الحمادي مواصلاً ذكريات النّضال في حواره الأخير: هكذا أسقطت المطار بعد هروبي منه (الحلقة الرابعة)

الخميس 12 ديسمبر 2019 - الساعة 03:08 صباحاً
المصدر : نقلا عن صحيفة "الشارع" اليومية

 


حاوره / نائف حسان

المقدمة:

 

في الحلقة الثالثة من هذا الحوار، تحدث العميد عدنان الحمادي، عن المعارك التي جرتْ مع مسلحي مليشيا الحوثي في تعز، وفي معسكر اللواء 35 مدرّع، الواقع في المدخل الغربي للمدينة. روى "الحمادي"، متذكراً، كيف جرتْ المعارك في مقرِّ اللواء، وكيف انتهتْ، باتخاذه قرار الانسحاب من المعسكر.

 

بدأ الانسحاب في الصباح الباكر من فجر يوم الخميس 21 أبريل 2015. تمَّ سحب القوات على دُفَعٍ، ولم يخرجْ العميد الحمادي من المعسكر إلّا بعد انسحابِ غالبية جنوده. خرجَ من المعسكر، بمفردهِ، في السابعةِ والنصف من ذلك الصباح، ولم يكن هناك إلّا الجنود الذين أوكلتْ لهم مهمة تأمين عملية الانسحاب (كانوا ثلاثون جنديّاً، أو أكثر من ذلك قليلاً). لقد توقَّفتْ المعارك في الثامنة صباحاً، ما يعني أن "الحمادي" انسحب قبل نصِ ساعةٍ فقط من انتهاء المعارك داخل المعسكر. لقد كان انسحابه منفرداً ومتأخِّراً، حتى أنّه رأى مسلحو الحوثي قد وصلوا إلى ميدان المعسكر، واقتربوا من مقر القيادة؛ كما قال في سياق سرد لم يتضمَّن أي تفاخر، أو ادعاء بطولة.

 

عند خروجه من المعسكر، كان عليه أن ينزل من قاطع تُرابي مرتفع جدّاً؛ يُطِلُّ على الطريق الاسفلتي المؤدي إلى الحديدة. حاول النزول عبر قفزتين؛ بسبب ارتفاع ذلك القاطع الترابي الذي يصل طوله إلى نحو "ثلاثة طوابق"؛ كما قال. وعندما قام بالقفزة الثانية إلى الأسفل، أُصيبتْ قدمه اليمنى "بشرخ في العظم حق الكاحل، وتَمَزُّق في الأعصاب".

 

وشاءتْ المصادفة أن يجد أحد جنوده (ف. ح)، فأخذ يسير وهو متكئ عليه. قصد منزل ذلك الجندي القريب من المعسكر. بعد عشر دقائق غادر، قاصداً منزل قريب يتبع أحد أقربائه، ويَطِلُّ على الوادي. طَرَقَ الباب، فلم يردْ عليه أحدٌ. نزل قليلاً، فوجد "عُبَار سَيل"، جلس فيه نحو عشر ساعاتٍ فيه، ثمَّ عاد إلى منزل قريبه. في المساء، جاء الجندي (ف. ح) يبحثُ عن قائده، وعندما لم يجده أجهش في البكاء.

 

في الحلقة الرابعة من هذا الحوار، يواصل العميد عدنان الحمادي تَذَكُّر ما جرى. إلى نص الحوار الوارد في هذه الحلقة.

 

- ما الذي جرى مع الجندي (ف. ح)..؟

 

* قال لي: "إنَّ مسلحو الحوثي فتَّشوا منزله ومنازل جيرانه بحثاً عني. سألته: "وبعدين، كيف تَرَكُوك"؟. قال: "لمّا شافوا إنك مش موجود عندي؛ لأن إلِّي بَلَّغهم شافنا أنا وأنت". قُلْتُ له: "الآن ما يُراقِبُوك؟". قال: "لا". قُلْتُ له: "أيش عَرَّفَك؟". قال: "أنا ركبتُ موتور ورحتُ إلى بئر باشا، وجلستُ هناك، ودخلتُ من مكان إلى مكان، ورحتُ أشتري لي قات، ورجعتُ بموتور ثاني، ونزلتُ تحت وأجيتُ من الحارة الخلفية". قُلْتُ له: "ممتاز.. خلاص نلتقي، وأنت تُغادر؛ لأنَّي سأغادر هذا البيت بعد قليل، قام يبكي، ويقول: كيف تُغادر، وإلى أين با تغادر.. با يمسكوك الحوثة؟!". قُلْتُ له: "أنت لا تقلق، أمشي الآن، رَوِّح، وأنا با أتواصل بك". وأخذتُ رقم تلفونه.

 

- وبعدين؟

 

* شويَّة ويوسف الشِّراجِي اتصل بي، وقال لي: "أنت في أي مكان؟". قُلْتُ له: "أنا خلف.."، حَدَّدت له المكان. وكانت نقطة التفتيش الخاصة بالحوثيين قريبة جدّاً من البيت الذي كُنتُ فيه. كنتُ أسمع الهتافات حق الحوثة، والصرخة. قال لي يوسف: "خلاص، صاحبي قريب منك". قُلْتُ له: "طيب". خَرَّجْت صاحبي، جاب لي العُكَّاز، الذي أحضره من أجلي عندما وصلتُ إليه، وشاف رِجْلِي مُوَرِّمَة. مِسك بيدي في الباب، فطلبتُ منه أن يسبقني في الخروج؛ لأنّي ما كنتُ أشتي حد يشوفني أخرج من بيته، أو يشوفه يمشي معي.

 

- غادرتَ البيت؛ لأن الشخص الذي أرسله لك يوسف الشِّرَاجِي.. وصل؟

 

* نعم. وصلَ شخصٌ يُدعى "الزُّغْرُورِي". جاء لي بسيارة "هيلوكس"، وكُنتُ قد تَعَشِّيْتُ، وخَزَّنتُ قليل قات، حتى جاء هذا الشخص الذي أرسله يوسف. وكان ما يعرف أني مُصاب. طلعتُ فوق السيارة.. مشى السائق نحو 30 متراً، ثم توقَّف. قال لي: "هُنا"، وأشار إلى عمارة عَظْم، مكوَّنة من ستة أو سبعة طوابق، وفيها شُقَّة واحدة جاهزة فقط، تقع في الدور الرابع، أو الخامس. شُفت العمارة، وقُلْتُ له: "أيش با يَطَلِّعنا العمارة، وبعدين نقطة الحوثة جَمْبَك، قريبة مِنَّنا". قال: "ما لها علاقة". نزلتُ من التاكسي، وبعدين حَمَلَنِي. طَلَّعْنِي العمارة وهو "يَحْدَفْنَا" [يحملني]، وفي كل دور كان يرتاح قليلاً. فتح الشُّقَّة، وكانتْ مؤثثة وجاهزة، وفيها كل شيء. دخلت الشُّقَّة، وجلستُ، وهو خرج، وبعدين رجع ومعه عشاء وقات، وماء. قُلْتُ له إني قد تَعَشِّيْتُ، ورجعتُ أكلتُ شوية؛ لأنَّه قد تِعب وجاب العشاء. شَغَّلَ مولد الكهرباء؛ لأنه، كما قال لي، يُشَغِّله يومياً. هنا، أصبحتْ نقطة التفتيش حق الحوثي تحتي. كُنتُ أتفرج لها من الطاقة وهي تحتي.

 

- ما الذي فعلته بعد ذلك؟

 

* بدأتُ أشحن التلفونات. بدأتُ أرسل الأهداف، وبدأتُ الضربات الجوية على معسكر المطار القديم. إحدى الضربات أصابتْ مخزن لصواريخ الكاتيوشا. أنا كنتُ في الطاقة مقابل معسكر المطار، وفجأة شفتُ الصواريخ [الكاتيوشا] منطلقة نحوي، قُلْتُ: "أيش با تلاحقنا إلى هُنا"! (يضحك). الصواريخ انطلقتْ إلى الشِّعَاب، لجهة صَبِر، وأماكن أخرى. كانتْ الصواريخ تنطلق من داخل المخازن، بسبب الضربات. ظلَّت تتفجر طول الليل. أهم مخازن الأسلحة في المعسكر ضُرِبَت تلك الليلة.

 

- كم جلست في تلك الشُّقَّة..؟

 

* ليلة واحدة. هذا كان يوم الخميس، في المساء، ليلة الجمعة. قُلْتُ لك، كان آخر قتال في معسكر المطار الساعة الثامنة من صباح الخميس 21 أبريل، وأنا خرجتُ من المعسكر قبل ذلك بنص ساعة؛ الساعة سبع ونص، وكنّا قد بدأنا نسحب القوة من فجر. بعد ما خرجت أُصبتُ برجلي، وبعدين رُحتُ بيت الجندي (ف. ح)، وبعدين بيت قريبي، وبعدين جاء "الزُّغْرُورِي" وجابني إلى هذه الشُّقَّة.

 

- بعدين إلى أين انتقلت؟

 

* بعدين، أرسل لي يوسف الشِّرَاجِي اثنين آخرين، غير "الزُّغْرُورِي". بَكَّر هذا الشخص جاب صَبُوح، وجاب عصى يشتي يَقَرِّح رِجلي، يعتقد أن إلِّي فيها عُسْفْ، مش عارف إنه شُرخ. فكان عندما يطرح العصى على رِجلي، ويدعس عليها برجله، كان يألمني، وأصرخ بقوة. أمرته أن يتوقف. بقتْ رِجلي وارِمَة، والألم يشتد، مع الوقت. تناولنا الفطور، وجلسنا ننتظر اتصال يوسف. جاء الاتصال الساعة 11 قبل الظهر. قال لي: "با يجي لعندك اثنين، في سيارة تاكسي، واحد اسمه كذا، وواحد اسمه كذا". بقيتُ في انتظارهما. أذَّنَ المسجد القريب لصلاة الجمعة، وقبل ما يبدأ الخطيب خطبة الجمعة، وصل الرجلين إلى عندي. صَعَدَا العمارة عشان يَنَزِّلونا. حَمَلونا ونَزَّلونا الدَّرَج على قليل، على قليل. الأول اسمه (ع. اليوسفي) والثاني (حسان..)، طلعتُ أنا في الكرسي الخلفي لسيارة التاكسي، فيما "اليوسفي" ساق السيارة، و"حسان" طِلْعَ جواره. وأنا كُنتُ قد اتصلتُ باثنين من أصحابي جاءا على متن دراجتين ناريتين، وكانا مسلحين بمسدسات فقط. مشوا في الخط المؤدي إلى بئر باشا، وبعدين رجعوا يمشوا خلف التاكسي إلِّي أنا كنتُ فيها. جبتُ لهما عنوان المكان، وعندما نزلتُ من العمارة، قُلتُ لهما، باتصال: "أنا الآن أمامكم، وكانا منتظرين في المكان الذي حَدَّتَهُ لهما. بعد فترة بسيطة تجاوز أحدهما السيارة وسار أمامنا، والثاني بعدنا، بمسافة معقولة. الذي أمامنا مشى باتجاه بئر باشا.. إحنا مشينا إلى قبل نادي الصقر؛ لأن الحوثيين كانوا قد وصلوا إليه، وسيطروا على موقعنا الذي كان هناك. والمدفع الذي كان معنا هناك كان قد تَفَجَّر بأحد المتَفَيِّدِين؛ دخل خلف المدفع يضغط والقذيفة مُعَمَّر، فانفجر المدفع.

 

- كيف مررتم من المنطقة المجاورة لنادي الصقر والحوثة كانوا قد سيطروا عليه؟

 

* قبل ما نصل نادي الصقر، دخلنا شارعاً فرعيّاً قادنا إلى حارة ليس فيها حوثة. الشخصان اللذان جاءا لي بالتاكسي كانا قد استطلعا الطريق عدّة مرات.. قالا لي: "شوف، هناك نقطة تفتيش للحوثيين با نتجاوزها، ونقطة تفتيش ثانية لهم با نتجاوزها، في نقطة واحدة فقط إلِّي ما بنقدر نتجاوزها، وضروري نتفتَّشْ فيها". مشينا، وتجاوزنا النقطة الأولى التي كانت قريب نادي الصقر، دخلنا من الحارة وخرجنا قبل فرزة الحديدة باتجاه بئر باشا، إلى عند البريد، ومشينا طبيعي، وصلنا إلى بعد الناشري، كان في هناك..

 

- (مقاطعاً) الطريق المؤدي إلى الضَّبَاب..؟

 

* لا، لا، مش طريق الضَّبَاب، طريق تعز المدينة.. رجعنا العكس، باتجاه مدينة تعز، عند الحوثة؛ لأنه لو كنتُ خرجت الضَّباب، باتجاه قريتي، كان سيكون سهل القبض عليَّ هناك.. ففي نفس اليوم الذي سقط فيه معسكر اللواء، خرج طقمان عليهما مسلحين حوثيين إلى الضَّبَاب؛ لأنَّهم متوقعين إني أُغادر المدينة إلى القرية. وصل المسلحون الذين كانوا في الطقمين إلى تلك المناطق يبحثون عني.. سألوا، فتَوُّههم الناس في الطريق، وبعدين غادروا.

 

- أيوه..؟

 

* إحنا خرجنا قبل فرزة الحديدة، وعُدنا باتجاه بئر باشا، في الطريق المؤدي إلى قلب مدينة تعز. وصلنا إلى عند مستشفى البريهي، وكان هناك أطقم حوثية، وقِيْلَ لنا أن معاهم جرحى، وعرفنا أنهم وزَّعُوا جرحاهم على عِدَّة مستشفيات. نقطة التفتيش التي تجاوزناها كانت عند نادي الصقر، والنقطة الثانية كانت عند معرض التيسير، أسفل عمارة الغنامي. كانت هناك نقطة تفتيش حوثية تجاوزناها من الخلف، من الحارة. وصلنا إلى "جولة وادي القاضي"، وكان فيها نقطة التفتيش الثالثة، التي سنضطر للتوقف فيها للتفتيش؛ لأننا ما قدرنا نتجاوزها. إذا كنا اتَّجهنا نحو "المرور" سيكون هناك نقطتي تفتيش حوثي لن نستطيع تجاوزهما؛ لهذا اخترنا دخول المدينة عبر الطريق الرئيسي المؤدي إلى "جولة وادي القاضي". كان "جبل جَرَّة" كان لازال معنا، ومقاتلينا كانوا فيه، أفراد قواتنا الذين كانوا في "المرور" و"الدَّحِي" ما فيش.. إلِّي في "الستين" موجودون. وفي هذا اليوم، بدأتْ المقاومة الشعبية، وفي اليوم الأوّل، بعد سقوط معسكر اللواء 35 مدرّع. بدأتْ المقاومة في "حوض الأشرف"، وانتشر مقاتلوها في "الموشكي"، في "عُصَيْفِرة".. أبو العباس، بدأ في جنوب المدينة، في المدينة القديمة، في "الجمهوري"، في "القاهرة". طوال فترة المعارك التي كانتْ في معسكر المطار، لم يكن هناك أي مقاومة. بدأتْ المقاومة بعد سقوط معسكرنا.

 

كيف مررتم من نقطة التفتيش الحوثية الواقعة في "جولة وادي القاضي"؟

 

وصلنا إليها، فأوقفنا أحد مسلحي الحوثي، فوقفنا.. يفَتِّش. قبل ما نصل إلى هذه النقطة، قال لي "اليوسفي"، سائق السيارة التي كُنتُ فيها: "غَطِّي رِجلك، لا تظهرها؛ لأن الوَرَم إلِّي فيها واضح وكبير، وإذا انتبه المسلح الحوثي للأمر فسنقول إنك سقطت في الدرجة، وسنسعفك". طبعاً، أنا كان معي مسدس.

 

أيوه..؟

 

المسلح الحوثي، أوقف السيارة وبدأ تفتيشها. أمر السائق أن يفتح الخانة. فتح الخانة. فَتَّشوا. أمر السائق بإنزال زجاج النافذة الخلفية للسيارة، حيثُ كُنتُ أجلس. أخذ المسلح الحوثي يَتَفَرَّج. في نفس اللحظة، أنا شاهدتُ شخصاً عرفته.. مُسَلَّح حوثي، معاهم.. هو من "القفر"، كان عسكري عندي في المركز التدريبي، وقد له متغيِّب فترة، مختفي وهو عندهم. كان متغيِّب من عادنا في معسكر لبوزة. شُفْتُه، عَرفته.. لو وقف، أو جاء إلى عند السيارة سيعرفني على طول. أنا بقيتُ طبيعي، لم أُظهِر أي قلق، أو أي تأثير. انتهى المسلح إلِّي كانتْ يُفَتِّش السيارة، وأشَّر سامحاً لنا بالمرور.. تحركنا على طول. قُلْتُ لـ"اليوسفي": "باقي نقاط تفتيش حوثية؟". قال: "لا". هو ما جاء يأخذني إلّا بعد ما عمل خمس لفَّات لاستطلاع الطريق، من الصباح وهو يروح ويرجع، وكل مرة يكون في مُبَرِّر لمروره في الطريق.. مرَّة يُوَصِّل راكب، ومرة.. الشخص المرافق له كان أول مرة يطلع معه، لَمَّا جاء إلى عندي، وكان معه مسدس، وقنبلة.

 

إلى أين اتجهتم، بعد ذلك؟

 

دخلنا من "وادي القاضي"، باتجاه "المسبح"، ونزلنا باتجاه "التحرير"، ورُحنا إلى "التحرير الأسفل"، إلى "فندق الرياض". نزل "اليوسفي"، معه صورة طبق الأصل لبطاقته الشخصية، حجز غرفة، وأنا فوق السيارة. ومن حينها، صار اسمي (ع. اليوسفي)؛ طول الفترة التي بقيتُ فيها جريحاً داخل مدينة تعز: ثلاثة أشهر. كان صورة "اليوسفي" مقاربة لي، ولأن البطاقة كانت صورة طبق الأصل، ما حد يركز كثير؛ حتى لما عامل الفندق انتهى من كتابة بيانات البطاقة، قلتُ له: "هات البطاقة"، وجابها لي، فأخذتها. قُلتُ لهم: "ما فيش تحت غرفة؟". قالوا: "لا". سألوا: "أيش جرى لك؟". قُلْتُ لهم: "اِقْتَلَبَ الموتور فوق رجلي". طلعت الغرفة. حَمَلُوني في الدرج، طلعت للدور الأول.

 

كان مازال مسلحو الحوثي يُسَيطرون على مدينة تعز؟

 

كانوا يسيطرون على مناطق كثيرة في المدنية، وكانت قد بدأتْ المقاومة، كما قُلْتُ لك.

 

تلقيتُ العلاج في الفندق؟

 

الاثنين إلِّي نقلوني للفندق، كان ذاك آخر لقاء لي معهم. زادوا جابوا لي غداء، وغادروا. دخلتُ الغرفة. في الغرفة، كُنتُ أمشي وأنا جالس للحمام، وأرجع إلى السرير. بعدين خَلِّيتُ المراسل حق الفندق يروح يشتري لي شواحن وكروت اتصال. بقيتُ أتواصل مع بعض الناس. لم يأتي أحد لزيارتي بالخالص، ولا أحد عَرَفَ بالمكان الذي كُنتُ فيه، والاثنين الذين جابوني للفندق غادروا؛ يوسف الشِّرَاجِي قال لهم: "انتهى دوركم"، وانتهى دور يوسف نفسه.. معد اتصل لي من تلك اللحظة".

 

ما الذي فعلته، بعد ذلك؟

 

جلستُ في الفندق. في اليوم الثاني، كان معد فيش معي فلوس.

 

ما فيش معك فلوس حتى تُحَاسِب الفندق؟

 

الفلوس حق الفندق قد جابوها له. دفعوا له حساب يومين أو ثلاث أيام؛ على أساس إنه با يجي واحد ثاني. ثاني يوم جاء واحد ثاني - الله يرحمه- قد تَوَفَّى، وهو الأستاذ أحمد الصبري.

 

جاب لك فلوس؟

 

جاء زارنا وجاب لي خمسين ألف. اليوم الثالث، اتصلتُ لشخص آخر، وكُنتُ عادنا ما عالجت رِجْلِي؛ كان معي بخاخات مهدئة، وكانت كلما آلمتني بخيتُ عليه عشان يهدأ الألم. في نفس يوم سقوط اللواء، كانوا [الحوثيين] يقولوا: "عدنان الحمادي جريح"؛ لأن في ناس شافوني وأنا أمش أَعْرِجْ بصعوبة. وقلبوا كل المستشفيات التي في مناطق سيطرتهم، يبحثوا عني. حتى مستشفى الثورة، دخلها مسلحو الحوثي، وفتشوها؛ لأن المقاومة لم تكن قد استعادة السيطرة عليها. الحوثة، نَزَّلوا أطباء من أصحابهم، مدنيين، وخلوهم يدخلوا معهم يفتشوا المستشفيات. بحثوا عني في المستشفى الجمهوري، وفي "الروضة". اتصلتُ لواحد اسمه (أ. ش)، وطلبتُ منه ينقلني إلى فندق ثاني. رابع يوم، جاء لي أحمد الوافي؛ لأنه بعد ما سقط مقر اللواء 35 مدرع، تواصل معي، وتواصلتْ معي جهات كثيرة. تواصلوا بي من الرياض يطمئنوا.

 

متى عالجتَ قدمك المصابة؟

 

لمَّا جاء أحمد الوافي، رابع يوم، نقلني إلى مستشفى.. عملوا لي كشافة. قالوا: "شُرخ، وتمزق ملتهب جدّاً في الأعصاب، وهذا ممكن يتلف لك الأعصاب، ورجلك ستضمر وستنتهي.. ليش تأخّرت في علاجها؟". المهم، جابوا لي علاجات، وجَبَّسُوا رجلي تجبيس كامل، وقالوا يستمر الجبس لمدة شهر. أنا ما قدرت أصبر على الجبس؛ فَكِّيته يمكن بعد عشرين يوم. وفي نفس تلك اليوم، انتقلتُ إلى منزل واحد اسمه رَزَّاز، وبقيتُ عنده طوال النهار. يومها، اتصلتُ بصادق سرحان، وبيوسف الشِّرَاجِي، وبعبد الرحمن الشمساني، قُلْتُ لهم: "لابد من تشكيل مجلس عسكري، اليوم، لتحَمُّل مسؤولية الدفاع عن تعز". وتم تشكيل المجلس العسكري، وعملنا له لائحة داخلية، ونظام داخلي، وحددنا التشكيلات العسكرية التابعة له، وهي اللواء 35، واللواء 22، واللواء 17، وضَمِّنا سمير الصبري وعملناه ناطق رسمي للمجلس.. تشكيل المجلس العسكري تم بمبادرة مني. وضمّينا له حمود المخلافي كممثل للمقاومة الشعبية، التي كانت قد بدأ دورها..

 

حينها، هل كان هناك وجوداً فعلياً (جنود وسلاح)، للوائيين 22 ميكا، و17 مشاه؟

 

لا، حينها ما كان في أفراد للواءين، لكن كانوا قد تمَّ تعينهم من الشرعية. كان صادق سرحان معه مجموعة بسيطة، والشمساني ظلَّ بلا أفراد إلى مرحلة بعيدة. أيضاً، ضَمِّنا للمجلس مسؤول التسليح، ووو.. وجبنا ثلاثة من الأحزاب؛ واحد إصلاحي، واحد اشتراكي، واحد ناصري؛ الاشتراكي سكرتير المجلس، وأحمد الوافي (ناصري) مسؤول إعلامي، والإصلاحي علاقات عامة وتنسيق. وتواصلنا مع الرئيس هادي، وبلّغناه، وايَّد..؛ لأنه عندما تواصل بي، قبلها بيومين، طرحتُ عليه المقترح، وقال: "ضروري يتصدروا المجلس العسكريين.. في عدن كل مجموعة منفصلة عن الأخرى، والعمل متعب هناك بسبب ذلك". وعملنا صادق سرحان رئيساً للمجلس العسكري.. أنا قُلْتُ يكون صادق هو رئيس المجلس، بحكم إنه أقدمنا رتبة، أقدم مِنَّا في الجيش، وأكبرنا في السن.

 

في تلك الفترة، كانت المقاومة شغّالة.. هل كانت مواقعكم الأخرى في المدينة مستمرة في القتال؟

 

نعم، كانت مواقعنا، التي في المدينة، مستمرة في قتال مليشيا الحوثي. حينها، أنا أمرتُ كل المواقع التي كانت في "عُصِيْفِرة"، وفي "جبل جَرَّة"، أن يُنَسِّقوا مع حمود المخلافي. بعض الأفراد الذين أرادوا مغادرة مواقعهم، سَلَّموها للمقاومة. عندما سقط معسكر المطار القديم، سَلَّمنا كل الأسلحة التي كانت منتشرة خارجه، الدبابات والعربات والأطقم والأسلحة الرشاشة والبوازيك، إلى حمود، ولازالت معه..

 

حمود المخلافي؟

 

حمود المخلافي، نعم. صادق سرحان، استلم جزءاً من الأسلحة، وزعنا أسلحة لكل الذين تصدروا المشهد، حينها، كقادة للمقاومة..

 

بينهم "أبو العباس"..؟

 

نعم، ودَخَّلُوه، بعدين، ضمن مجلس تنسيق المقاومة.

 

كم بقيت في مدينة تعز؟

 

ثلاثة أشهر وشوية..

 

بعدها..؟

 

بعدها، غادرنا إلى الحُجَرِيَّة..

 

(مقاطعاً) بقيت باسم مستعار طوال تلك الفترة في مدينة تعز؟

 

نعم، كان اسمي المستعار (ع. اليوسفي)، ومعي صورة طبق الأصل للبطاقة الشخصية الخاصة بصاحب هذا الاسم.. قليلون جدّاً الذين كانوا يعرفون أني في تعز؛ الذين هم في المجلس العسكري، أو الذين تربطني بهم صداقات وثيقة، وهؤلاء لا يتجاوز عددهم 15 شخص، بينهم المرحومة عائدة العبسي [توفَّت في 21/7/2029، بسبب خطأ طبي].. هذه كان دورها كبير جدّاً؛ في اسعاف الجرحى، وإدخال الأدوية لنا عندما كُنَّا محاصرين في معسكر المطار القديم. وكان هناك دور كبير للدكتور (ي. ع. ق)، والدكتور (ع. س)، كانا يسعفانا بعلاج الجرحى، وإرسال الأدوية، وأحياناً الأكل والماء، أشياء كثير.

 

خلال الثلاثة الأشهر التي بقيتَ فيها جريحاً في مدينة تعز، ماذا كان مصير من تبقى من جنود وضباط اللواء 35 مدرع.. هل عادوا إلى بيوتهم؟

 

كثيرون غادروا، والذين هم من تعز وإب بقوا في الجبهات، وبعض الناس الذين أرادوا البقاء للاستمرار في قتال مليشيا الحوثي. مقر اللواء دخلوه الحوثيين. بعد خروجنا منه، دخل إليه مسعفين وأطقم طبية وتم سحب الجرحى وجثث الشهداء، وسُمِح بإخراجهم، بتنسيق مع الصليب الأحمر، إلى المستشفيات لتلقي العلاج. بعض جُثث وجدوها فيما بعد. تم تصفيات واغتيالات لعدد من أفرادنا..

 

(مقاطعاً) جرحى قتلوهم الحوثة عندما دخلوا مقر اللواء؟

 

واحد تمّ تصفيته داخل مقر اللواء وهو جريح. هناك جنود آخرين من أفرادنا غير جرحى كان يستدرجهم الحوثة، ويقتلوهم. كانوا يستدرجوهم كي يخرجوا من مقر اللواء؛ يقولوا لهم، إنهم سيأمنوا خروجهم من مقر اللواء، ولمَّا يخرجوا يقتلوهم؛ لأنهم يقولوا، إنهم "دواعش". واحد لقبه غلاب، تم استدراجه، بهذه الطريقة، واشترك بعض زملائه الجنود السابقين في عملية الاستدراج. وقِيْلَ، أن الحوثة قتلوا "غلاب" ودفنوه في "السِّتِّين".

 

استدرجوه من داخل اللواء؟

 

نعم، استدرجوه من داخل مقر اللواء، عبر زملاء سابقين له انضمُّوا مع الحوثة. جاء لعندي، وقال لي: "يا فندم، خلاص يكفي، ما فيش فائدة، ننسحب". قُلْتُ له: "أنت اتخذ قرارك، تشتي تخرج خرجت، لكن انتبه يمسكوك الحوثة". وصلته اتصالات من زملاء له، قالوا له، إنهم سيأمنوه، وسينقلوه وسيدعوه يعود إلى بيته، وقد كذبوا عليه.

 

متى خَرَجَ..؟

 

في بداية المعركة. أُسرته ظَلُّوا يتصلوا إلى عندي، وقلت لهم، إنه غادر المعسكر في البداية. هو جاء إلى عندي، قبل صلاة فجر إحدى الأيام، وقال لي: "يا فندم، خلاص ننسحب كُلَّنا". قُلْتُ له: "نحن لن ننسحب، نحن سنقاتل حتى آخر لحظة، وسنستمر نُقاتل داخل اللواء أو خارجه".

 

كيف عَرَفتم أنه قُتِلَ؟

 

أُسرته ظَلَّت تتصل بي كثيراً، حتى قبل ما يسقط اللواء بأسبوع. قُلتُ لهم: "يا أخوة، هو اتخذ قراره وغادر مقر اللواء.. هو اُستُدرِج من زملاء له ينتمون إلى بلادكم (القَفْرْ). تقول المعلومات، إنه اُستُدرج من قبل شخص لقبه "الغُرِيري" وقد قُتل في "نِهْم"؛ لأن "غلاب" كان إمام مسجد، وكان يخرج على عربة مدرعة يُنادي، بمكرفون، المواطنين، ساكني الأحياء المحيطة بمعسكر المطار، بعدم السماح لمسلحي الحوثي بدخول منازلهم والتمترس على أسطحها.. وكان دائماً يُكَبِّر في المكرفون، ويَحُثُّ المقاتلين، في بداية المعركة، على القتال.

 

بقيت ثلاثة أشهر متخفِّياً باسم مستعار في مدينة تعز.. كيف خرجتَ بعدها إلى الحُجَرِيَّة؟

 

خرجت بتنسيق، بطريقة معينة، إلى الحُجَرِيَّة..

 

كان الحوثيون في الطريق التي مَرَّيت بها إلى بلادك؟

 

كانوا موجودين في "الضَّبَاب"، وموجودين في أطراف الحُجَرِيَّة، وكانت أطقمهم المسلحة تمشي في كثير من مناطق مدينة تعز، دون أن يعترضها أحد.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس