"الإنتاج الدرامي في اليمن_رؤية إستشرافية"

الثلاثاء 04 مارس 2025 - الساعة 11:42 مساءً

 

مقدمة ..

تعرف الدراما بأنها مرآة الحياة التي تعكس إهتمامات المجتمع بإبداع يجمع الفنون والآداب لتحقيق المتعة والمعرفة والترفيه ؛ والمساهمة في البناء الأخلاقي والقيمي والمعرفي للمجتمع ، بمهارة وأحترافية قادرة على إكتساب تعاطف المشاهدين وتوجيههم نحو رؤى متعمقة بفنٍ راقٍ وممتع لايخلو من التشويق والإبهار والإثارة .

 

وابسط تعريف للدراما أنها تعبير عن المجتمع الذي جاءت منه وتفسره .

 

وفي تاريخ الدراما يعد إسخيلوس (525 ق.م - 456 ق.م) الروائي والمسرحي اليوناني ؛ هو مؤسس الدراما .

 

أما "ثسبيس" يعتبر أول من أوجد فكرة التمثيل ؛ وأول من إبتكر الشعر التراجيدي ؛ وكان ينتقل مع جماعة من الممثلين من مكان إلى آخر بعربته ويقومون بالتمثيل والغناء معاً ؛ فبعد ان كانت أحداث المسرحية تلقى على لسان الجوقة أصبحت تمثل أمام الجمهور .

 

ونستطيع أن نستنتج من هذه الإشارة التاريخية أن فن المسرح هو الاساس والرافعة التي تستند عليها الدراما بكافة أنواعها ؛ وظلت الدراما حكراً على المسرح حتى البداية الحقيقية لميلاد صناعة السينما ، التي تعود إلى حوالي عام 1895م ، نتيجة للجمع بين ثلاثة مخترعات سابقة هي اللعبة البصرية والفانوس السحري والتصوير الفوتوغرافي ، ثم ظهرت الدراما بعد إختراع الراديو في 1901 وبثت الBBC أول تمثيلية إذاعية في 1924 ؛ ومن ثم ظهرت الدراما التلفزيونية حين بثت BBC أول مسلسل تلفزيوني سنة 1928 ؛ وكان 

غايدنغ لايت (بالإنجليزية : Guiding Light)‏ هو أول مسلسل تم إنتاجه في الولايات المتحدة ؛ وبدأ عرضه في سنة 1937.

وفي البلاد العربية بدأ مشوار السينما المصرية بفلم تسجيلي صامت في 20 يونيو 1907 وظهرت الدراما التلفزيونية عام 1960.

 

تاريخ الدراما في اليمن ..

 

عن الفن عموماً في عهد الإمامة البائدة ؛ يقول الدكتور/عبدالعزيز المقالح ؛ في كتابه "أصوات من الزمن الجميل" :

"لقد أعد الإمام يحيى المشانق للفن كما أعدها في الوقت ذاته للحرية ، فالفن والحرية صنوان لا يفترقان . 

وخلال حكم ذلك الإمام تحطمت على مرأى من الناس عشرات الأسطوانات ، وتم تكسير عشرات "الجرامفونات" المعروفة بصناديق الطرب ، كما تم كذلك تحطيم وشنق بعض الآلات الموسيقية ، كالعود الذي تم تعليقه في مكان عام من صنعاء ، ردعاً لكل من تسول له نفسه أستخدامها لإغواء الجماهير المؤمنة .

لم يكن إبعاد الفن عن الساحة اليمنية، ونفيه من حياة الإنسان اليمني ، عملاً يراد منه الحفاظ على مكارم الأخلاق ، وحماية القيم الدينية ، وإنما كان ذلك الفعل نابعاً عن خطة مدروسة ترمي إلى كبت المشاعر البريئة للإنسان وحرمانه من التعبير الصادق والصريح عن أحلامه ، عن أحزانه وأفراحه ، ومن ثم طمس أحاسيسه الإنسانية ، وتحويله إلى حيوان ذليل صامت ، يتحمل القهر والعذاب كقدر لايمكن تغييره أو التفكير في مواجهته"

 

وقد سمعت رواية من الأستاذ/محمد شجاع الدين_مدير الإعلام والثقافة الاسبق بتعز ؛ تقول أنه كان أحد طلبة المدرسة الاحمدية بتعز الذين قدموا مسرحية في المدرسة وكان بعض الطلاب يؤدون أدوار كفار قريش ؛ فلما بلغ الإمام الهالك خبر المسرحية والكفار أمر بجلدهم واستتابتهم وتجديد إسلامهم وبيعتهم .

 

وفي السياق التاريخي للدراما في اليمن .. يذكر أن إذاعة صنعاء تأسست سنة 1947واغلقت في العام التالي إثر تداعيات ثورة 48 لتعود في 1958 بدون أي دور يذكر ؛

أما إذاعة عدن كانت في 1954 وافتتح تلفزيون عدن في أغسطس 1964 وكان في طليعة التلفزيونات العربية بعد العراق ولبنان .

 

وفي حوار لصحيفة الأيام مع الاستاذ/أحمد عبدالله حسين_ مؤلف كتاب "قرن من الدراما" يقول : أن عدن شهدت أول عرض مسرحي في الخامس عشر من كانون الاول ديسمبر1917م للروائي الهندي دماندرهم وحملت عنوان "القط والفأر" 

 

وبإعتبار المسرح الركيزة الاساسية في الدراما ؛ فإلى جانب المسرح العسكري التابع للتوجيه المعنوي للقوات المسلحة ؛ تم تأسيس فرقة المسرح الوطني التابع لوزارة الإعلام والثقافة في عام 1975 وهو نفس العام الذي تأسس فيه تلفزيون صنعاء ؛ وكانت فرقة المسرح الوطني هي الرافد الرئيس للتجربة الدرامية التي بدأت في التلفزيون ؛ حيث شرعت بإنتاج مسلسل "الوجه المستعار" تأليف يحيى السنحاني وإخراج علي المبنن ؛ ثم توالت التجربة السنحانية بحلقات "عفواً يانسبي" كما ساهم عبدالرحمن مطهر  في تقديم دراما الأطفال ؛ كما استمر التلفزيون في إنتاج دراما المسابقات الرمضانية ؛ حتى وصل مستوى الدراما التلفزيونية اليمنية إلى إنتاج مسلسلات عربية مشتركة أبرزها مسلسل "وضاح اليمن" ومسلسل "وريقة الحنا" .

 

ثم تقهقر ذلك المد الدرامي اليمني وتلاشى وأنحسر متأثراً بالمشانق التي أعدها الإمام النافق سلفاً للفن والحرية ونصبتها الصحوة التي تبلورت في نهاية سبعينيات القرن الماضي كتيار ديني متشدد إنظمت إليها تيارات ظلامية أخرى فرضت نفوذها وسيطرتها على التعليم والمناهج الدراسية وأحتكرت المنابر والواجهات الإعلامية وحاصرت الثقافة والمنابر الثقافية وحيدتها وقيدت الإبداع وصادرت الحريات .

 

وإذا عرجنا على تجربة الدراما الاذاعية في اليمن سنجد فيها تجربة درامية ثرية في إذاعات صنعاء وعدن وتعز ؛ مثل المسلسلات التي قدمها المخرج عبدالرحمن عبسي ؛ وتمثيلية الأسبوع للفنان أحمد عبدالقوي ردمان ؛ في إذاعة تعز .

وهي تجارب ملهمة ينبغي البناء عليها والعمل على تحويلها إلى حلقات مرئية ؛ موضوعياً أتصور أنها تمتلك مقومات النجاح .

 

إستشراف ..

 

الفن إقتصاد والدراما صناعة تقتضي إستمرار إنتاج ماينفع الجمهور ؛ ولا ترتبط بموسم لعرض مايريده الجمهور ..

 

إن المبدعون الحقيقيون في بلادنا يدركون جيداً الاهمية البالغة لضرورة إيجاد مدخل حقيقي يفضي إلى صناعة دراما يمنية جادة لها أسلوبها وطريقتها في تقديم فنٍ راقٍ يلتزم بقضايا المجتمع وخصائصه وتكوينه الجمالي الغني بإرثه الثقافي والحضاري .

 

إذا ... في ظل غياب الرؤية علينا اولاً أن نحدد موقفنا وماذا نريد ؟؟

 

علينا وضع إستراتيجية واضحة الرؤية ذات رسالة هادفة لما يجب أن تكون عليه صناعة الدراما في اليمن .. 

وذلك لن يتأتى إلا بـ :

- توفر مناخ الحرية والمسؤولية في واقع ديمقراطي حقيقي يؤمن بالآخر .

- بذل المزيد من الجهد والتأهيل والعمل الدؤوب .

- إتاحة المجال لتقديم الإبداع الحقيقي بوجود النقد البناء وبالمزيد من النقاش المثمر .

- الترابط الوثيق بين الفعل الدرامي ومصادرة المتمثلة بـ :

- الجماعة الابداعية المتجانسة التي تصنع الإبداع بحرية وأقتدار وكفاءة  

- قاعدة متينة من التراكمات المعرفية والعلمية وهي جوهر الفعل الدرامي .

 

ولتحقيق ذلك لابد من ضرورة الاخذ بالشراكة المجتمعية في ظل رعاية والتفاته رسمية بإتجاه بناء ثقافي يقيم اركانه المتصدعة ويضع البدائل المناسبة لإقامة صناعة دراما منافسة وخلق فعل حقيقي يرتبط بالحاجة المجتمعية الملحة بالبناء والتنمية وتحقيق الأمن والتعايش والسلام . 

فلا تنمية بلا تخطيط ولا تخطيط بلا ثقافة ولا ثقافة بدون فعل درامي جاد يحاكي الواقع ويعالجه .

والمبدعون الحقيقيون الذين أبت أقدارهم إلا أن تجعلهم حاملين لمشعل التنوير كمعلمين لمجتمعهم وهي مسؤولية جسيمة لايقوى على حملها إلا المتسلح بالمعرفة الحقة . 

 فإذا وقفوا مع انفسهم واعترفوا بجسامة المسؤولية فانهم سيقفون على عتبة المدخل الحقيقي الذي يفضي إلى تكوين رؤية إستراتجية فكرية يسطرون رسالتها ورؤيتها لانفسهم بانفسهم ..

 

الفكر التنموي ..

 

إن الفكر التنموي يدرك الاهمية البالغة للدراما كوسيلة فاعلة توصل برامجه وخططه واهدافه وتؤثر تاثيرا إنسانيا مباشرا يتعاطى معها المجتمع ويتفاعل مع إطروحاته التي تحاكيه وتعبر عنه بتفاعلها العلمي المعرفي الخلاق مع مفاهيمه وارثه الثقافي الحضاري ومع فلكلوره الخاص . ليعكس هذا التمازج بصورة أعمال إبداعية فنية تستمد مادتها واسلوبها من طبيعة المجتمع وخصوصيته . 

 

والفكرالتنموي كمفهوم له أثره ووقعه في التاثير على الناس كبوصلة في تحديد توجهاتهم .

 فتنمية قدرات المجتمع وحث الروح الايجابية البناءة للبناء والتنمية لايقتصر على الآلات والمعدات فقط ؛ فكل شيء يبدأ بالانسان بإعتباره هدف التنمية وغايتها ووسيلتها .

 

هامش ..

 

"الكاتب الذي لايعرف مجتمعه فاشل وأبلغ الفن أن يكون الفنان إنسانا".

 

ولكي نشاهد دراما ذات قيمة رفيعة تخاطب وجدان الإنسان وترفع من ذائقته نحن بحاجة إلى صناعة منجز دائم ، ولسنا بحاجة لفعاليات مناسباتية آنية مكلفة ينتهى أثرها بإنتهائها .

الصواب أن تستثمر تكاليف هذه الفعاليات في البنى التحتية لإنتاج حركة ثقافية فاعلة وصناعة منجز خلاق ومستمر .

 

توصيات ..

 

1- دراسة مستقبل الدراما التلفزيونية في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات وأنتشار منصات الأنترنت .

 

2- الإستفادة من تجارب الآخرين والعمل على إنتاج أعمال مشتركة من أجل إنتشار الدراما اليمنية .

 

3- وضع خطة إستراتيجية عامة للثقافة والتنسيق مع الإعلام وإتحاد الأدباء ونقابة الفنانين وشركات الإنتاج الفني ؛ لتبني وتنفيذ مشاريع وأفكار تساهم في البناء المعرفي وتقديم أعمال درامية ذات قيمة فنية وأدبية تعزز مبادئ الولاء الوطني والانتماء وقيم التعايش والسلام والقبول بالآخر ؛ تحقق المتعة والمعرفة للمشاهد وترفع مستوى الذائقة الفنية للجماهير .

 

4 - تفعيل دور معهد الفنون الجميلة بعدن وكلية الفنون بالحديدة .

 

5- إنشاء كلية الفنون بجامعة تعز ؛ بكافة أقسامها [قسم الفنون المسرحية ، قسم النقد والنظريات ، قسم السينما ، قسم التلفزيون ، قسم الديكور والمناظر ... إلخ]

 

6- تفعيل دور المراكز الثقافية لتؤدي عملها المناط بها في التدريب والتأهيل وإقامة الفعاليات والندوات ؛ وكذا إعادة تنشيط فرقة المسرح الوطني وفرقة الموسيقى وفرقة الفنون الشعبية ؛ ومن جانب آخر من الضروري تفعيل إدارة البعثات في وزارة الثقافة وأيضا في وزارة الشباب والرياضة إلى جانب التربية والتعليم والتعليم العالي ؛ من أجل إبتعاث الطلاب والطالبات للدراسة في الخارج بمجالات الفنون المختلفة .

 

7- إعادة حصة التربية الفنية إلى جدول الحصص في المدارس ؛ وإعادة تنظيم مهرجان المسرح المدرسي .

 

8- تفعيل وتنشيط المسرح الجامعي ؛ وتفعيل جائزة رئيس الجمهورية للشباب في مجالات الفنون المختلفة للشباب ؛ وكذا تفعيل ودعم مسرح الشباب في الأندية الرياضية بإعتبارها أندية  رياضية ثقافية .

 

9- دعم ومساندة نقابة الفنانين بإعتبارها المنظمة الجماهيرية التي تعنى بالفن والفنانين وحماية حقوقهم الفكرية والمادية ؛ وإن الارتقاء بالفنون والآداب المعبرة عن الشخصية اليمنية الأصيلة هي صلب عمل النقابة .

 

10- دعوة الأدباء والكتاب وتحفيزهم إلى تقديم أعمالهم الأدبية إلى شركات الإنتاج  الفني وكذا لإدارات الإنتاح بالقنوات التلفزيونية والعمل على جدولتها وتقديمها ضمن خططهم البرامجية .

 

11- تنشيط المؤسسة العامة للمسرح والسينما للقيام بأداء مهامها التي أنشأت لأجلها ؛ وكذا تفعيل دور الإدارة العامه للانتاج الدرامي في المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون .

 

12- ضرورة أن يكون للقنوات التلفزيونية الاهلية والخاصة والاذاعات ؛ إدارات متخصصة في الإنتاج الدرامي ؛ تديرها كوادر مؤهلة من ذوي الخبرة في مجال الدراما وتبني طموح إنتاج الدراما اليمنية المنافسة .

 

- وإذا كان هناك من توصية أخيرة تقتضي الوقوف أمامها والاشادة بها ؛ لا أنسى الإشادة بالتجربة الفريدة والمتميزة للفنان/عمرو جمال ؛ والتي تستدعي الوقوف أمامها والإستفادة منها بإعتبارها تجربة درامية/سينمائية ؛ وتعتبر لبنة أولى صلبة يمكن البناء عليها ورعايتها لتستمر بنفس الألق وتحقق النجاح المنشود ..

 

والله الموفق ..

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس