التوجيه المعنوي لمحور تعز.. منهج فكري في سبيل تفخيخ العقول (الحلقة الأولى)
الخميس 23 يناير 2020 - الساعة 08:48 مساءً
المصدر : متابعات
بعد الانقلاب الذي قامت به جماعة الحوثيين على الدولة في سبتمبر 2014، نجح الانقلاب بالقضاء التام على مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية، وفي نهاية مارس 2015 بدأ التدخل العسكري الذي قادته دول التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، والذي قدَّم دعماً عسكرياً لفصائل المقاومة وما تبقى من ألوية عسكرية حافظت على شرفها العسكري وقرَّرت الدفاع عن الوطن في مواجهة الانقلاب.
إثر ذلك أصدر رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، قراراً بدمج المقاومة في الجيش، وتم إعادة بناء المؤسسة العسكرية لكن بطريقة مخالفة للمعايير والأسس العسكرية المتعارف عليها، وهو ما تسبب بحالة من العبث داخل الجيش الذي بات جيشاً متعدد الولاءات.
كان حزب الإصلاح من أبرز العابثين بالجيش، حيث عمل على الاستحواذ عليه بشكل شبه كامل، ونجح في هذه المهمة، حيث سيطر على القيادة العليا للجيش، بالإضافة للسيطرة التامة على عدد من المحاور العسكرية وأبرزها محور تعز.
في إطار سيطرة حزب الإصلاح على محور تعز قام بتعيين يحيى الريمي ”مدني تربوي” مديراً لشعبة التوجيه المعنوي في قيادة المحور ومنحه رتبة ”عقيد” بعد أن شغل منصب قائد القطاع الثاني في اللواء 22 ميكا.
تحت قيادة الريمي -المُتهَم بالانتماء لتنظيم القاعدة- لشعبة التوجيه المعنوي بمحور تعز تم ”تفخيخ العقول” بالأفكار المتطرفة والتي لا تمتُّ للتربية العسكرية بصلة.
سنستعرض في هذا العرض ما تضمنه واحد من الإصدارات الفكرية التي صدرت عن شعبة التوجيه المعنوي بمحور تعز، وهو الكتاب المعنون بــ”الإعداد الفكري للمقاتلين للعام 2018”، وما تضمنه من خطاب ديني وأفكار متطرفة، حيث حصلنا من مصادرنا الخاصة على نسخة من الكتاب الذي يُعرَّف -كما جاء على غلافه الرئيسي- بأنه ”وثيقة عسكرية يحرم تداولها خارج إطار القوات المسلحة”.
إهداء الكتاب الذي تقع عليه عيناك في الصفحة الأولى يعطيك انطباعاً أولياً عن مضمون الكتاب، فقد تضمن الإهداء مفردات ”مرابط، سبيل الله، مجاهد، الجنة...“، بينما لم يتضمن مفردة ”الوطن” ولا ”الشعب” ولا ”الجيش” ولا ما يشير إليها.
في الكلمة التوجيهية لقائد محور تعز اللواء الركن خالد فاضل، قال إنّ التاريخ يسجل سفراً جديداً من كفاح القوات المسلحة التي جسدها المقاتلون دفاعاً عن ”العقيدة”، كما أكد أنه ”ازداد غبطة وثقة وطمأنينة وهو يتصفح كتاب ”الإعداد الفكري للمقاتلين للعام التدريبي والعملياتي والإعداد المعنوي 2018 بموضوعاته المتنوعة” التي وصفها بأنها ”تأتي ملبية للطموحات المنشودة، ومتوائمة مع توجيهات القيادة السياسية والعسكرية لتحقيق بناء عسكري حديث يتطور على كل المستويات”.
ولا شك فإنَّ ”غبطة وثقة وطمانينة” قائد محور تعز بما تضمنه الكتاب تجعل الفضول يتزاحم لدى القارئ في معرفة محتوياته.
حين تطالع الفهرس ستجد عناوين متعددة تعطيك انطباعاً أوسع عن الأفكار التي يحتويها الكتاب، فتجد مثلاً ”تزكية النفس، الجهاد أهدافه وفضله وضوابطه، قرون الشيطان، حرمة المال العام في الإسلام”، فتدرك أنك أمام كتاب لا يمت للجيش الوطني والتوجيه المعنوي بصلة، بل تتخيل أنك أمام واحد من إصدارات تنظيم ”داعش”.
بدأ الكتاب بفصل خاص بعنوان ”تزكية النفس” وهو عبارة عن مواعظ دينية تم إعدادها من وجهة نظر فكرية خاصة بمن قام بإعدادها، ولنأخذ مثلاً في الصفحة رقم 9 يتحدث الكتاب عن ”الأسباب التي جعلت الحاجة للتزكية أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب والكساء” وأهم هذه الأسباب، كما يقول الكتاب، ”كثرة الفتن والمغريات وأصناف الشهوات والشبهات، فحاجة المسلم الآن -لا ريب- إلى البناء أعظم من حالة أخيه أيام السلف، والجهد -بالطبع- لا بد أن يكون أكبر، لفساد الزمان والإخوان، وضعف المُعين، وقلة الناصر”، وهذه الفقرة تقود إلى أنّ مُعدّي الكتاب ينتمون لمدرسة السلفية الجهادية التي أسسها سيد قطب وقامت على ”التكفير والجهاد” فاعتبرت أنّ الأمة جاهلية يجب قتالها لإقامة المجتمع المسلم، وهو منهج جماعة الإخوان المسلمين.
كما يتحدث الكتاب عن مصطلح ”التمكين” الذي دائماً ما يعد قادة الإخوان المسلمون به أتباعهم، فيتم سرد المصطلح ضمن أسباب الحاجة للتزكية والواردة في نفس الصفحة، حيث ذكر أنه من الأسباب ”عدم العلم بما نحن مقبلون عليه، أهو الابتلاء أم التمكين؟”.
والملاحظ أن الكتاب -الذي قامت بإعداده شعبة التوجيه المعنوي في محور تعز- يهدف إلى بناء “مجاهدين” وليس ”مقاتلين”، وهذا المصطلح ارتبط دوماً بالجماعات التي تقاتل في إطار منهج ديني يقوم على تقسيم الناس إلى مؤمنين وكفار، وهو ما دأبت على استخدامه الجماعات والتنظيمات التكفيرية.
فيتحدث الكتاب في صفحة رقم 16 عن ”الجهاد” الذي حدد الكاتب مراتبه بأنها ”جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين” ثم يفصل في مراتب كل مرتبة على حدة، فيصف -مثلاً- من يستكمل مراتب جهاد النفس بأنه صار من ”الربانيين”.
وفي نفس الصفحة والصفحة التي تليها يتحدث عن ”أهداف الجهاد في الإسلام” ويجملها في خمسة أهداف تغيب فيها الدولة والوطن والشعب والقانون، فأهداف الجهاد من وجهة نظر مُعدّي الكتاب هي: ”الحفاظ على كيان الأمة المادي والمعنوي وحراسة دينها ودنياها من عدوان المعتدين، ومنع الاضطهاد في الدين ورفع أساليب الضغط والإكراه المادي والأدبي عن الناس وتأمين الحرية للدعوة والدعاة، وإنقاذ المستضعفين من ظلم الجبارين وتسلط المستكبرين في الأرض بغير الحق، وتأديب ناكثي العهود والمواثيق، وفرض السلام الداخلي في الأمة بالقوة إذا استدعى الأمر”.
ويلاحظ أنّ الكتاب التزم بنفس الخط الذي يسلكه الخطاب الترويجي والتوجيهي لكل الجماعات والتنظيمات التكفيرية والإرهابية، حيث يؤصل لثقافة الموت والقتل تحت مسمى ”الاستشهاد” ثم يغدق بالوعود بالحصول بعد الموت على الأشياء التي يفتقدها الشباب اليوم عبر خطاب تحفيزي يخاطب الغرائز، فالشاب الذي يكافح عمره كله في سبيل توفير تكاليف الزواج يتم وعده بالزواج بثنتين وسبعين من ”حور العين”، لتتحول هؤلاء ”الحور” إلى الرابط المشترك في الخطاب التحفيزي بين كل الإرهابيين الذين ينتمون لمصدر ومنبع فكري واحد.
فالكتاب يتحدث في صفحة 17و18 عن ”منزلة الجهاد ومكانته في الإسلام” مستدلاً لذلك بعدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، لينتقل للحديث عما يقول إنها ”سبع من الفضائل والبشارات للشهيد في حديث واحد” مستدلاً بالحديث الذي نصه ”ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث المقدام بن معدي كرب، رضي الله عنه أنه قال: إن للشهيد عند الله سبع خصال، يُغفر له في أول دفعة، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من فتنة القبر، ويأمن يوم الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه”.
يستمر الكتاب بخطابه الديني المسنود بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الحديث عن ”الجهاد” في صفحتي 18 و19 فيتحدث عن ”فضل الجرح في سبيل الله” و“فضل الرباط في سبيل الله” و“خطر القعود عن الجهاد” و“تغليظ إثم من فر من الزحف وولى الدبر”.
في الصفحة 19 يتحدث الكتاب عن ”ضوابط القتال في الإسلام” ويقول الكتاب بالنص ”إن هدف القتال في الإسلام يختلف عن أهداف أي نظام آخر من صنع البشر، فالناس يقاتلون من أجل المجد، أو القوم، أو الوطن، أو العنصرية، أو الحكم، أو الاستعلاء، أو الجنس، أو اللون، أو المال، أو المصلحة، أو المنفعة، أو الكرامة، أما المسلم فلا يجوز أن يقاتل إلا من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا..”، وهذه الفقرة تضع أكثر من تساؤل حول تقييم مُعدّي الكتاب للصراع في اليمن، هل هو صراع سياسي يهدف لاستعادة الدولة من الانقلابيين، أم أنه صراع ديني بين فئتين، فئة مؤمنة وأخرى كافرة؟
كما يتحدث الكتاب عما قال إنها ”الخطوط العامة لأسس إعداد المقاتل في الإسلام”، ويكفي أن نعرف أنَّ من ضمن هذه الخطوط التي وضعها الكتاب وذكرها في صفحة 21 وبالنص ”حب الموت، لأن الآخرة خير من الدنيا، ولأن القتال في سبيل الله حياة” لندرك أنَّ ”صناعة الموت” وصناعة داعش والقاعدة تتم عبر مُعدِّي هذا الكتاب والذي يعد مؤشراً لاختراق الجماعات التكفيرية للمؤسسة العسكرية في اليمن حتى باتت هي الآمر والناهي والموجه وصاحبة القرار أيضاً.