم خبرة في التعامل مع الدبابات الحديثة، التي تعمل بمنظومة ليزرية، ولم يتم تدريبهم عليها، بسبب ضيق الوقت. وكل هذه القوة انسحبت دون قتال. الشيخ "العطري" هو فقط الذي قاتل، في "محصوص"، وقتلوا اثنين من أصحابه. بقية المناطق مَرَّ فيها "الحوثيون" دون أن يعترضهم أحد. مَرُّوا في الطريق الرئيسي القريب من "معسكر لبُوزَة" دون أن يتم حتى اعتراضهم، بعد أن كُنَّا قد سَلَّمنا المعسكر للعائدين الجنوبيين إلى الجيش، وهؤلاء هربوا، فدخل الحوثيون المعسكر دون قتال..
كيف خرجتَ أنت من المعسكر..؟
بعد أن تمَّ طرد أفرادنا من المواقع وأنساق القتال الدفاعية، غادر أغلب الأفراد الذين كانوا في المعسكر، ولم يبق معي إلا عدداً قليلاً. عندما بدأ هجوم مسلحي الحوثي، لم يكن معي في المعسكر إلا نحو ثلاثين فرداً فقط من أفراد اللواء، ينتمون إلى المحافظات الشمالية. وكان هناك، أيضاً، جنوبيون آخرون من أفراد اللواء، وهم قائد الكتيبة 61، ومعه نحو أربعين فرداً من أفراد كتيبته. استأذنت وزير الدفاع وغادرتُ أنا ومن بقى من أفرادي، وكان الوزير يُرَتِّب لإخراج الأفراد بسيارات إلى تعز، وإخراجي أنا عبر "الصَّبَّيحة" وعبر "هيجة العبد"، باعتبار أن الجنوبيين العائدين سيبقون في "معسكر لبُوزَة"، وسيتولون مواجهة "الحوثيين". لكن التقدم السريع للحوثيين، ووصولهم إلى "مثلث العند"، قطع التواصل بيني وبين وزير الدفاع، وحال دون تنفيذ خطة إخراجنا.
في "العند" لم يحدث أي قتال..؟
لم يحدث أي قتال. "العند"، انسحب منه المقاتلون، دون أي قتال. وصل الحوثيون ودخلوا معسكر لبُوزَة، دون قتال، ثم تقدَّموا دخلوا "العند" دون أي قتال، أيضاً.
وزير الدفاع، حينها، أدخل قوات كبيرة من العسكريين الجنوبيين العائدين إلى "العند".. وتم طرد الجنود والضباط إلي كانوا فيه..
(مُقاطِعَاً) في "العند" لم يحدث أي قتال.. كان باقي قليل من الجنود والضباط.. بقيتُ أنا، ونحو 30 فرداً داخل المعسكر، كأفراد وليس كقيادة..؛ لأنه كُنَّا قد سَلَّمنا المعسكر، بأمر من وزير الدفاع، إلى العسكريين الجنوبيين العائدين..
أنا قرأتُ كلام في أحد المواقع المحسوبة على طرف مُعَيَّن، قال أني سَلَّمت "معسكر لبُوزَة" للحوثة باتفاق معهم، وهذا كلام غير صحيح.. الأخ محمود الصبيحي، وقائد المنطقة العسكرية الرابعة، وقيادات أخرى، بينهم العميد فضل حسن، كانوا، حينها، معنا في "معسكر لبُوزَة"، ويعرفون تماماً الموقف الذي كان فيه.. وحقيقة ما جرى.. ومن الذين كانوا معنا، الشيخ ناصر أحمد عُبَاد شُريف، وهو يعرف أيضاً تفاصيل الموقف الذي كان حينها في المعسكر.. و"شُرِيف" من الأشخاص الذين أخرجوا وزير الدفاع من صنعاء ورافقه إلى عدن، وكان يحضر معه إلى معسكر لبُوزَة.. أنا سلَّمتُ هذا المعسكر للأخ وزير الدفاع، وهو كان يُرِيد أن يُقاتل الحوثيين، مستعيناً بأفراد اللواء 35 مدرع، الذين كانوا في "معسكر لبُوزَة"، لكن جرتْ الأمور على غير ما أراد، وعلى غير ما أردنا، كما سبقتْ الإشارة إلى ذلك. وبعد مهاجمة جنودنا، تمَّ، تنفيذاً لأمر وزير الدفاع، تسليم الأسلحة، وقيادة المعسكر، للأخ العقيد ناصر المُعَكِّر، وهو من أبناء الضالع، لكنه لم يُقَاتِل.. سَلَّمنَا له مخازن الأسلحة بكل ما فيها، فتمَّ نهبها، وما لم يُنهَب جاء الحوثيون واستولوا عليه.
ما الذي جرى بعدها؟
كان وزير الدفاع مطلعاً على الموقف أولاً بأول. بعد يوم تقريباً من دخول مسلحي الحوثي إلى الجنوب، بدأتَ، إن لم تَخُنِّ الذاكرة، "عاصفة الحزم".. يومها اتصل بي الأخ محمود الصبيحي من قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، وسألني: "أنت فين؟". قُلتُ: "أنا لازلتُ في معسكر لبُوزَة". قال: "كيف وضعك؟", قُلْتُ: "في مجموعة من الزملاء لهم علاقة ببعض الناس، ولم نستطع مغادرة المعسكر، خوفاً من أن نقع في أيدي المليشيات الانقلابية"، رغم أنه كان معهم مجموعة قد تمكّنتَ من دخول المعسكر. وفي اليوم الثاني من دخولهم، جاء ناصر مُعَيْجِر إلى "معسكر لبُوزَة"، وقال: "كيف السلاح، وو؟"، قُلْتُ له: "تمَّ تسليم المعسكر، وكل ما فيه من أسلحة إلى وزير الدفاع، وأغلب أفرادنا غادروا". قال: "لا، سنحضر أفراد، وسنعيد ترتيبهم". قُلْتُ: "لا، دخلت مليشيات حوثية، وتمَّ نهب أسلحة، وتمَّ، أيضاً، نهب أسلحة من قِبَل العسكريين الجنوبيين العائدين الذين تسلَّمُوا المعسكر، بقيادة العقيد ناصر المُعَكِّر".
يعني، بقيتم في المعسكر، حتى بعد أن دخل مسلحي الحوثي إليه..؟
نحن بقينا في المعسكر كأفراد، وليس كقيادة.. بقيتُ أنا ونحو 30 فرداً فقط. الحوثيون دخلوا ومسكوا بعض المواقع في المعسكر، وأخذوا بعض الأطقم والأسلحة الخفيفة.. الدبابات كانت منتشرة على طول الطريق الرئيس، وكان وزير الدفاع قد سَلَّمَها للعسكريين الجنوبيين العائدين.. الذين تركوها في أماكن انتشارها، وغادروا.. وما فيش حد قاتل.. وزير الدفاع نفسه يعلم ذلك، وكان هناك قيادات عسكري تعلم بذلك.. منها الدكتور الظاهر الشدادي، قائد المنطقة العسكرية الرابعة، في ذلك الوقت. كان موجود فضل حسن، القائد الحالي للمنطقة العسكرية ذاتها، وهو يعلم بكل هذه التفاصيل، وبحقيقة ما جرى. وكان موجود ناصر منصور هادي، وكيل جهاز الأمن السياسي لعدن ولحج وأبين، وهو يعرف ما جرى في لبُوزَة.
بعد أن تعرض أفرادنا للهجوم من قِبَل المسلحين القبليين الجنوبيين، وكان هذا قبل دخول مليشيا الحوثي للجنوب، تَكَلَّمتُ مع الأخ وزير الدفاع، قُلْتُ له: "نحن سننطلق إلى تعز، وسنخوض هناك معركتنا ضد مليشيا الحوثي، وهذا معسكر لبُوزَة سَلَّمنَاه بكل ما فيه للعسكريين الجنوبيين العائدين، كما أمرتَ أنتَ.. ومازال هناك في المعسكر أفراد من قوامه الرئيس، وينتمون إلى المناطق الجنوبية؛ في معك قائد الكتيبة 61، موجود، وباقي معه نحو أربعين فرداً من أفراد كتيبته". أيضاً، قُلْتُ للأخ الوزير: "العسكريين الجنوبيين العائدين، الذين تم إحضارهم إلى المعسكر من "ساحة العروض"، يجب توزيعهم وتشكيلهم تشكيل عسكري صحيح.. وأنا سأغادر، مع الأفراد الذين تبقُّوا معي، وسنُقَاتِل في تعز، وسنبقى على تواصل، وإنشاء الله ستدعمونا..". لكننا لم نتمكن من المغادرة، كما قُلتُ، بسبب التقدم السريع لمليشيا الحوثي؛ ولأن الأخ وزير الدفاع هو من كان سيتولى إخراجنا لضمان وصولنا بأمان إلى تعز. وعندما اتصل بي الأخ وزير الدفاع، في اليوم الثاني من بدء "عاصفة الحزم"، وسألني: "أنت فين؟"، وأخبرته أني في المعسكر، قال لي: "يجب أن تُغَادِر المعسكر؛ لأنه تمَّ تحديد معسكر لبُوزّة من ضمن الأهداف التي سيقصفها طيران التحالف العربي". كانت الساعة نحو 12 بعد منتصف الليل، عندما اتصل بي يومها. وبعد نحو ساعتين، سمعت انفجارات قوية في "معسكر العند".. بدأ طيران "التحالف" في القصف. وبعد اتصال الوزير، اتصلوا بي من المنطقة العسكرية الرابعة، وطلبوا مني أن أكون في مكان آمن داخل المعسكر؛ بعيداً عن مقر القيادة، وبعيداً عن مخازن السلاح، وبعيداً عن وسائل الدفاع الجوي. في نهار ذلك اليوم، غادرنا، بأسلوب معين، معسكر لبُوزَة، واليوم الثاني، تم قصفه من قِبَل طيران "التحالف".
كيف غادرتم المعسكر؟
كُنتُ في المعسكر، ومعي نحو سبعة مرافقين، وكان في اثنين ضباط من أبناء محافظة عمران، وكانا ضباط معي في المعسكر، وكانا يعرفان بعض عناصر مليشيا الحوثي، التي جاءتْ ودخلتْ إلى المعسكر؛ كان بعضهم من قريتهما، وبعضهم تمَّ التوصيّة بهما لديه.. زميلَيَّ المنتمين إلى عمران هم من أخرجوني والمرافقين التابعين لي من المعسكر.. ولم يكن الحوثيون العائدون يعرفون هويتي، أو أني ما أزال في المعسكر. زميلَيَّ استأذنا بإخراج الطقم التابع لي، تحت مبرر الخروج لشراء قات، وخرجنا. وكان عندما يسألونا، في النقاط الحوثية: "هذا الطقم، يتبع مَنْ؟"، كان زميلَيَّ المنتمين إلى عمران، يردان بالقول: "تَبَعْ أبو شهيد"، الذي كان قائد المعركة في الطريق المؤدي من كَرِشْ إلى "لَبُوزَة" و"العَنَد". وكل ما كنا نمر من نُقطة حوثية، كان مسلحو الحوثي يدعون لنا بالنصر، حتى وصلنا إلى الحوبان، المدخل الجنوبي لمدينة تعز. جلسنا في بيت أحد الزملاء إلى المساء، وأوصلونا إلى البيت؛ لأنه كان الحوثيون قد انتشروا في "الحوبان" وفي "الضَّبَاب"، وكان هناك تحرُّك لهم في "التُّربَة".
ما طبيعة ذلك التحرك، وكيف كان؟
كان مسلحو الحوثي يتمركزون في نقاط في منطقة الضَّبَاب، بلباس قوات الأمن الخاصة، وكانوا قد وصلوا إلى مدينة التُّربَة، عبر حيلة أُسنِدَت مهمة القيام بها للعميد منصور محسن مُعَيجِر، القائد السابق للواء 35 مدرع. استغَلَّ "مُعَيْجِر" ما جرى لنا في معسكر لبُوزَة (تعرَّضَ جنودنا التابعين لمعسكر لبُوزَة للحصار والطرد بعد انتشارهم خارج المعسكر، كما سبق الحديث عن ذلك)، فأمر كتيبة بالخروج من المقر الرئيس للواء، "المطار القديم"، على المدخل الغربي لمدينة تعز، والتوجه نحو مدينة التُّربَة. أوهم أفراد تلك الكتيبة بأنهم سينزلون إلى لحج لفكّ الحصار المفروض علينا، رغم أن موضوع "معسكر لبُوزَة" كان قد انتهى، وسُلِّمَ للأخ وزير الدفاع. عندما وصل الجنود، يوم 22 مارس 2015م، إلى مدينة التُّربَة، أمرهم "مُعَيْجِر"، وكان معهم، بالسيطرة عليها. وبعدهم مباشرةً، وصل مسلحون حوثيون يرتدون لباس قوات الأمن الخاصة. وصلوا على متن نحو سبعة أطقم، وعلى متن سيارات مدنية أخرى. عندها أدرك جنود الكتيبة أن الهدف من إخراجهم كان السيطرة على مدينة التُّربة، لصالح جماعة الحوثي، وليس تعزيزنا، وفك الحصار المفروض علينا في معسكر لبُوزَة. قالوا لـ"مُعَيْجِر": "نحن خرجنا من أجل تعزيز زملائنا في معسكر لبُوزَة، وأنت جئت بنا مع مليشيات الحوثي كي نُسيطر على مدينة التُّربَة". وفي الصباح الباكر، انسحب أفراد تلك الكتيبة من "التُّربَة"، وعادوا إلى معسكر المطار القديم، وأبلغوا زملاءهم بما جرى، وكان زملاؤهم على علم بما جرى.
ما الذي فَعَلَهُ "مُعَيْجِر"، حينها؟
كان على رأس القوة في "التُّربَة"، وأمر أفراد القوة بالبقاء هناك، لكنهم خالفوا أمره وانسحبوا منها، وعادوا إلى المعسكر. كان بقية أفراد اللواء على تواصل بزملائهم الذين خرجوا إلى "التُّربَة"، وعلموا بأن قائد اللواء أراد السيطرة على تلك المدينة لصالح المليشيات الانقلابية.. فحدثتْ انتفاضة كبيرة داخل المعسكر الرئيس للواء في المطار القديم، واستقبل الأفراد فيه زملائهم العائدين من "التُّربَة"، ويومها أعلن اللواء، بشكل رسمي، تأييده للشرعية ومساندته لها، للرئيس عبد ربه منصور هادي.
بعد مغادرة جنود الكتيبة لمدينة التُّربَة، جرتْ اشتباكات بين الحوثيين وأبناء "التُّربَة"، الذين انتفضوا، في ذلك اليوم، وقاموا بثورة عارمة ضد الحوثة، واستشهد ثلاثة من أهل المدينة، الذين تمكّنوا من منع مسلحي الحوثي من النزول إلى الجنوب، أو اتخاذ "التُّربَة"، و"الحُجَرِيَّة"، بشكل عام، كمنطلق لهم لمهاجمة الجنوب. أُجبِرَ مسلحي الحوثي على مغادرة "التُّربَة"، عائدين إلى تعز. وكانت "التُّربَة" هي أول مدينة في اليمن تحرَّرت من مليشيا الحوثي.
"مُعَيْجِر"، عاد إلى تعز، وقصد المعسكر الرئيسي للواء، في "المطار القديم". لكنه مُنِعَ من دخوله، وكان معه مجموعة من الأطقم المرافقة له تم سحبها منه بالقوة، من قبل جنود اللواء، الذي تركوا له طقم عسكري واحد كي يُغادر على متنه. وَسَّطَ كثير من الوسطاء والضباط كي يحل المشكلة، ويعود إلى المعسكر، لكن أفراد اللواء لم يسمحوا له بالعودة. كان أفراد اللواء يعلمون أن الأخ "مُعَيْجِر" قد ارتبط بمليشيا الحوثي الانقلابية، وتبين، فيما بعد، أنه حتى أركان حرب اللواء كان، أيضاً، قد ارتبط بها.
ما الذي تم بعد ذلك؟
بعدها، حاولوا، لمدة يومين أو ثلاث أيام، إعادة "مُعَيْجِر" إلى اللواء، وعندما فشلوا في ذلك، أصدرتْ المليشيا الانقلابية، نهاية شهر مارس، قراراً باسم وزارة الدفاع في صنعاء قضى بتعيين العميد الركن علي الحَيَّانِي، قائداً للواء 35 مدرع. عندها، رفض أفراد اللواء القبول بالقرار، واجتمع ضُبَّاط اللواء، وتواصلوا معه، وابلغوه بالقرار. قالوا له: "نحن قد أعلنا تأييدنا للشرعية، وأنت مُعَيِّن من قبل الحوثيين، وهذا غير ممكن". وأقر أفراد اللواء أن يتولى أركان حرب اللواء، العقيد حسين عبد الحق، إدارة اللواء، بشرط أن يعلن تأييده للشرعية، ووعدوه أنه سيكون هو قائد اللواء، وأنهم لن يقبلوا بأي قائد آخر غيره. لكن الأخ حسين عبد الحق كان له وجهة نظر أخرى، وهي: "الشراكة مع الحوثي".
الحلقة القادمة تتبع