ضرورة توعية الشباب من الانخراط في العنف والجماعات الإرهابية

الاثنين 30 سبتمبر 2024 - الساعة 08:43 مساءً

 

في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، برزت جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، خاصة من خلال حزب التجمع اليمني للإصلاح (المعروف باسم حزب الإصلاح)، كلاعب أساسي على الساحة السياسية والاجتماعية في البلاد. وفي هذه الفترة، ساهمت الجماعة بشكل فاعل في تجنيد الشباب اليمني للقتال في أفغانستان ضد الاحتلال السوفيتي. هذه الظاهرة لم تكن مقتصرة على اليمن وحده، بل كانت جزءًا من موجة أوسع اجتاحت العالم الإسلامي آنذاك، حيث تم تجنيد الشباب من مختلف الدول الإسلامية تحت شعار "الجهاد" لتحرير أفغانستان من النفوذ الشيوعي السوفيتي.

 

كانت جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، مثل غيرها من الحركات الإسلامية في المنطقة، تعتمد على فكرة التضامن الإسلامي و"الجهاد" كمفهوم أساسي لمواجهة القوى التي تعتبرها تهديدًا للإسلام والمسلمين. الاحتلال السوفيتي لأفغانستان عام 1979 شكل فرصة للجماعة للتعبئة الأيديولوجية والسياسية، حيث اعتبرت القتال في أفغانستان واجبًا دينيًا لا يمكن التغاضي عنه.

 

لم تكن هذه التعبئة نابعة فقط من الرغبة في مقاومة الاحتلال، بل جاءت أيضًا في سياق أوسع، حيث شهدت تلك الفترة تحالفًا غير رسمي بين الحركات الإسلامية من جهة وبعض القوى الإقليمية والدولية من جهة أخرى. فقد دعمت دول مثل المملكة العربية السعودية المقاومة الأفغانية بهدف إضعاف الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، وكان تجنيد المقاتلين من الدول الإسلامية جزءًا من هذا الدعم.

 

تم استخدام المساجد، المدارس الدينية، والمؤسسات الاجتماعية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين وحزب الإصلاح كمنابر للتجنيد، حيث تم إقناع الشباب بأنهم سيؤدون دورًا بطوليًا في الدفاع عن الإسلام. هذه الرسالة وجدت صدى كبيرًا بين شريحة واسعة من الشباب اليمني الذين كانوا يعيشون في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ويبحثون عن معنى لحياتهم في مواجهة الإحباطات المحلية.

 

ولكن بعد انتهاء الحرب في أفغانستان بانسحاب السوفييت، لم تتوقف تداعيات هذه العمليات. بل على العكس، عاد العديد من المجاهدين اليمنيين إلى بلادهم وهم محملون بأيديولوجيات جهادية، وتدريبات عسكرية مكثفة، وخبرات قتالية، مما ساهم في تصاعد الأنشطة الإرهابية في المنطقة. وتطورت تلك النواة التي تشكلت خلال الحرب الأفغانية لتصبح نواة للإرهاب الدولي، حيث انخرط بعض المجاهدين السابقين في تنظيمات مثل القاعدة التي هزت العالم في تسعينيات القرن الماضي وما بعده.

 

ما يثير القلق اليوم هو أن التجربة التي حدثت في أفغانستان قد تتكرر في اليمن مع جماعة الحوثيين. الحوثيون، المدعومون من إيران، يستخدمون شعارات دينية وسياسية فارغة لتجنيد الشباب اليمني، مستغلين الحروب والأزمات الاقتصادية لتحقيق أهدافهم. وكما كان الحال في أفغانستان، يتم تجنيد الشباب بحجج وشعارات تبدو براقة في ظاهرها، ولكنها في الحقيقة لا تخدم إلا الأجندات الإقليمية والدولية التي تسعى للهيمنة والنفوذ.

 

الخشية هنا تكمن في أن الحوثيين، مثل الإخوان المسلمين في الماضي، يستخدمون الدين كغطاء لتحقيق أهداف سياسية ومصالح خارجية. إيران، التي تدعم الحوثيين، تستفيد من هذا التجنيد لتمديد نفوذها في المنطقة، مما يؤدي إلى إطالة أمد الصراع في اليمن وتدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.

 

تجنيد الشباب للقتال في صراعات خارجية أو داخلية تحت شعارات دينية فارغة هو ممارسة تهدف إلى خدمة أجندات سياسية، وغالبًا ما ينتهي بها الأمر إلى إحداث دمار كبير على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. تجربة الإخوان المسلمين في اليمن في السبعينيات والثمانينيات تقدم دروسًا يجب أن نتعلم منها، خاصة في ظل ما نراه اليوم من ممارسات مشابهة يقوم بها الحوثيون. ما يحتاجه اليمن الآن هو بناء وعي وطني مستقل بعيد عن تأثيرات القوى الخارجية، وتركيز الجهود على بناء دولة قوية تحقق الاستقرار والازدهار لكل أبنائها.

 

منذ عقود، شهد اليمن انخراط العديد من أبنائه في حروب خارجية وتجنيد تحت شعارات دينية وسياسية مختلفة. في السبعينيات والثمانينيات، عاد العديد من الشباب اليمني الذين تم تجنيدهم للقتال في أفغانستان بعد انتهاء الحرب ضد السوفييت، ومعهم خبرات قتالية وأيديولوجيات متطرفة. هؤلاء العائدون لم يندمجوا في المجتمع، بل أصبحوا جزءًا من دائرة أوسع لتدريب مقاتلين جدد، مما ساهم في نشر العنف والجهادية في اليمن والمنطقة بشكل عام.

 

اليوم، يتكرر هذا السيناريو لكن تحت غطاء جديد: الحوثيون، المدعومون من إيران، يمارسون تجنيدًا مشابهًا للشباب اليمني. يجنّدونهم ويقومون بتدريبهم عسكريًا في معسكرات تابعة لهم، مستخدمين شعارات دينية وسياسية تشبه إلى حد كبير تلك التي استُخدمت في تجنيد الشباب للقتال في أفغانستان. لكن هذه المرة، يتم تسخير هؤلاء المقاتلين لخدمة أجندة إيرانية تهدف إلى تحقيق نفوذ إقليمي وليس لمصلحة الشعب اليمني.

 

العائدون من أفغانستان، الذين اكتسبوا خبرات قتالية وأيديولوجيات جهادية، قاموا بتدريب جيل جديد من الشباب اليمني على القتال والتطرف. هذا التدريب لم يكن مجرد تدريب عسكري، بل كان عملية لغرس أفكار متطرفة تستهدف تحويل الشباب إلى أدوات في خدمة أهداف ضيقة وغير وطنية. وهكذا، تكونت شبكات تدريب وانتشار للأسلحة في اليمن، مما أسهم في تصعيد النزاعات الداخلية وظهور جماعات مسلحة متعددة الأطراف.

 

في الجهة المقابلة، الحوثيون يمارسون أسلوبًا مشابهًا. يُجنَّد الشباب، غالبًا من الأرياف والمناطق الفقيرة، ويتم تدريبهم عسكريًا وإيديولوجيًا. يتم إيهام هؤلاء الشباب بأنهم يقاتلون من أجل قضية دينية ووطنية، بينما الحقيقة هي أن مصالح الحوثيين وإيران هي التي تُستغل لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة على حساب استقرار اليمن.

 

ما يميز الوضع الحالي في اليمن هو أن الأطراف المتصارعة، سواء كانت الجماعات المتطرفة التي تدربها العائدون من أفغانستان أو الحوثيون الذين يتلقون دعمًا خارجيًا، لا تخدم مصالح اليمنيين أو تطلعاتهم. بدلاً من ذلك، يتم الزج بالشباب في صراعات تهدف إلى تحقيق أجندات ضيقة سواء كانت دينية أو سياسية.

 

الحوثيون، بدعم من إيران، يسعون لفرض هيمنتهم على المناطق التي يسيطرون عليها، ويستخدمون الشباب اليمني كوقود لهذه الحرب. وفي نفس الوقت، الجماعات المتطرفة الأخرى التي نشأت من أفكار العائدين من أفغانستان تعمل على تجنيد وتدريب مقاتلين لخدمة مصالحهم الخاصة. كلا الطرفين يستخدم الدين والشعارات الوطنية كغطاء لأجنداتهم الحقيقية.

 

الصراعات التي يشعلها هؤلاء المقاتلون، سواء تحت راية التطرف الجهادي أو الحوثيين، دمرت حياة اليمنيين وأحلامهم في بناء وطن مستقر ومزدهر. الحروب التي لا تنتهي والصراعات المسلحة التي تستمر في المناطق المختلفة من اليمن جعلت تحقيق التنمية والاستقرار حلمًا بعيد المنال.

 

اليمنيون العاديون، الذين كانوا يحلمون بمستقبل أفضل لأنفسهم ولأبنائهم، وجدوا أنفسهم عالقين في صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. تم تدمير البنية التحتية للبلاد، وانتشر الفقر والبطالة، وتدهورت الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة. هذه الحروب لم تخدم إلا مصالح قلة من المتنفذين، بينما عانى الشعب اليمني بأسره من تداعياتها.

 

اليمن اليوم يعيش صراعًا بين قوى متطرفة تدرب الشباب على القتال لأهداف ضيقة لا علاقة لها بمصلحة البلاد. تجنيد الشباب، سواء من قبل العائدين من أفغانستان أو الحوثيين، لا يؤدي إلا إلى زيادة دائرة العنف والفوضى في اليمن. ما يحتاجه اليمن اليوم هو رؤية جديدة تقوم على نبذ هذه الأيديولوجيات المتطرفة، والتركيز على إعادة بناء الوطن وتوحيد الصفوف لتحقيق السلام والتنمية.

 

تعتبر توعية الشباب حول مخاطر الانخراط في العنف والجماعات الإرهابية قضية ملحة في ظل الأوضاع الراهنة في اليمن ودول أخرى تشهد نزاعات. الشباب هم العمود الفقري لأي مجتمع، وعندما يتم استغلالهم من قبل جماعات متطرفة، يصبحون أدوات لزرع الفوضى والدمار بدلًا من أن يكونوا بناة مستقبل وطنهم. في هذا السياق، من الضروري اتخاذ خطوات جادة نحو حماية الشباب من الوقوع في فخ هذه الجماعات، وذلك من خلال التثقيف والتوعية وبناء قدراتهم النفسية والفكرية.

 

لأسباب التي تجعل الشباب فريسة سهلة، هناك عدة عوامل تجعل الشباب هدفًا سهلًا للجماعات الإرهابية، أبرزها:

 

1. الفقر والبطالة: تعاني فئة كبيرة من الشباب من ظروف اقتصادية صعبة، مما يجعلهم عرضة للاستغلال المادي. الجماعات الإرهابية تقدم إغراءات مالية تعدهم بحياة أفضل، فينتهي بهم الحال في خضم العنف والصراع.

 

2. الجهل ونقص الوعي: غياب التعليم الجيد وضعف الوعي المجتمعي يجعلان الشباب غير قادرين على فهم حقيقة الجماعات المتطرفة وأهدافها. يفتقر هؤلاء الشباب إلى القدرة على التمييز بين الشجاعة الحقيقية والتضليل الذي تستخدمه هذه الجماعات لتبرير العنف.

 

3. الخطابات الدينية المتطرفة: تستخدم الجماعات الإرهابية تفسيرات متطرفة للنصوص الدينية لتجنيد الشباب، مستغلة عواطفهم وحماستهم. هذا النوع من الخطابات يقنعهم بأن العنف وسيلة "شرعية" للدفاع عن العقيدة أو تحقيق العدالة.

 

مخاطر الانخراط في الجماعات الإرهابية

 

1. تدمير الذات والمجتمع: الانخراط في العنف يؤدي في الغالب إلى تدمير حياة الشاب ومستقبله. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات المحلية، وتفشي الفوضى وانتشار الفقر والخراب.

 

2. استغلال الشباب لأهداف خارجية: الجماعات الإرهابية غالبًا ما تنفذ أجندات خارجية لا علاقة لها بمصلحة الشباب أو الوطن. بدلاً من تعزيز دورهم في بناء مجتمع قوي ومستقر، يتم استخدامهم كأدوات لتحقيق أهداف سياسية أو دينية ضيقة.

 

3. ضياع الفرص المستقبلية: عندما يدخل الشباب في دائرة العنف، يصبحون معزولين عن العالم المحيط بهم. يفقدون فرص التعليم، التطوير الذاتي، والعمل في مجالات بناءة، مما يحد من إمكانياتهم للمساهمة في بناء مستقبلهم.

 

دور التوعية في مواجهة التطرف

 

التعليم: يعد التعليم الجيد والمستدام من أهم الأسلحة في مواجهة التطرف. يجب أن تُدرج في المناهج التعليمية قيم التسامح، واحترام التنوع، وأهمية الحوار لحل النزاعات. كما يجب أن يتم توجيه الشباب لفهم الدين بطرق معتدلة بعيدًا عن التفسيرات المتطرفة.

 

دور الأسرة والمجتمع: للأسرة دور كبير في توجيه الشباب وحمايتهم من التأثيرات السلبية. يجب على الآباء والمجتمعات المحلية أن يكونوا على دراية بالطرق التي قد يتم استغلال الشباب من خلالها وأن يكونوا قادرين على توجيههم نحو التفكير النقدي والبناء.

 

برامج التأهيل وإعادة الإدماج: من الضروري توفير برامج تهدف إلى تأهيل الشباب الذين قد يكونون تورطوا في الجماعات الإرهابية أو في دوامة العنف. هذه البرامج يمكن أن تشمل الدعم النفسي والاجتماعي، وتوفير فرص عمل وتعليم تعيد لهم الثقة في مستقبلهم.

 

التوجه نحو بناء دولة مدنية

 

الحل الأمثل لمواجهة العنف والتطرف يكمن في تعزيز الدولة المدنية التي تقوم على مبادئ العدالة، المساواة، وسيادة القانون. من خلال توفير بيئة آمنة ومستقرة، يتمكن الشباب من التركيز على تطوير مهاراتهم والمساهمة في بناء وطنهم بعيدًا عن العنف والإرهاب.

 

توعية الشباب بمخاطر الانخراط في العنف والجماعات الإرهابية ضرورة لا يمكن التغاضي عنها، لا سيما في ظل الظروف الراهنة في اليمن. الجماعات الإرهابية مثل جماعة الحوثي تسعى لتجنيد الشباب اليمني وغسل أدمغتهم، لجرهم إلى تنفيذ أعمال إرهابية سواء في البحر الأحمر أو من خلال تقويض أسس الدولة المدنية. هذا التوجه ليس إلا دليلًا دامغًا على غياب دور الدولة وقصورها في مواجهة هذه التحديات، مما يفتح المجال أمام تلك الجماعات لاستغلال الشباب الذين يعانون من الفقر، الجهل، والبطالة.

 

تجنيد الشباب من قبل جماعات مثل الحوثيين لا يتوقف عند تحويلهم إلى أدوات للعنف، بل يؤدي أيضًا إلى تدمير مستقبلهم الشخصي والمجتمعي. في الوقت الذي يتوجب فيه على هؤلاء الشباب أن يكونوا بناة لأوطانهم، يتم تحويلهم إلى منفذين لأجندات تخريبية لا تحقق سوى المزيد من الدمار.

 

لذلك، يتطلب الوضع جهودًا عاجلة من قبل الحكومة والمجتمع والمؤسسات التعليمية لرفع مستوى الوعي بين الشباب حول المخاطر الحقيقية للانخراط في تلك الجماعات الإرهابية. يجب أن يتم العمل على تقديم بدائل حقيقية للشباب، مثل توفير فرص التعليم والتوظيف، بالإضافة إلى دعم القيم التي تساهم في بناء دولة مدنية حديثة تقوم على العدل والمساواة وسيادة القانون.

 

في ظل هذه التحديات، لا يمكن الاكتفاء بالتنديد بأفعال تلك الجماعات فقط، بل يجب أن تكون هناك خطط واستراتيجيات ملموسة لتأمين مستقبل الشباب اليمني وتوجيههم نحو الأدوار الإيجابية التي يمكن أن يقوموا بها في بناء وطنهم. 

 

تعتبر توعية الشباب حول مخاطر الانخراط في العنف والجماعات الإرهابية قضية ملحة في ظل الأوضاع الراهنة في اليمن ودول أخرى تشهد نزاعات. الشباب هم العمود الفقري لأي مجتمع، وعندما يتم استغلالهم من قبل جماعات متطرفة، يصبحون أدوات لزرع الفوضى والدمار بدلًا من أن يكونوا بناة مستقبل وطنهم. في هذا السياق، من الضروري اتخاذ خطوات جادة نحو حماية الشباب من الوقوع في فخ هذه الجماعات، وذلك من خلال التثقيف والتوعية وبناء قدراتهم النفسية والفكرية.

 

 

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس