كُنْتُ مع القائد عدنان الحمادي .. الصحفي أحمد الوافي يواصل شهادته ويروي تفاصيل تشكيل المجلس العسكري بتعز(4)
الاحد 05 يناير 2020 - الساعة 01:24 صباحاً
المصدر : نقلا عن صحيفة "الشارع" اليومية
- نَسَّقتُ لأوَّل لقاءٍ تمَّ بين القائد الحمادي والأستاذ عبد الله نعمان، واتفقا على تشكيل مجلس عسكري
- اقترح "نعمان" تشكيل المجلس من الحمادي والشمساني وصادق سرحان، واقترح القائد إضافة الشِّرَاجِي
- أرسلني القائد إلى صادق سرحان، وأبلغته الأمر، وحدَّدنا موعداً للقاء يجمع الأربعة
- اجتمع الأربعة في البيت الذي كان فيه القائد بحضور عسكريين آخرين وعبدالله نعمان
- اقترح القائد أن يكون التشكيل في المجلس العسكري وفق الأقدمية، فأصبح صادق سرحان هو الرئيس
- ذهبتُ أنا وصادق سرحان إلى الشيخ حمود، وأبلغناه الأمر، فامتعض، واقترح أن تكون صفته: "عضو المجلس العسكري، قائد المقاومة الشعبية"
- في اليوم الثالث، تفاجأنا بإعلان تشكيل مجلس المقاومة برئاسة حمود سعيد، وعضوية آخرين بينهم صادق سرحان
- إعلان تشكيل مجلس "المقاومة"، كان بمثابة استباق لقطع الطريق أمام نجاح المجلس العسكري المرتقب
- في اليوم الثالث، تم الاجتماع في نفس البيت، وكان سمير الحاج حاضراً، وقدَّمه العميد يوسف
- الشِّرَاجِي جاء الاجتماع الثاني، ومعه سمير الحاج، واقترحه ناطقاً رسمياً للمجلس العسكري
- حاول الشِّرَاجِي تقديم العقيد القحطاني ليكون مسؤولاً مالياً للمجلس العسكري، لكن القادة لم يوافقوا
- العميد الحمادي وقف خلف تشكيل المجلس العسكري في تعز، وكان حزب الإصلاح لا يريد ذلك
- قال لي الحمادي: "أنا أعرف أن الإصلاح رافض لتشكيل المجلس، ورافض للشغل العسكري المهني الدقيق.. لكن مش وقت الخلافات فيما بيننا.."
- قُلْتُ له: "يا فندم، ليش أنت مش إصلاحي؟!". قال: "لا يمكن لعسكري أن يكون حرّاً وشريفاً، ويتلقى أوامره من مدني لا يمثل أيَّ سلطةٍ تنفيذية عليا.."
بعد أن تمكَّن العميد الركن عدنان الحمادي الخروج من معسكر المطار القديم، بقى أياماً متخفَّياً في مدينة تعز، ثم توجّه إلى أحد مستشفيات المدينة لعلاج الإصابة التي حدثتْ لرِجْلَه. التقيته في المستشفى. كانت رِجْلَه بحاجة لتجبيس، فأجرى له الأطباء هذا الأمر.
كان بجانبه، في المستشفى، رزاز المخلافي، وقال لي، إنه معه، وإنه يعيش في مكان آمن. فضَّلتُ ألَّا أذهب معه كي لا يركزوا على مكانه، وبقينا على تواصل لأيام. حاول حزب الإصلاح عزله من خلال إبقائه في منزل، تحت مبرر الاحتياط الأمني، وكان الغرض من ذلك أن يبقى معزولاً، وأن يبقى عاجزاً عن الوفاء لأفراده الجرحى والشهداء والأسرى. لكنَّه كان على تواصل معي، وطلب مني أن أُكَثِّف زياراتي له. قال لي: "استخدموا كل علاقاتكم للضغط على الشرعية لتسليمنا الدعم، كي أتواصلَ مع أفرادي، وأُعِيدَ تجميع اللواء".
كان هناك نشاط موازي يقوم به الشهيد محمد القدسي، وعبدالرحمن المقطري، والعميد جمال الرباصِي في مدينة التربة، لمناقشة إنشاء مجلس عسكري.. وفي اليوم نفسه سألني الأستاذ عبدالله نعمان: "ما رؤية صاحبك (يقصد القائد)؟ قلتُ له: "سَيُدِير عملاً عسكرياً، لكن الشرعية لم تتواصل، ولم تعطهِ مستحقات الشهداء والجرحى..". قال الأستاذ عبدالله: "ممكن تطرح عليه فكرة مجلس عسكري يتشكل من الثلاثة القادة العسكريين؛ الحمادي، والشمساني، وصادق سرحان؟". وقلت للأستاذ عبدالله: "هو يسعى إلى ذلك، وهناك تحرُّك من أجل هذا الأمر من قبل الفندم جمال الرباصي، والشهيد محمد القدسي، الذين ذهبا إلى التربة، والتقوا بالعميد عبد الرحمن الشمساني من أجل هذا الأمر"، وقال لي الأستاذ عبد الله: "با نجلس معهم"، وجلسوا مع بعض.
طلب مني الأستاذ عبدالله نعمان مقابلة العميد عدنان الحمادي، ونَسَّقْتُ للقاء، الذي جرى في بيت رزاز المخلافي. كان ذلك هو أول لقاء له مع القائد، واتفقوا على المضي في تشكيل مجلس عسكري، وقال الأستاذ للقائد: "دُورَنا كسياسيين دعم جهودكم العسكرية"، وأقترح العميد الحمادي أن يكون المجلس العسكري مكوناً من أربعة بينهم العميد الركن يوسف الشراجي، نائب رئيس العمليات العسكرية في وزارة الدفاع.
أرسلني القائد إلى العميد صادق سرحان، وأبلغته الأمر، وحدَّدنا موعداً لقاء يجمعه بالقائد. وتواصل القائد بالبقية، وفعلاً تم اللقاء في بيت رزاز المخلافي، حيث كان يسكن العميد الركن عدنان الحمادي. حضر اللقاء العميد صادق سرحان، والعميد عبدالرحمن الشمساني، والعميد يوسف الشراجي، والعميد عبدالله حيدر، والعقيد وليد الذبحاني، والعقيد عبدالغفار السوائي، والعميد جمال الرباصي.. وأنا حضرتُ اللقاء، يومها.. وجلس الأستاذ عبدالله نعمان معهم نحو ربع ساعة تقريباً، وقال لهم: "مقترحي أن يتم تجميع كل لواء من الألوية إلِّي أنتم قادتها، ومعَيَّنِين من الرئيس هادي في قيادتها، وتستوعبوا العسكريين في تعز، بحيث يكون اللواء ٢٢ ميكا في شارع الستين، ومهمته التوجه نحو الشرق حتى "مفرق الذَّكَرَة"، وقطع خطوط الإمداد لمليشيا الحوثي، واللواء ٣٥ مدرَّع يكون في غرب مدينة تعز، ويكون مهمته التوجه نحو الغرب حتى منطقة الرُّبِيعِي وباتجاه الدِّمنة، واللواء ١٧ يجمع قوته في التربة وتكون معركته نحو المخا لتأمين خط إمداد بحري، حتى يتم تأمين احتياجات المدينة، واحتياجاتكم العسكرية". أيضاً، قال لهم الأستاذ عبدالله نعمان: "إن المعارك اليوم في المدينة ستدمّر المدينة، وسنعطي العدو ما يرغب فيه من دمار، وعلينا إبقاء الجبهات هنا خطوط دفاع فقط، وفتح المعارك على خطوط الإمداد الخاصة بالعدو.. أنتم مهامكم كعسكرين العمل العسكري، ومهام السياسيين والمدنيين دعمكم بالضغط لتوفير احتياجاتكم من القيادة، والإسناد الشعبي". وكان القائد عدنان الحمادي قد تحدَّث عن سقوط وشيك لتعز؛ إذا ما استمرَّتْ المواجهة بتلك الآلية الفوضوية التي أسَّسَتْ لما نحن عليه في تعز.
ما يميَّز القائد عدنان الحمادي عن غيره من القادة، هو أنه كان ينظر إلى كل أبعاد المشكلة، في آن واحد، ليكون النصر الذي يريد؛ فكان، في عمله كقائد، ينظر إلى البعد الاجتماعي، والبعد الاقتصادي والبعد الإنساني، بجانب البعد العسكري.. هو قائد مثقف ويحمل مشروعاً وطنياً، وكان يعي تماماً الوضع وتعقيداته، ويخطو آخذاً في باله كل هذه الاعتبارات.
...
غادر الأستاذ عبدالله نعمان الاجتماع، وابتدأ العميد الحمادي الحديث.. اقترح، أن يكونَ التشكيل في المجلس العسكري وفق الأقدمية، وانطلاقاً من ذلك كان صادق سرحان هو رئيس المجلس، والحمادي والشمساني والشراجي أعضاء، ويكون الشراجي عمليات المجلس؛ لأن اختصاصه عمليات حربيه. في ذلك الاجتماع ناقشوا أمور عسكرية وإدارية كثيرة، واتفقوا على آلية التحرك، واقترحوا الجلوس مع الشيخ حمود سعيد المخلافي، وطرح الفكرة عليه حتى لا يكون هناك أيَّ حساسية. ذهبتُ أنا والفندم صادق علي سرحان إلى الشيخ حمود، وجلسنا معه، وتناقشتا في موضوع المجلس العسكري، وكانت مدينة تعز محاصرة من كل الاتجاهات، وكان لابد من فتح عمل عسكري من خارج المدينة.. كان امتعاض الشيخ حمود واضحاً، واقترح أن تكون صفته: "عضو المجلس العسكري، قائد المقاومة الشعبية..".
في اليوم الثالث، تمَّ الاجتماع في البيت نفسه، وكان سمير الحاج حاضراً، وقدَّمه العميد يوسف الشِّرَاجِي للقادة، واقترحه ناطقاً رسمياً للمجلس العسكري، وحاول تقديم العقيد القحطاني ليكون مسؤولاً مالياً، لكن القادة قالوا: "سنتناقش لاحقاً في هذا الأمر". يومها، تفاجأنا ونحن مجتمعون، بإعلان تشكيل مجلس تنسيق المقاومة الشعبية في تعز برئاسة حمود سعيد المخلافي، وضمَّ اسم صادق سرحان عضواً فيه، وأسماء عسكريين آخرين محسوبين على أطراف سياسية عدَّة لشرعنة مجلسهم. وكان هذا الأمر بمثابة استباق لقطع الطريق أمام نجاح المجلس العسكري المرتقب. كنت أنا أُعَبِّر بصريح العبارة عن موقفي، وكنت أقرأ موقف العميد الحمادي من تعابير ملامح وجهه التي تستحسن ما أقوله، لكن المعركة والموقف لا يستدعي الاختلاف من وجهة نظره.. طبعاً، تم تشكيل دوائر المجلس العسكري، وكنت أنا ضمن التشكيل معهم، دون أن أطلب ذلك.. تم تكليفي رئيساً لدائرة الإعلام والعلاقات العامة في المجلس العسكري، وعضواً مدنياً فيه.. لم تكن الحزبية على بالنا وخاطرنا.. بل أني والله كُنْتُ أتعامل مع العميد الحمادي معتقداً أنه إصلاحي، بحسب ما قال لي أحد الأشخاص.. لكن لم يكن يفرق معنا، ولم نكن نحكم على الناس انطلاقاً من انتمائهم السياسي، بل بما يفعلوه. وبالنسبة لي كان يكفي أن العميد عدنان الحمادي وطني مخلص، ورجلاً صادقاً، وبطلاً حقيقياً عمل وقاتل من أجل الدفاع عن تعز. وفوق هذا كان القائد الحمادي منفتحاً على الجميع. وكنت استغرب أن يكون إصلاحي بهذه المواصفات.
لم أكن أعرف أن إدخالي في المجلس العسكري، مع رزاز المخلافي (إصلاحي)، وعبدالرحمن المقطري (اشتراكي)، تم على أساس حزبي، كتواجد تمثيلي حزبي في المجلس، وكنت أعتقد أن ذلك تم بناء على نشاطنا فقط، خصوصاً وأنه لم يتم ذكر التمثيل الحزبي، أو حتى التلميح له. وحينما عرفتُ، فيما بعد، من العميد عدنان الحمادي أنه كان مقترح لتحفيز الأحزاب للعمل على إسناد المجلس العسكري، لم أعد، على الإطلاق، أُقَدِّم نفسي بأنني عضواً في المجلس العسكري، بل أنني كُنْتُ أخجل من قبولي الأمر، ولم أخبر أحداً بذلك حتى قَدَّمتُ استقالتي في منطقة "الضباب"، وكانت تلك هي المرة الوحيدة التي استخدمتُ هذه الصفة، ولأسباب أوردتها، وهي الأسباب التي كنت أرى فيها الواقع السوداوي الذي نعيشه ونراه اليوم..
...
في إحدى المرات، قال لي العميد الحمادي، ونحن بمفردنا: "خَفِّفْ من حِدَّتَك في الطَّرح.. أنا أعرف أن حزب الإصلاح رافض لتشكيل وقيام المجلس العسكري، ورافض للشغل العسكري المهني الدقيق.. لكن مش وقت اختلاف.. وخلافات فيما بيننا..". فقُلْتُ له: "يا فندم، ليش أنت مش إصلاحي؟!". قال: "لا يمكن لعسكري أن يكون حراً وشريفاً، وأن يكون حزبياً في الوقت نفسه، ويتلقى أوامره من مدني لا يمثل أي سلطة تنفيذية عليا..". سُعِدْتُ كثيراً بسماع ذلك منه. كان هذا في "فندق دبي"،
بعد أن خرج من بيت رزاز المخلافي، وكنا نستكمل جلسات اجتماعات المجلس العسكري في بيت عبدالرحمن المقطري، في منطقة المَسْبَح، وتم الإعلان رسمياً عن تشكيل المجلس. وقبلها كان القائد عدنان مع مقترح ضَمَّ حمود سعيد عضواً في المجلس العسكري، مع بقائه قائداً للمقاومة الشعبية.. وتواصلنا معه وأقنعناه بالأمر، ووافق على مضض.
...
تمَّ الإعلان رسميَّاً عن تشكيل المجلس العسكري في بيان رقم ١. وأتشرف بالاحتفاظ بمحاضر الاجتماعات التي جرتْ من أجل تأسيس المجلس العسكري.. مازالتْ عندي حتى اليوم، ولم يطلبها أحد القادة مني؛ لأنهم كانوا، للأسف، يُجَارونا في هذا الأمر مجاراة، ولم يكونوا يرغبوا في تشكيل مجلس عسكري، وهنا أقصد الإصلاح والقادة المحسوبين عليه.
كان هناك وعداً من رئيس الجمهورية بدفع مبالغ مالية كدعم للمجلس العسكري، وقال لهم: "اجمعوا ألف أو ألفين شخص (مقاتل) على الأقل ورواتبهم ومستحقاتهم موجودة". وتفاجأنا بأن الكلام كلَّه هراء.. حاول العميد الحمادي، والعميد يوسف الشراجي، التواصل مع رئاسة هيئة الأركان العامة في وزارة الدفاع، ومع شخصيات مقربة من "هادي" في الرياض، لاستجلاب الدعم الموعودين فيه، حيث كان المجلس العسكري هو أول تشكيل عسكري معلن في تعز للدفاع عن الشرعية بعد اللواء ٣٥ مدرَّع. لكن لم يحصل ذلك، ولم يلتفت "هادي"، ولا "المقدشي"، إلى المجلس العسكري في تعز، بل إن "المقدشي" أعلن، بعد إعلاننا تأسيس المجلس العسكري بأسبوع واحد، منادياً العسكريين، جميع أفراد الجيش الوطني في كل المحافظات، وآمراً لهم بالذهاب إلى مأرب، في حين لم تكن هذه (مارب) قد تَتَحرَّر من مليشيا الحوثي حينها، ولم تكن قد بدأتْ معارك التحرير فيها!
تحدَّثتْ مع العميد الحمادي، وقُلْتُ له: "ماذا يعني هذا الإعلان الذي أطلقه المقدشي، وبهذا التوقيت؟!". قال: "يعني رفض الجماعة إلِّي فوق لأي بناء عسكري على أسس وطنية". اتصلنا بقادة المجلس العسكري، والتقينا في منزل عبدالرحمن المقطري، وقُلْتُ أنا لهم إن "إعلان المقدشي" بمثابة مؤشر لقياس ردِّ فعل كل القادة العسكريين الوطنيين الذين هُمِّشُوا واُقصُوا على مدى عقود، لمعرفة ما إذا كانوا سيقبلون مرحلة جديدة من الإقصاء والتهميش، أم أن حساسيتهم ارتفعت، ولم يعودوا قابلين بذلك؛ انتصارً لحقوقهم، وانتصاراً لمبادئ الدولة التي ننشدها وفق مخرجات الحوار الوطني، كأدنى حدٍّ من المرجعيات الضامنة لحقوقنا.. وطالبتهم بإرسال رسالة إلى "المقدشي" يُطالبوه فيها بأن يعتذر عن إعلانه، وأن يعلن أنه على العسكريين من أبناء تعز أن يتوجهوا إلى المجلس العسكري في محافظتهم، للدفاع عنها وعن مدينتهم وعن أهلهم، ثم التحرك للدفاع عن الوطن.. وتم المراوغة من قبل قيادات المجلس المحسوبين على علي محسن، ثم رفضوا بالواضح، وقالوا، إن الضغط لجلب الإمكانات هو أفضل من أيَّ إعلانٍ.. وكأنهم يعرفون تماماً أن الدعم لمجلس عسكري لن يأتي؛ لأن "هادي" بدأ الدخول في مرحلة العزل عن الواقع من قبل الجماعة، ولا تصل إليه أحداث ما يجري في الواقع، وربما لا يعلم عن معارك معسكر المطار القديم، وعن بطولات اللواء ٣٥ مدرَّع، وعن الحمادي، الذي اتصل به أكثر من مرة، حينها، و لا يعرف ماذا يعني له وللشرعية وللدولة وللجيش كأول قائد يعلن معركة الدفاع عن الشرعية، على الأقل في شمال الوطن.
كنتُ لا أتردد في طرح كل آرائي ومواقفي لقادة المجلس العسكري، كمجرد رأي، وكان يبقى القرار لهم، لكن كنتُ أتناقش مع العميد الحمادي، في الفندق، أو في أماكن أخرى، عن مواقفي وآرائي وتطلعاتي، ولم أكن أجد خلافاً بيني وبينه في وجهات النظر، بل في طريقة طرح تلك الآراء والموقف. وكُنْتُ أشعر أن آرائي وتطلعاتي كانت تُلَبِّي ما يريده القائد.
جمعتني بالقائد لحظات تاريخية، وهو الذي كان يعاني كثيراً من عجز الإمكانات حتى وصل الحال إلى أنه لم يكن يجد مصاريفه الشخصية، في حين كانت قيادات المجاميع التابعة لحزب الإصلاح، وحمود سعيد، وإلِّي معظمهم كانوا مطلوبين أمنياً وقُطَّاع طُرق وناهبين أراضي، يوفرون ملايين من الأسماء الوهمية في كشوفات رواتب مقاتليهم، وهم في مواقع أطراف المدينة يخوضون حرب التقدم والتراجع التي تدار بريموت مطابخ السياسة ودهاليزها، التي لا يعرفها جُلَّ الناس، وهي صراعات كبااار، ويذهب ضحيتها خيرة رجال اليمن، في تجارة حروب لا يفهمها إلا من وعى أو اكتوى.
تقاسمنا لقمة العيش سويّاً، وكان القائد الحمادي كلما توفرتْ له فلوس يُسَارِع إلى الاتصال بجريح أو بأسرة شهيد أو أسير، ويرسل لها مصاريف. كنَّا نقضي ساعات في نقاش مستقبل تعز، وعن الفرصة التي كانت مواتية لتعز، ولكل اليمن، في بناء مؤسسة عسكرية حقيقية تكون فيها معايير القيادة للكفاءة والأقدمية. كان القائد يعي تماماً كل الاختلالات الحاصلة في المؤسسة العسكرية، ولديه رؤية لمعالجة تلك الاختلالات، لكن رؤيته كانت بحاجة إلى حامل شعبي وسياسي، في نفس مستوى قدرته وصدقه. تناقشنا حول حصة تعز من التجنيد، وقلت له
رأي أن من يُقاتل في المقاومة وتنطبق عليه معايير التجنيد فله الأولوية في التجنيد، وما تبقى من حصة تعز فيجب إعلان التجنيد وفق معايير يتم فيها مراعاة تمثيل كافة المديريات، لاسيما التي لا تتواجد في السلك العسكري، كمديريات الساحل، وبعض مديريات ريف الحجرية، أما شرعب وجبل حبشي فنسبة التجنيد فيها كبيرة، فتكون نسب التجنيد منها أقل.. فيجب إيجاد صيغة عادلة تعطي الفرص للجميع، كي يكونوا متواجدين في المؤسسة العسكرية.. وكنَّا نتحدَّث عن أرقام صغيرة للتجنيد، وليستْ هذه الأرقام الكبيرة التي صارتْ اليوم؛ إذ يبلغ عدد المنتسبين للجيش في تعز 45 ألف فرداً، كما تقول المعلومات، وهذا رقم كبير جدّاً جدّاً. وكان القائد يقول لي: "دَوِّن هذه الملاحظات واجمعها".