كُنْتُ مع القائد عدنان الحمادي .. الصحفي أحمد الوافي يواصل شهادته ويروي تفاصيل ليلة سقوط معسكر المطار القديم (3)
السبت 04 يناير 2020 - الساعة 12:17 صباحاً
المصدر : نقلا عن صحيفة "الشارع" اليومية
- بعد أن بدأ الحوثيون في قصف مقر قيادة اللواء، نقلنا القائد إلى الشؤون الإدارية؛ بخطوات سريعة وسط أصوات الانفجارات وأزيز الرصاص
- جاء القائد إلينا، وقال: "الأمور مشدودة، اتواصل مع الجماعة يخففوا الضغط علينا من أي اتجاه"
- اتصلتُ بصادق سرحان وحمود سعيد.. كُنْتُ أقول لهما: "اللواء سيسقط"، وهما يردان: "تمام، تمام، اصمدوا، إحنا نتعامل مع الموقف"
- تواصلتُ مع كثيرين، طلبت منهم الضغط على "المقاومة" كي تتحرك، لكن بدون فائدة
- أسلحة اللواء في "جبل جرة" و"الستين" و"الخمسين"، سُلِّمت لـ "صادق" و"حمود"، لكنهما لم يتحرَّكا حتى لتخفيف الضغط على اللواء
- عندما بدأ الحوثة في اقتحام اللواء، قال لي القائد: "اتصل بصادق سرحان، وقول له: يناوش لنا الحوثيين اللي في مفرق الخمسين"
- بعد الثانية فجراً، كان القائد يتنقل في كل مكان، ورأيته وهو يوزع الشباب، ويحثهم على الصمود، وعلى سرعة توزيع الذخائر
- تفاجأت بشجاعة القائد، شجاعة منقطعة النظير.. كان يتحرك لوحده في الظلام، ويدير كل شيء
- كان كلما عاد إلينا، يطلب مني التواصل مع "حمود" و"صادق"، ومطالبتهما بالتحرك حتى في اتجاه واحد لإرباك العدو
- في النهاية، تواصلت مع كثير من السياسيين، وقُلتُ لهم: "اللواء سيسقط، ونحن في عداد الموتى؛ صادق سرحان وحمود سعيد لم يحركا ساكناً بمقاومتهم"
- قال لأحد الضباط: "إذا اشتدت, اربطوا الصحفيين في السجن على أساس أنهم أسرى حتى لا يُصَابوا بأذى من الحوثيين"
- في السادسة صباحاً، جاء شخص يجري نحو القائد، وقال له: "أنت هنا يا فندم، والشباب قالوا إنك قد خرجت؟!"
- ذهب القائد يجري، وغبار الرصاص يتصاعد من بين أقدامه وخطواته؛ كي يصل إلى مقاتليه، ويجعلهم يرون أنه مازال باقياً معهم
- قال لمقاتليه: "ابقوا صامدين في خنادقكم ومتارسكم.. الآن ستتحرك المقاومة لفَكّ الحصار المفروض علينا"
- بعد أن خرجت من اللواء، قبل سقوطه، وجدت قُرب "بئر باشا" مقاتلين يتبعون حمود سعيد، قالوا إنهم لم يتلقون أوامر بالقتال
بعد أن نجوتُ، أنا والأخ وليد الحميري، من القتل، وتمكنَّا من دخول مقر اللواء 35 مدرع، كلمت القائد عن مقترح بعض العسكريين من أبناء "المعافر" و"المواسط"، وتم تزكيتهم من قبل (م. ع)، و(ع. ن)، و(ف. ش)، ومقترحهم يتمثل في فتح الحصار عن مقر اللواء من جهة "جبل هان"، لكن الكثير منهم كانوا بلا سلاح. وكانوا قد سجلوا أسماءهم للعمل مع "المقاومة"، و"الجماعة" قَبِلُوا الذين لديهم الأسلحة وطلبوا منهم الانتظار في مدينة تعز، ويصرفوا من جيوبهم، وينتظروا كيف يدافعوا.. وسألت العميد عدنان: "هل بالإمكان تسليح هؤلاء وتذخيرهم، وهناك من يضمن تحركهم للقتال؟".. واستحسن القائد الفكرة، واتصلَ من تلفوني بالأستاذ عبد الله نعمان، وشرح له الوضع الحرج للواء، وضرورة الضغط لتحريك المقاومة لتخفيف الضغط عليه. وانتقلنا إلى غرفة جوار القيادة، وكانت القذائف المدفعية الحوثية تصل، بشكل مكثف إلى مقر قيادة اللواء.. القائد، استدعى الشهيد محمد العوني، وجلسا مع بعض، وأنا معهما، على ضوء "ولَّاعة"، وجهزا خطة لإخراج دبابة ومدرعة عليهما أسلحة، إلى "نقطة الثلاثين"، وكيف يتم التغطية النارية عليها، ويتم السيطرة على تلك النقطة، وتسليم الناس الأسلحة والذخائر.. وطلبا من مسؤول التسليح أن يخبرهم كم لديه من الأسلحة، وكان العدد قليلاً، فرجعا لمراجعة كشوفات أفراد اللواء الذين لديهم إجازات، لأخذ أسلحتهم لاستكمال العدد المطلوب.. حينها ذكرت كلام حمود سعيد والأرقام الخيالية التي قال إنها للأسلحة الموجودة في اللواء.
كان ذلك اليوم هو اليوم الوحيد الذي جلستُ فيه مع الشهيد محمد العوني.. على ضوء "الولَّاعة".. وحينها كانت القذائف تقترب من الغرفة التي جلسنا فيها قُرب مقر القيادة، وعند احتراق دبابة تم إطفاؤها، قال القائد: "لابد من الانتقال إلى الشؤون الإدارية، لأنها أكثر أمناً لنا، وبعيد عن قذائف الحوثة". كونه أفضل ومؤمناً من القذائف، كان هذا قبل ما نستكمل ترتيبات إخراج الأسلحة للجماعة في الصباح.. كانت الأمور مشدودة.. ووصل بلاغ إن أعداد الشهداء والمصابين تزداد في مواقع اللواء.. فانشغل القائد و"العوني" عن إنجاز الخطة لإخراج الأسلحة على الدبابة والمدرعة.
لفت نظري، ونحن نتناقش، نباهة القائد، حينما سمع إطلاق رصاص بالسريع من موقع، وقال لـ "العوني": "فين هذا اللي يطلق بالسريع، بأي موقع؟!"، فرَدَّ عليه "العوني": "ذخيرة الآلي لا خوف عليها، لا نزال في حد الأمان". قال القائد: "إحنا مش في موقف هجوم.. إحنا في موقف دفاع، والعدو يضرب مدفعية ورشاشات، والرد عليه ضروري يكون طلقة، طلقة هادفة.. إحنا محاصرين أولاً، والشيء الثاني هو أن الإطلاق السريع يُشعِر العدو إنك خائف، والشيء الثالث هو أن إحنا في ليل، وفي مدينة، ويفترض أن لا نَرُدّ على مصدر النيران بعشوائية وبالسريع خوفاً على حياة المدنيين".
...
انتقلنا إلى الشؤون الإدارية؛ خطوات سريعة في الظلام، وكانت أصوات الانفجارات لا تتيح لنا فرصة في التفكير إلى أين نجري، وأين نَحُطُّ أقدامنا.. وصلنا على وصول دفعة شهداء من المواقع.. حملت معهم جثة كبيرة عرفت، مؤخراً، أنها كانت للعقيد محمد عبدالله الحجراني، عقيد تخصص مدفعية، وكان هناك ثلاثة شهداء بجانبه أحدهم مدني، طه سيف، والقباطي، وآخر كان محروق نتيجة انفجار ذخائر أثناء استهداف موقع مدفعية.. وكان هناك ثمانية جرحى.. ساعدناهم في معالجة الجرحى، وكان للدواء الذي أوصلناه دور في ذلك.
كانت كل لحظة تزداد وتيرة القذائف والاشتباكات، وكان أزيز الرصاص مرعباً. كان القائد يتنقل وحيداً من مكان إلى آخر، ويوزع الناس، وجاء إلينا، مرة ثانية، وقال: "الأمور مشدودة، اتواصل مع الجماعة يخففوا الضغط علينا من أي اتجاه". واتصلتُ بصادق سرحان وحمود سعيد المخلافي، ونقلتُ لهم ما قاله القائد، وطلبتُ منهما التحرُّك.. كُنْتُ أقول لهما: "اللواء سيسقط"، وهما يردان: "تمام، تمام، اصمدوا، إحنا نتعامل مع الموقف". وتواصلت مع عبدالله نعمان، وضياء الحق، وعبدالستار الشميري، وكثير من السياسيين، وطالبناهم الاتصال للضغط على "المقاومة" كي تتحرك، وأسلحة اللواء سُلِّمت لهم في "جبل جرة" ومواقع شارعي "الستين" و"الخمسين" مع صادق سرحان. لكن لا فائدة.
بعد الساعة الثانية فجراً، كان القائد يتنقل في كل مكان، ولاحظته، وهو يوزع الشباب، ويحثهم على الصمود، وسرعة توزيع الذخائر، وقذائف الدبابات. كان مسلحو الحوثي المتمركزين في المباني المحيطة يواصلون قنص أي حركة يشعرون بها داخل مقر اللواء.. لم يكن بإمكانك حتى أن تُوَلِّع ضوءً، إذ يتم استهدافك مباشرة. كُنْتُ متفاجئاً بشجاعة القائد، شجاعة منقطعة النظير. كان يتحرك لوحده في الظلام، ويدير كل شيء. وكان كلما عاد إلينا إلى الشؤون الإدارية، التي كُنَّا فيها، يقول لي: "اتواصل مع الجماعة (ويقصد حمود سعيد وصادق سرحان)، وقول لهم يتحركوا على الأقل في اتجاه واحد لإرباك العدو.. قول لهم الأمور مشدودة". وكان حريصاً على أن يُكَلِّمني دون أن يسمعه أفراد اللواء، حتى لا يصابوا بهزيمة معنوية.
...
ازداد عدد الشهداء والجرحى، وكان بعضهم ينقلوا من المواقع وهم جرحى ثم يفارقون الحياة بسبب عدم وجود إسعاف. وبعد الساعة الثالثة فجراً كان الجنود الذين بجانب الجرحى يصلون لله، وهم قلقون كثيراً. قُلْتُ لهم: "كيف الوضع؟". قالوا: "الاشتباكات أصبحت بأسلحة خفيفة، يعني أن العدو بدأ في اقتحام اللواء، وأصبح في أطراف المعسكر الذي مساحته ليست كبيرة أصلاً". سألتهم: "كيف با يعملوا (الحوثيون) إذا دخلوا إلينا إلى هنا؟". قالوا: "بيرموا قنابل، ثم يصفوا بالأسلحة، قبل الاقتحام".. كانت بطاريتي تلفوني قد أوشكتا على الانطفاء.. اتصلت بأسرتي، وكأنني أودعهم.. لم يكن لدي أمل بالبقاء على قيد الحياة. اتصلت بما تبقى من شحن للكثير من القيادات السياسية، وقلت لهم: "اللواء سيسقط، ونحن في عداد الموتى؛ صادق سرحان وحمود سعيد لم يحركا ساكناً بمقاومتهم". كنت أذهب إلى مخزن بجوار الشؤون الإدارية لأتصل.. كي لا يسمعني أفراد اللواء.
عندما اقتربت الساعة من الرابعة فجراً، ونحن في الظلام، كان الرعب قد خيم علينا، وخصوصاً نحن الذين لم يسبق لنا، على الإطلاق، أن عشنا في جو معركة شبيهة بهذه.. كُنْتُ أنتظر أن يفتح علينا الحوثيون الباب، ويرمون علينا القنابل، كما قال لي أحد الأفراد أن ذلك هو ما سيحصل. كُنَّا قد سحبنا الجرحى إلى خلف رَصَّة أكياس الدقيق، واعتبرناه مترساً لهم.. وكان سلاح أحد الجرحى جاهزاً.. فجأة فُتِحَ الباب بقوة، فخيم الصمت بشكل أكبر علينا، وانتظرتُ أن تُرمى علينا القنابل.. وإذا بصوت القائد يقول: "شباااااااااااب". تنفَّستُ الصعداء، ورأيت العميد عدنان الحمادي يدخل علينا، ويقول: "في شباب ممكن يقوموا بتوزيع ذخائر إلى المتارس، بالمدرعة؟". وتحرَّك بعض الشباب للقيام بالأمر. وقال القائد إن هناك في قطاع يحتاجوا لأفراد بمدرعة لانتشالهم.. وعرضنا، أنا ووليد الحميري، نروح معهم، فقال القائد: "لا"، وكَلَّم ضابط، وقال له: "الصحفيين، إذا اشتدت اربطوهم في السجن على أساس أنهم أسرى حتى لا يُصَابوا بأذى من الحوثيين". فهمتُ ما قصد وقُلْتُ له: "يا فندم، الحوثيين يعرفونا كلهم، وأُفَضِّل يقتلونا وأنا حُرُّ، ولا يقتلونا وأنا مربوط"، فقال: "لن يكون إلا خيراً.. لا تقلق". سألته عن الوضع، فقال: "هناك اختراق في القطاع ٦٢، ونحن نتعامل معه". لكن كنت أسمعه يقول إنه لابد من التعامل بكلمة السر مع من هم حول القيادة، وأن يقوموا بتمشيط المكان، وكأن بعض الحوثيين كانوا قد دخلوا إلى هناك. قال لي: "اتصل بصادق سرحان، وقول له: "ناوش لنا الحوثيين اللي في مفرق الخمسين"، وأخذنا إلى طرف الحافة، وأشار إلى الأضواء التي تتحرك بكثافة هناك، وهي مكان تجمع. اتصلتُ من تلفونه إلى صادق سرحان، ووعد بذلك، لكنه لم يفعل شيئاً.
كانت دبابة تابعة للواء تتعامل مع الحوثيين الذين كانوا في "مفرق الخمسين"، لكنهم كانوا يتراجعون إلى الجهة العكسية، كي يبقوا في مأمن، لهذا رأى القائد إنهم يحتاجوا لمواجهه من جهة "الخمسين".
فقدنا الأمل بالبقاء على قيد الحياة، وكانت الرصاص تسقط بغزارة إلى داخل مقر اللواء، والانفجارات تصم الآذان. وعندما اقتربت الساعة من السادسة صباحاً، رأيت شخصاً جاء يجري نحو القائد، الذي كان واقفاً في باب الشؤون الإدارية، ونحن ننزل جريح من المدرعة.. حين وصل ذلك الشخص، قال للقائد: "أنت هنا يا فندم، والشباب قالوا إنك قد خرجت؟!"، فقال القائد بصوت ممتعض: "من قال هذا؟! ارجع مترسك". وذهب القائد يجري باتجاه القطاع الغربي، وغبار الرصاص تتصاعد من بين أقدامه وخطواته. كان المشهد مخيفاً والقائد يجري دون خوف، كي يصل إلى مقاتليه، ويجعلهم يرون أنه مازال باقياً معهم.. وذلك ما تم.
دعيتُ وليد الحميري، وقُلْتُ له: "نتحرك بنفس الاتجاه"، وودعنا الجرحى وبأسرع خطوة اتجهنا سيراً خلف القائد. وصلنا إلى وجهتنا ونحن نكاد أن نتقيأ من الخوف من الرصاص التي كُنَّا نسمع أزيزها وهي تمر فوق رؤوسنا وحولنا. وصلتُ والقائد يقول لمقاتليه، في تلك الناحية: "ابقوا صامدين في خنادقكم ومتارسكم.. الآن ستتحرك المقاومة لفَكّ الحصار المفروض علينا". ثم أخرج تلفونه، واتصل، وسمعته، أنا وجميع جنوده، وهو يقول: "يا محمد هائل، خذ الدبابة والمدرعة، وفُكّ من اتجاه "الثلاثين". لقد افتعل ذلك الاتصال، كي يُشَجِّع الأفراد ويرفع معنوياتهم، وكان الوضع ميدانياً لا يبشر بفرج. قُلْتُ للقائد، وأنا أرى دبابة تابعة للواء 35 مدرع وهي تضرب أطراف المعسكر (كان ذلك يعني أن الحوثيين بدأوا يخترقون المعسكر)، وأشاهد وأسمع القذائف والرصاص وهي تنهال على مقر اللواء: "القائد الحكيم من يُحافظ على حياته، وعلى حياة أفراده، أثناء ما تكون الأمور صعبة، وعندما تكون عوامل البقاء أصعب". قال لي: "سوف نخرجكم لتحكوا للناس أننا لم نخذلهم، وتحكوا تفاصيل المعارك التي خضناها ببسالة وشجاعة..". ثم استطرد: "لكن إذا أُصبتم في الشارع ما بنقدر نصل إليكم أو نسعفكم، وإذا حدث ذلك اسحبوا أنفسكم، وإن شاء الله توصلوا بالسلامة".
أمر القائد بتحريك طواقم الإسعاف لإخراج الجرحى.. نادى: "تغطية نارية للشباب يروحوا يحركوا الدعم"، أراد أن يقول لجنوده أنه سيخرجنا كي نستعجل "المقاومة" لتقديم الدعم لهم، وفَكَّ الحصار عنهم، وليس لإخراجنا من موت محقق. انطلق وليد الحميري إلى جهة المرتفع المطلّ على الطريق المؤدي من مدينة تعز إلى الحديدة. قفز من مسافة كبيرة لن أقفزها حتى لو تُوِّجْتُ بطلاً لقارة آسيا في القفز. لكن غريزة حُبّ الحياة دفعتني للقفز بعده دون تردد. وبعدها، عرفنا أن القائد قفز من نفس المكان، بعد أن أجبره الأفراد على الخروج، بعد نحو ساعة تقريباً من خروجنا، وتعرضت رجله لكسر.
نجونا بأعجوبة، بعد تعرضنا لوابل من الرصاص، ومناداة أحد مسلحي مليشيا الحوثي لنا بالتوقف.. لم نتوقف، ورفعنا أيدينا إلى فوق، واستمرينا بالمشي بخطوة سريعة ولم نصب بأذى.. التفتُ إلى وليد وضحكتُ بصوت عالٍ دون شعور، وأنا أجد نفسي خارج أسوار الموت، بعد أن فقدت الأمل في الحياة. وعندما وصلنا إلى قُرب "بئر باشا"، وجدنا، في رأس "وادي التبدد"، مجموعة من المسلحين تظاهروا، في البداية، بأنهم حوثيين إلا أني عرفت أحدهم وكان من المسلحين التابعين لحمود سعيد، وناديته باسمه، وعرفني.. قُلْتُ له: "لماذا لا تنقذوا اللواء؟!". قال: "والله ما جاءت لنا أوامر.. الأوامر كانت أن نبقى هنا فقط"!
...
وصلتُ إلى "بئر باشا" وأنا متعب ومرهق. تحركت بعدها إلى المركزي، ومررت عبر خط "الزُّنْقُل"، و"وادي القاضي"، وكان الوضع خطراً جداً نتيجة اشتباكات متقطعة. ووجدت أن "المقاومة" كانت منتشرة بالقرب من "جولة وادي القاضي"، وتحديداً عند المفرق المؤدي إلى "شارع جمال" و"باب موسى"، وكأنهم يحموا فقط مقر حزب الإصلاح، و"حارة الضربة" التي يقع فيها! وصلت إلى الغرفة عند الشباب، وشحنت تلفوني، واتصلتُ بالقائد، وكان الرقم مغلقاً، فتأكد لي أن اللواء سقط. اتصلتُ بحمود سعيد قلت له: "مبروك اللواء سقط.. الانزالات ستكون إلى عندك، والتجنيد سيكون عبرك فقط.. لا تسمحوا بقتل عبدالرقيب عبدالوهاب مرتين". قال: "اللواء فيه دبابات، وهل ندافع عن الدبابات إحنا؟! قُلْتُ له: "السلاح خرج كله، والدبابات انتشرت، لكن الآن ليس وقت العتب.. فقط واصلوا في المعركة وسنكون جنوداً معكم لتحرير تعز". قال: "تعال نتكلم"، فرفضتُ. أخذت من أحد الأصدقاء فلوس سلف، تُمَكِّنني من مغادرة مدينة تعز، وبقيت أتواصل مع الكثير من قيادات تعز، وأقول لهم: "لا تسمحوا بقتل عبدالرقيب عبدالوهاب مرتين..". تنكرت، قرب وقت الغداء غادرت على متن دراجة نارية من "بئر باشا" باتجاه خط الحديدة، وخرجت مفرق شرعب باتجاه القرية، وأولاد عمي بدراجة ثانية كحراسة. وأثناء مروري كُنْتُ أرى منهوبات اللواء في أيدي الحوثيين، ويحترق
دمي وقلبي.. وكُنْتُ لا أفكر إلا في القائد الذي إن خسرناه فتلك ستكون خسارة كبيرة وفادحة.
وصلت، عصراً، إلى البيت في القرية. كنت في كل لحظة، أتصل وتلفونات القائد كلها مغلقة. وفتحت تلفوني بعد العصر، وإذا برسالة تصلني من القائد، قال فيها: "أنا بخير". أرسل لي تلك الرسالة من رقم غير معروف إلا لقلة، كُنَّا قد اشتريناه مؤخراً. وفي نفس الوقت، اتصل بي الأستاذ عبدالله نعمان، يطمئن عليَّ، وقال لي: "اطمئن صاحبك بخير". اتصلتُ به على الرقم غير المعروف، وزدتُ اطمئناناً أنه بخير. رتبت العودة إلى تعز مع الفجر، وعدتُ إليها.. كان أول لقاء لي به، بعد خروجه من مقر اللواء، عند إسعافه، بعد أيام، إلى أحد مستشفيات المدينة للعلاج.. وعرضناه على الطبيب، وكان معه بطاقة باسم مستعار (عادل ..)، وكان لقبه الحركي "أبو البُنّ"، كما أطلقه عليه (ي. ق)، بعد أن التقاه، قبل ذلك، في معسكر المطار.