المشاريع الإسلامية.... لماذا تفشل سيـاسياً ؟

الثلاثاء 01 أكتوبر 2024 - الساعة 02:48 صباحاً

 

في ظل التحولات المتسارعة على المنطقة تبدو هناك حالة من التراجع والإنحسار الواضح في نفوذ المشروع الإيراني ذات المذهب (الشيعي) المحسوب ضمن المشاريع الإسلامية التي تعاقبت على المنطقة تعود بنا المعطيات لمراجعة أسباب فشل تجارب المشاريع الإسلامية السابقة خلال عقودٍ طويلة من العمل الإسلامي حيث تبدو معضلة السياسة هي نقطة الضعف الكبرى التي أصيبت بها كل القوى الإسلامية، على الرغم من الإنجازات التي حققتها تلك القوى في الميدان عبر جهد وجهاد عظيمين، لاينكرهما منصف، وفي مقدمتها النجاح الكبير في إعادة الهوية الإسلامية للجماهير العربية والإسلامية، وإنتاج صحوة دينية واسعة النطاق، ربما لم يُعرف لها مثيل منذُ زمن طويل، فضلاً عن تبنيها قضايا وهموم الأمة في الوحدة والحرية والتحرر..؟

 

وذلك من خلال تبني قضية فلسطين، وحشدها للأمة في هذا الاتجاه. 

 

وحينما نتذكر الهدف الأساسي التي قامت عليه القوى الإسلامية كان يتمثل في إعادة الإعتبار للهوية الإسلامية للمجتمع والدولة ونجاحها المهم والمعتبر في الشق الأول...! 

 

لكن من غير الممكن إنكار فشلها في ترجمة تلك الصحوة وذلك الإنتشار الكبير في أوساط الجماهير إلى نجاح عملي في إعادة الهوية للدولة وهنا لانعني إعادة الهوية للدولة كدولة دينية كما يفهم البعض،

 

أو سيطرة طائفة أو سلالة معينة عليها..؟ 

 

ما نعنيه هو ترجمتها لقيم الإسلام الأساسية في الحرية والشورى والعدل والمساواة.

 

حينما تحاول إحصاء تلك التجارب الفاشلة أو المتعثرة ستعثر على الكثير الكثير منها خلال عقود وسنكتفي بحصيلة نصف قرن من الزمان، حيث تبدأ المسيرة من تجربة الصدام مع عبدالناصر، ثم تتوالى المعارك الفاشلة:

  الصدام مع النظام السوري نهاية السبعينات ومطلع الثمانينيات،

 

صدام  الجماعة الإسلامية والجهاد مع النظام في مصر، صدامات الجزائر وليبيا وغيرها، 

 

أضف إلى ذلك تجارب سياسية كثيرة في الخليج والمغرب العربي؛ وأكثرها لم تكن ناجحة في قراءة واقعها والتفاوت فيما بينها. 

 

في معظم الدول العربية والإسلامية كان الفشل في إدارة الصراعات الداخلية هو أهم أسباب الإنهيار لكل المشاريع الإسلامية...؟ 

 

فمثلاً:  سببت الصراعات الداخلية لإخوان الأردن جملة من الإنشقاقات، ومعها معظم تجارب الربيع العربي ومابعدها، وكذلك تجربة حماس ومشاركتها في إنتخابات سلطة مصممة لخدمة الإحتلال عام 2006م، بعد رفض صائب عام 1996م وإكمال ذلك في حسم عسكري حشرها في قطاع غزة وأطال تيه القضية الفلسطينية، مع ضرورة التفريق بين عدوٌ محتل والصراعات الداخلية ثم بعد ذلك خطيئة المواجهة العسكرية الفردية دون التنسيق مع باقي فصائل المقاومة الفلسطينية أو ربما الثقة العمياء بالحليف الخارجي الذي قدم لها الوعود وأختفى بعد ذلك ليصبح اليوم قطاع غزة أرض محروقة بعد جرائم الإبادة الجماعية التي مارسها الكيان الصهيوني بحق قطاع غزة. 

 

حينما نوسع إطـار التفكير فقد نضع فصولاً من تجربة أردوغان التي حققت الكثير لكنها لم تخلو  من الأخطاء المكلفة التي نتجت عن سوء تقدير خاصة بعد الثورة السورية، ومحاولة الإنقلاب عام 2016م، وقبلها تجربة السودان حينما عجزت عن الإنتقال من الإنقلاب العسكري إلى تجربة إسلامية معبره عن قيم الإسلام في الحكم والسياسة وصولاً إلى نهاية حقبة عمرالبشير وتردد الإسلاميين في الإنحياز للجماهير وماتعاقب فيها من إختلالات وعدم تبني رؤية واضحة من الجميع حتى سقطت في مستنقع حرب أهلية دموية لاتزال تزداد ضراوتها حتى اللحظة..!

 

يبدو لي من بين مجموعة الأسباب: 

 

أن السبب الأكبر هو ضحالة النظرة السياسية التي اتسمت بها تلك القوى، وعدم فهمها لحركة السياسة وتعقيداتها، وموازين القوى وإستحقاقاتها للدولة الحديثة وطبيعتها ولنا في ثورات الربيع العربي وما بعدها نموذج واضح ليؤكد لنا هذا البعد الغائب في حراكها. 

 

صحيح هناك إستهداف خارجي لكل المشاريع الإسلامية ولكن هناك أيضاً إستهداف داخلي ومن ضمنه خلل موازين القوى وهو السبب الأهم لكن هذا لم يكن سراً وكان يجب على القوى الإسلامية أن تأخذه بعين الإعتبار طوال حراكها، ثم إن القضية هنا لاتتعلق بالنجاح الشـامل بإعتبار ذلك معتذراً بالفعل بقدر ماهي في المعارك الكثيرة الفاشلة التي تم خوضها، والتقديرات الخاطئة التي أخرت الإنجـاز والتي ستغيبه تماماً إذا لم يتم تصحيح المسار...؟! 

 

واقع الحال اليوم يؤكد أن إدراك تعقيدات السيـاسة ليس بالأمر الهيّن فهو يحتاج أولاً(في الحالة الإسلامية تحديداً) إلى مزيج من دراسة سيرة النبي عليه الصلاة والسلام في حركته السياسية و إدارته للصراع على كل المستويات وعموم حراكه في مجال نشر دعوته، بعيداً عن التبسيط المخلّ الذي حوّل السيرة إلى مسيرة قدرية، بالإضافة إلى ضروة قراءة التاريخ البعيد والقريب والإستفادة من تجارب حركات التحرر والتغيير مع أهمية المعرفة العلمية بعلم الحرب،والفلسفة، وعلوم النفس والإجتماع ومعرفة أساسيات بناء الدولة الحديثة وطبيعتها وحاجتها للمستوى الكبير من الذكاء والحدس، وهذه الحصيلة المعرفية لم تكن متوفرة في الغالب لقادة القوى الإسلامية وأيضاً غاب عنهم مبدأ إستشارة من يملكون تلك المعارف لأسبابٍ بعضها ذو صلة بإختلاف المذهب أو السلالة أو الطائفة ولذلك فقد أستهلكت خلال العقود الماضية كمية كبيرة من القرارات ذات سطحية سياسية ومعها العجز وخلل الأولويات والتي أفضت إلى خسائر عظيمة لاتعد ولا تحصى، وآخرها حتى كتابة هذا السطور وربما أكثرها أهمية هي تجربة حزب الله في لبنان.

 

بعض التيارات الإسلامية لاتفكر حتى في تغيير منظومة داخلية مضت عليها عشرات السنوات، وثبت فشلها، أو جمودها كماهو حال الجماعات التي تؤمن بطريقة محددة للوصول إلى الخلافة، ولاتفكر حتى في إعادة النظر إلى تحليل سياسي كان صحيحاً ذات يوم ولم يعد كذلك...؟! 

 

في كل تلك السياقات التي ذكرنا حضرت ضحالة النظرة السياسية كسبب للفشل أو الأخطاء الناتجة عن سوء التقدير وأفضت إلى خسائر. 

 

والمصيبة أننا لانعثر على إعتراف حقيقي بهذا الخلل ومسار حقيقي لإصلاحه، فما زالت آلية الفرز القيادي هي ذاتها، وطرائق إتخاذ القرار هي نفسها، وفي ذات الوقت لانعثر على مقترحات لتحسين الوعي السياسي لدى عناصر وقادة تلك الجماعات والحركات...؟ 

 

ربما قد يكون هناك بالتأكيد أخطاء وخطايا لاصلة لها بضحـالة النظرة السياسية وسوء تقدير الموقف قد ترجع بعضها إلى الأهواء الشخصية الفردية وحب التسلط و السيطرة وهذه قصة أخرى ليس هذا مجــالها.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس