السفارة اليمنية في أنقرة.. بعثة دبلوماسية أم ماكينة جباية؟
الثلاثاء 11 فبراير 2025 - الساعة 12:42 صباحاً
في الأيام الماضية، تصاعدت شكاوى أبناء الجالية اليمنية في تركيا بشأن رسوم تجديد الجوازات والرسوم القنصلية الباهظة التي تفرضها السفارة، والتي يعتبرها كثيرون من أبناء الجالية غير قانونية، وغير مبررة، وغير معقولة. ومع ذلك، يبدو أن هذه الشكاوى تظل مجرد همسات في مواقع التواصل الاجتماعي والمجالس الخاصة، حيث يتفادى الجميع المواجهة المباشرة، وكأن الاعتراض على دفع هذه الجبايات أصبح جريمة يعاقب عليها القانون.
اللافت في الأمر ليس فقط فرض تلك الجبايات غير القانونية، بل الطريقة التي يتم بها تبريرها. فبينما يعاني اليمنيون في تركيا من ظروف اقتصادية خانقة، تبرر السفارة هذه الرسوم بأنها ضرورية لتغطية "تكاليف الخدمات". وهنا يطرح الناس سؤالا مشروعا: أي خدمات بالضبط؟ هل تم تحويل السفارة إلى شركة استثمارية تبحث عن أرباح؟ أم أنها مؤسسة دبلوماسية يفترض أن تخدم مواطنيها مجانا، وتُغطى جميع مصاريفها التشغيلية من الداخل، وكما هو في الواقع؟
الجالية: بين الحذر والتخاذل
في سياق متصل، حاولنا مرات عديدة حث رئيس الجالية السابق للحصول على موقف رسمي من الجالية حول هذه الجبايات التي أثقلت الكواهل، لكن الإجابة كانت تأتي دائما مخيبة للآمال.
الرئيس السابق قال لنا العام الماضي بوضوح: "لا نريد إدخال الجالية في صراع مع السفارة، أي تحرك للجالية سيحسب على الإصلاح"، وكأن الدفاع عن حقوق أبناء الجالية أصبح تهمة سياسية، لا واجبا مفروضا والتزاما أدبيا!
أما الرئيس الحالي، فلم ينكر وجود شكاوى، لكنه يشدد على ضرورة "تفادي التصعيد إعلاميا"، موضحا أن "هناك قنوات رسمية يمكن من خلالها مناقشة هذه القضايا". المشكلة أن هذه القنوات الرسمية المفترضة غير موجودة أساسا، حتى نستطيع العبور من خلالها!
الرئيس الحالي يفضل تفادي التصعيد إعلاميا.. يا له من موقف شجاع! ربما لو ارتفعت رسوم الجواز الواحد من 135 دولارا إلى ألف دولار، سيكتفي بتقديم مذكرة التماس مكتوبة بحبر سري، بينه وبين السفارة، مع رجاء حار بعدم قراءتها!
يبدو أن الجالية، سواء في السابق أو الحاضر، مكبلة بسلاسل الإصلاح، لذا تعتمد سياسة الهروب التام، والتي قد يعاد تعريفها لاحقا في قواميس المجتمع المدني على أنها: "نقابة بلا سقف نقابي".
الدفع الذي لا مفر منه
لم تكتف السفارة برفع رسوم المعاملات وحسب، بل جعلتها أقرب إلى عملية استنزاف منظم: مجرد إفادة عائلية تجاوزت قيمتها 100 دولار، رغم أن الأصل أن تكون مجانية! لكن يبدو أن السفارة تؤمن بمبدأ: "لا تعط شيئا بلا مقابل، حتى لو لم يكن من حقك أن تأخذ".
عندما سألنا م.ع أحد أبناء الجالية عن أسباب سخطهم، أجاب:
إذا كنت يمنيا في تركيا وتعتقد أن السفارة اليمنية هنا بعثة دبلوماسية وجدت من أجل خدمتك؛ وحسب، فدعني أصحح لك هذا الوهم الجميل. السفارة، يا عزيزي، ليست سوى مكتب جمع أموال تعمل بكفاءة عالية يحسدها عليها خبراء جمع الضرائب في العالم. الفرق الوحيد أن الضرائب تفرض عادة مقابل تقديم خدمة جيدة، أما في حالة سفارتنا، ندفع دم قلوبنا وفوق ذلك لا نجد إلا "الردود الباردة" حين نضطر للاستفسار عن معاملاتنا لدى القسم القنصلي. وفي ظل غياب إجابات واضحة، يبدو أن أبناء الجالية مطالبون بالبحث عن حلول جماعية عبر قنوات حكومية وقانونية، حيث أصبح الحفاظ على جواز سفر يمني ساري المفعول مكلفا أكثر مما ينبغي.
هذا الرد يلخص الواقع: هناك شعور عام بالاحباط والعجز الشديد، وكأن الدفع لحساب السفارة أصبح شرطا أساسيا للبقاء في تركيا.
إلى متى؟
يبقى السؤال الأهم: هل ستظل السفارة تبتكر الأتاوات بلا حسيب أو رقيب؟ وهل ستبقى الجالية مكبلة بسياسة حزب الإصلاح والتزاماته السياسية، بدلا من القيام بواجبها في العمل من أجل تخفيف الأعباء عن أبنائها؟
ربما يكون الحل الأمثل في تقيد البعثة الدبلوماسية برسوم الدولة المنصوص عليها قانونا، بدلا من أن يستيقظ أبناء الجالية كل يوم على فرض جبايات جديدة لم يكونوا يعلمون بوجودها، في انتظار اليوم الذي تفرض فيه جباية دبلوماسية على الهواء الذي يتنفسه الناس داخل مبناها!
في انتظار الإجابة، يبدو أن الأمور ستظل على حالها: كأنما قدر الإنسان اليمني أن تظل محفظته مفتوحة بلا قاع، يدفع، ثم يدفع مزيدا من الدفع الإضافي، لأن هذا قدره. يدفع وهو يعلم أنه ينهب، لكنه يواسي نفسه بأن هناك ربما من ينهب أكثر منه!