التوجيه المعنوي لمحور تعز.. منهج فكري في سبيل تفخيخ العقول (الحلقة الرابعة)
الخميس 30 يناير 2020 - الساعة 12:07 صباحاً
المصدر : متابعات
ما زلنا في مهمة استعراض الكتاب الصَّادر عن شعبة التوجيه المعنوي بمحور تعز والمعنون بـ”الإعداد الفكري للمقاتلين للعام التدريبي 2018”، وما تضمَّنه من أفكار وآراء متطرِّفة تؤكد نجاح الجماعات المتطرفة ذات الفكر التكفيري بالسيطرة على الجيش وقراراته.
يتعرَّض الكتاب إلى مبحث بعنوان ”أهمية الأخلاق والقيم في بناء الأفراد والأمم”، ويناقش من خلاله دور الإسلام في نشر القيم الأخلاقية، متحدثاً عن الصلاة والزكاة والصيام، ليصل إلى نتيجة توصل إليها وذكرها في صفحة 37 ومفادها كما وردت بالنص ”لا أدل على تأثير حسن الخلق في الواقع من انتشار الإسلام في كثير من بلاد المسلمين التي يزيد عددهم فيها عن 90% على يد التجار المسلمين الذين لمس الناس منهم الصدق والإحسان والقناعة والكرم والصبر والسخاء، ثم تأمل في حال المسلمين في الأندلس (اسبانيا والبرتغال اليوم) بعد ثمانية قرون من الحكم تجد سوء الخلق هو السبب الرئيسي للخروج منه”.
ومن حق القارئ أن يتساءل: هل الكتاب الذي بين يديه لإعداد المقاتلين في صفوف الجيش الذين سيحمون الوطن والمواطن، أم أنه خاص بإعداد رجال الدعوة؟!!
وحين يعود ليقرأ غلاف الكتاب فيجده ”الإعداد الفكري للمقاتلين” له أن يتساءل: كيف لقيادات الجيش أن تبرِّر هزيمة المسلمين في الأندلس بسوء الخلق!! ومنذ متى كانت الصواريخ والطائرات تنهزم أمام حُسن الأخلاق!! أليست هذه الأفكار هي تجسيد للخرافة والتواكل والقدرية في أبرز معانيها؟!!
ويسترسل الكتاب في الحديث عن القيم الأخلاقية التي يصفها بأنها قيم السَّلف الصالح، فيتجلى تأثر مُعدِّي الكتاب بالفكر السلفي الذي ينتصر للنقل على العقل، وهو ما سرده الكتاب في صفحة 38 في إطار امتداح تلك القيم فيقول ”لقد كانت هذه القيم وغيرها مغروسة في أجيال السلف الصالح قولاً حكيماً وفعلاً ممارساً من حياته التي كانت مصابيح تربوية في ليله ونهاره وصبحه ومسائه، أضاءت سيرته الطريق لأجيال الصحابة فتشربوا القيم الخالدة، حتى غدت نفوسهم زكية وعقولهم نيرة، وأخلاقهم حسنة، وغيروا بذلك الدنيا وأصلحوا الحياة، لم يعرف الخلق منذ النشأة الأولى مجتمعا تجلت فيه القيم بأسمى معانيها مثل المجتمعات الاسلامية”.
فغاية الكتاب، إذاً، هي بناء المجتمع المسلم، وهو ما نظر له سيد قطب وغيره من قيادات جماعة الإخوان المسلمين الذين يرون أننا اليوم مجتمعات جاهلية، ويجب أن يُقام المجتمع الإسلامي تحت ظلال راية الجماعة، كما يؤكد الكتاب أنَّ الغاية تتمثل في نشر الإسلام، ليصل الكتاب في نهاية الصفحة 38 إلى توجيه الخطاب بعبارة ”إخوة الإسلام، إن لدينا من الأخلاق والقيم ما لو أحسنا عرضها للآخرين وامتثلناها في حياتنا لكان لنا السمو والريادة، وأسهمنا في نشر الإسلام قيماً ومثلاً مشرقة”.
يستمر الكتاب في الحديث عن القيم مستنكراً مفهوم وقيمة الحرِّية حين يطرح تساؤلاً في صفحة 39 مفاده ”كم من التدمير يمارس اليوم باسم الحرية والحفاظ على المصالح”؟ ثم ينتقل الكتاب للمقارنة بين ما يسميها القيم المادية والقيم الإيمانية، ليؤكد من وجهة نظر من قاموا بإعداده أنَّ ”أي عمل اجتماعي أو اقتصادي لحل مشكلات المجتمع يهتم بالقيم المادية ويتجاهل القيم الإيمانية فإنه يسلك طريق الضعف ويقذف بالجيل إلى حياة الفوضى والعبث، ويقتل فيه روح المسؤولية والفضيلة، وما أصاب المسلمين اليوم من قصور ليس مرجعه قيم الإسلام ومبادئه ومقاصده وغاياته، وإنما سببه العلم والعمل والفصل بين العقيدة والمبادئ والقيم”.
إنَّ من يقسم المجتمع إلى مؤمنين وغير مؤمنين، ويصنِّف قيم الناس إلى مادية وإيمانية، ويشترط وجود العقيدة في حياة الناس، لا يمكن أن يؤمن بدولة المواطنة ولا بدولة النظام والقانون، لأنه سيوزع الناس وفقاً لدرجات إيمانهم من وجهة نظره، وسيحاسب المجتمع بأكمله حول إيمانه، ولا مساواة بين مؤمن وغير مؤمن أو ناقص الإيمان، ولذا فالكتاب يرى كما ورد في صفحة 39 أنه ”يجب أن يعرف كل فرد في الأمة التي تريد النهوض إلى المجد أن العقيدة هي التي تبني القوى وتبعث العزائم وتضيء الطريق للسالكين”.
غير أن قاصمة الظهر وأم الدوامي فيما تضمَّنه الكتاب هو تلك الفقرة التي تكرر الخطاب المتطرِّف عن الاختلاط الذي يمارسه الشيخ عبدالله أحمد علي، كما يبتذل من المرأة حين يصف أنَّ الاختلاط ابتذال لها فيقول في صفحة 39 ”إن الحفاظ على قيم الحياء والحشمة والعفاف والبعد عن الاختلاط وعدم ابتذال المرأة تظل أحد أكبر صمامات الأمان للمجتمع إزاء الكوارث الخلقية التي أصابت العالم اليوم في مقتل”.
يستمر الكتاب في سرد خطابه المتطرف الذي يصل إلى حد التحذير مما يسميه العُريّ في القنوات الفضائية، فيذكر في صفحة 40 الفقرة الآتية ”أخطر ما يهدد القيم ويزعزع بنيانها القدوات السيئة المزينة بالألقاب من الوضيعين والوضيعات، الذين يفتقد الواحد منهم إلى التحلي بأبجديات الآداب والأخلاق الإسلامية، هذه القدوات السيئة تعمل على خلخلة القيم وتشكل نفوسا فارغة من القيم سابحة في الضيق، كما تروج له القنوات الفضائية من عري فاضح وسلوك منحط وتحلل خاطئ يحطم القيم ويدمر الأخلاق ودعوة صريحة لنبذ الفضيلة”.
ولا تتوقف المواعظ والتوجيهات التي يسردها الكتاب وهو يتحدث عن الفضائل والأخلاق من وجهة نظره فيقول في صفحة 40 ”يجب التحذير من المفاهيم التربوية المستوردة التي تتعارض مع قيم الإسلام، ولا سيما في ظل العولمة، وإزالة كل ما يخدش الحياء ويحطم القيم”.
بعد سرد العديد من المواعظ الإسلامية في المبحث السابق ينتقل الكتاب للحديث عن مبحث جديد بعنوان ”العقيدة العسكرية” فيتطرق لها من وجهة نظر الإسلاميين وهي وجهة النظر التي تشترك فيها جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات والجماعات التكفيرية، فيؤكد الكتاب في صفحة 41 أن ”العقيدة العسكرية الإسلامية تناسب العرب والمسلمين وتقودهم إلى النصر ولا تناسبهم أي عقيدة أخرى”.
ثم يذهب الكتاب لانتقاد الجيوش العربية والاسلامية -وهي الجيوش التي يوصف أفرادها بالطواغيت من قبل الدواعش- حيث يرى الكتاب أن هذه الجيوش تفتقد للعقيدة العسكرية الإسلامية فيقول في نفس الصفحة ”إن العقيدة العسكرية الإسلامية غائبة غيابا تاما عن القوات المسلحة العربية في جميع أنحاء البلاد العربية الإسلامية مجهولة جهلا كاملا في المدارس والمعاهد لا يعرفها العسكريون العرب المسلمون، إن العقائد العسكرية الشرقية الغربية والتي لا يعملون بها لأنهم يجهلونها ويجهلون أثرها وتأثيرها في العرب المسلمين، والمرء عدو جهله”.
ويذهب الكتاب لما يقول إنها مقارنة بين العقيدة العسكرية الإسلامية والعقيدة العسكرية الغربية والشرقية، ويذهب للقول في صفحة 41 و42 ”العقيدة الغربية ترتكز على المبدأ القائل مزيد من النيران وقليل من المقاتلين، أما العقيدة العسكرية الشرقية فترتكز على المبدأ القائل مزيد من المقاتلين وقليل من النيران”، وتضيف ”أما العقيدة العسكرية الإسلامية فلا إفراط فيها ولا تفريط، بل هي وسط في كل شيء، وصدق الله العظيم القائل: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”، ليصل بذلك إلى نتيجة مفادها ”أن العقيدة العسكرية الإسلامية جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية، ولأنها تناسب المسلمين نفوسا وقدرات صناعية، ولأنها العقيدة التي جربناها فانتصرنا، وجربنا غيرها فلم ننتصر أبدا”.
وينتقل الكتاب في صفحة 43 للحديث عن سمات العقيدة العسكرية الإسلامية، فتقول إنها جعلت ”المسلم الحق” ”مدافعا عن الأرض والعرض وحرية وانتشار الدعوة وصيانتها، وعن المسلمين في دار الإسلام” و“لا يستكين للاستعمار الفكري، ويقاوم الغزو الحضاري الذي يناقض دينه” و“يجاهد بأمواله وروحه في سبيل الله، وكل هذه التوجيهات العسكرية مستمدة من القرآن الكريم”.
فالكتاب في مجمله لا علاقة له بالجيش الوطني ولا بقيم الدولة المدنية الحديثة التي يناضل من أجلها اليمنيون، بل إنَّ محتويات وأفكار الكتاب هي نفسها أفكار الدولة الإسلامية التي يسعى التكفيريون لإنشائها والإعلان عن قيامها، خاصة أنهم قد أعلنوا في وقت سابق أنَّ العام 2020 سيكون عام الخلافة، لكن ناقوس الخطر يكمن اليوم في سيطرة واستحواذ التكفيريين على المناصب العليا وعلى القرار في المؤسسة العسكرية اليمنية، وهنا تكمن الخطورة التي يجب على أبناء الشعب الوقوف أمامها بمسؤولية.