خارطة طريق لاستعادة الدولة: خطوات استراتيجية لمواجهة الأزمات
الاحد 01 ديسمبر 2024 - الساعة 08:10 مساءً
خالد ابو خولة
مقالات للكاتب
بالنظر إلى الوضع الراهن في اليمن، الذي يشهد أزمة سياسية واقتصادية خانقة، يصبح من الضروري أن توحد جميع القوى الوطنية جهودها لمواجهة الميليشيات الانقلابية والكهنوتية، واستعادة الدولة كأولوية استراتيجية يجب أن تتقدم على أي مشاريع أخرى مهما كانت المصالح الضيقة المرتبطة بها. في ظل غياب الدولة المختطفة، يصبح من المستحيل تحقيق أي مشروع سياسي أو اجتماعي، إذ إن استعادة الدولة هي شرط أساسي لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني. وفي وقت يهدد فيه وجود الميليشيات الدولة نفسها، فإن السماح بأي تباين أو صراع بين المكونات السياسية يعتبر خيانة وطنية.
تداعيات الصراع الداخلي على الشرعية
إن المشاريع المتباينة التي تسعى لاستعادة السلطة أو فرض واقع سياسي جديد، سواء عبر اغتنام الدولة أو فك الارتباط عنها أو إعادة بنائها بشكل اتحادي وفق مخرجات الحوار الوطني، لا يمكن تنفيذها إلا بعد استعادة الدولة نفسها. في الوقت الذي تعيش فيه اليمن حالة من الصراع الداخلي، فإن استمرار التمسك بمشاريع مختلفة لا يؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات بين المكونات السياسية، وهو ما يساهم في إضعاف الشرعية ويؤدي إلى صراع محموم على النفوذ بين القوى المختلفة. هذا الوضع، في النهاية، يقدم خدمة مجانية للميليشيات الانقلابية، حيث يمنحها فرصا أكبر لتوسيع نفوذها على الأرض وفرض مشروعها العنصري على المجتمع اليمني.
التهديدات الاقتصادية: خطر على استعادة الدولة
من جهة أخرى، يهدد الانهيار الاقتصادي في اليمن معركة التحرير واستعادة الدولة بشكل مباشر، إذ إن تدهور الوضع المالي يتسبب في تدهور الخدمات الأساسية ويعطل استقرار المجتمع. إن الوضع الاقتصادي المزري، وخصوصا تدهور قيمة العملة الوطنية، يعوق أي محاولة لتحقيق استقرار أمني واجتماعي. بل إن استمرار هذا التدهور قد يؤدي إلى انهيار ما تبقى من ملامح الدولة، ويزيد من مخاطر التشظي والانقسام بين مختلف الأطراف اليمنية.
دور القيادة الشرعية في تجاوز الأزمات
في هذه الظروف الاستثنائية، تبرز أهمية الدور الذي يجب أن تضطلع به قيادة الشرعية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي، في اتخاذ خطوات حاسمة لإعادة بناء الدولة واستعادة الاستقرار. من خلال تفعيل مؤسسات الدولة وتوحيد الجهود، يمكن تجاوز الأزمات الراهنة. في هذا السياق، تظهر بعض الإجراءات المهمة التي اقترحها الأستاذ عادل العقيبي، أمين سر فرع التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، كإجراءات أساسية لتجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، ويمكن اعتبارها خارطة طريق للمرحلة القادمة.
إجراءات استراتيجية لإعادة بناء الدولة
1. عودة مجلس القيادة الرئاسي إلى عدن: من المهم أن يعود مجلس القيادة الرئاسي إلى العاصمة المؤقتة عدن ويباشر عمله من هناك. ويجب على أعضاء المجلس أن يتخلوا عن أي مسؤوليات أخرى يتولونها، لأن الجمع بين المهام التنفيذية والمهام الاستراتيجية للمجلس قد يعيق القدرة على الوفاء بالمسؤوليات الوطنية.
2. عودة أعضاء مجلس النواب والحكومة إلى الداخل: ينبغي على مجلس النواب والحكومة العودة إلى الداخل واستئناف أعمالهم من عدن. وهذا سيسهم في استعادة قدرة المؤسسات على العمل وفق الدستور والقوانين النافذة، ويضع أساسا قويا لإعادة بناء المؤسسات الحكومية وفق مخرجات الحوار الوطني.
3. تشكيل حكومة وطنية مصغرة: يجب تشكيل حكومة وطنية مصغرة تتمتع بالكفاءة اللازمة لمواجهة التحديات الراهنة. الحكومة الجديدة يجب أن تركز على استعادة سيادة الدولة، معالجة الأزمة الاقتصادية، وتحقيق الاستقرار الأمني في المناطق المحررة.
4. مكافحة الفساد: من الأولويات الكبرى التي يجب أن تتبناها الحكومة القادمة هو مكافحة الفساد، وذلك من خلال فرض رقابة صارمة على الإنفاق الحكومي، وتنظيم الميزانية بشكل شفاف، وتحقيق مصادر تمويل آمنة ومستدامة.
5. استئناف تصدير النفط والغاز: ينبغي استئناف تصدير النفط والغاز بأسعار عادلة، مع ضمان تأمين المنشآت الحيوية ومنع التهريب. وهذا يشكل مصدرا رئيسيا للدخل الوطني ويساهم في دعم استقرار الاقتصاد.
6. تقليص السفارات والبعثات الدبلوماسية: من الضروري تقليص عدد السفارات والبعثات الدبلوماسية لتقليل التكاليف، مع الحفاظ على الحضور الدبلوماسي المطلوب.
7. إعادة تشكيل الهيئات الرقابية: يتعين إعادة تشكيل الهيئات الرقابية، مثل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ولجنة المناقصات، بحيث تضم أفرادا ذوي كفاءة ونزاهة، وتمكينها من القيام بدورها في ضبط الأنشطة الحكومية.
8. دعوة للحوار الوطني: يجب على رئيس مجلس القيادة الرئاسي دعوة المكونات السياسية للحوار، لوضع برنامج إنقاذ وطني يتضمن تحديد الأولويات والمهام التنفيذية لاستعادة الدولة وتوحيد الجهود لمواجهة الانقلاب.
9. تعديل ميزان القوة السياسي والعسكري: يتطلب الوضع الراهن تعزيز القدرة العسكرية والسياسية للشرعية، من خلال بناء نموذج حكم يلبي احتياجات المواطنين، ويعزز الشرعية السياسية في مواجهة الميليشيات الانقلابية.
10. التدخل العاجل لحل الأزمة الاقتصادية: أخيرا، يجب أن تكون هناك تحركات عاجلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية، خصوصا انهيار العملة الوطنية، حيث إن عدم التدخل الجاد سيؤدي إلى تآكل شرعية الحكومة ويزيد من مخاطر انهيار البلاد.
إن المستقبل السياسي والاقتصادي لليمن يتوقف على تنفيذ هذه الخطوات الجريئة والمسؤولة. يجب أن تكون مصلحة الوطن والمواطن هي الأولوية القصوى في المرحلة القادمة. وفي حال فشلت القيادات السياسية في توحيد الصفوف والتعامل بجدية مع الأزمات الاقتصادية والسياسية، فإن البلاد قد تظل مهددة بمخاطر أكبر من الانهيار والتشظي.