كيف استغلت جماعة الإخوان شهر رمضان لتجنيد الأعضاء؟
الخميس 06 مارس 2025 - الساعة 12:13 صباحاً
على مدار تاريخها، سعت جماعة الإخوان المسلمين إلى توظيف المناسبات الدينية، وخاصة شهر رمضان، لخدمة أجندتها الإيديولوجية وتوسيع قاعدتها التنظيمية، ففي هذا الشهر الذي يتسم بالروحانيات والتقوى، تجد الجماعة فرصة ذهبية لنشر أفكارها عبر المساجد، والجمعيات الخيرية، والمنصات الإعلامية، إلى جانب استغلال التنظيم الأجواء الإيمانية التي تسود المجتمعات الإسلامية لتمرير رسائله الدعوية، والتي تحمل في طياتها أبعاداً سياسية، مستهدفاً بذلك تجنيد عناصر جديدة وتعزيز وجوده داخل المجتمعات.
خلال العقود الماضية استخدمت الجماعة عدة وسائل لتحقيق هذه الغاية، بدءاً من الدروس الدينية، مروراً بالحملات الخيرية، وانتهاءً بمنصات التواصل الحديثة، وذلك في إطار استراتيجيتها المتواصلة لاختراق المجتمعات والتغلغل في بنيتها، كما اعتمدت على استغلال المشاعر الدينية كأداة للسيطرة على العقول، والتأثير على الأفراد، خاصة الشباب، بهدف تحويلهم إلى أتباع مخلصين للفكر الإخواني.
*الدعوة الرمضانية وسيلة لتجنيد الأتباع*
يُعتبر شهر رمضان موسماً دعوياً بامتياز، ولذلك حرصت جماعة الإخوان تاريخياً على الاستفادة منه لنشر أفكارها والترويج لنفسها كحركة إسلامية تهدف إلى "إصلاح" المجتمع، مستغلة حالة التوهج الديني المتزايد في هذا الشهر، ولتحقيق ذلك دأبت الجماعة على تنظيم دروس دينية ومحاضرات في المساجد، حيث تتناول مواضيع دينية ظاهرها الوعظ والإرشاد، لكنّ محتواها يتضمن رسائل خفية تدعو إلى تبنّي فكر الجماعة والانضمام إليها.
ومن أبرز الوسائل التي استخدمتها الجماعة في هذا الإطار، إقامة ما يُعرف بـ "الاعتكافات الرمضانية"، والتي كانت تُعقد داخل المساجد، خاصة في العشر الأواخر من الشهر، وخلال هذه الفعاليات يجري التركيز على الشباب، حيث يتم عزلهم عن محيطهم الاجتماعي لفترة، ممّا يسهل غرس الأفكار التنظيمية في عقولهم عبر جلسات مكثفة من التوجيه الفكري والخطاب الإيديولوجي، وكثيراً ما شكلت هذه الاعتكافات نقطة انطلاق لضم أعضاء جدد إلى الجماعة، بعد إخضاعهم لعملية "فلترة" إيديولوجية تحدد مدى استعدادهم للانخراط في التنظيم.
إضافة إلى ذلك، دأبت الجماعة على نشر الكتيبات والمنشورات التي تحمل مضامين دينية لكنّها تتضمن توجيهات سياسية غير مباشرة في المساجد التي كانت تخضع لنفوذ الجماعة، وكان يُلاحظ ترويج أفكار مثل "أهمية الجماعة في نصرة الإسلام"، و"دور المسلمين في إقامة الدولة الإسلامية"، وهي رسائل كانت تُستخدم وسيلة لتجنيد الشباب وتوجيههم نحو فكر الإخوان.
العمل الخيري كأداة للسيطرة وكسب الولاء إلى جانب الأنشطة الدعوية، استخدمت جماعة الإخوان العمل الخيري كأداة رئيسية لتعزيز نفوذها، مستفيدة من حاجة الفقراء في شهر رمضان، حيث تزداد المبادرات الخيرية وتوزيع المساعدات، وقد أنشأت الجماعة العديد من الجمعيات الخيرية التي أصبحت غطاءً لتمويل أنشطتها، وأداة لتوسيع قاعدتها الجماهيرية، عبر تقديم المساعدات للفئات المحتاجة، لكن بشروط غير معلنة، أبرزها الولاء للتنظيم.
في كثير من الأحيان، كانت الجماعة تشترط على المستفيدين من مساعداتها حضور دروس دينية أو الالتزام بأنشطة اجتماعية تابعة لها، كما استُخدمت موائد الرحمن الرمضانية وسيلة لاستقطاب الفقراء وكسب تعاطفهم، حيث تُقدَّم لهم الوجبات المجانية مع التوجيه الفكري، في محاولة لإظهار الجماعة كبديل للدولة، وترويج خطاب مفاده أنّ "الإخوان هم من يهتمون بالفقراء"، في محاولة لضرب شرعية الأنظمة الحاكمة.
*استغلال الإعلام والمنابر الدعوية في رمضان*
على مدار عقود أدرك الإخوان أهمية الإعلام في التأثير على الرأي العام، لا سيّما في شهر رمضان، حيث يرتفع معدل متابعة البرامج الدينية، ومن هذا المنطلق حرصت الجماعة على استغلال المنابر الإعلامية والمنصات الرقمية لنشر أفكارها، سواء عبر برامج تلفزيونية تبث من الخارج، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تمثل اليوم إحدى أهم أدواتها في الدعاية والتجنيد.
لم تتوقف جماعة الإخوان عن استغلال شهر رمضان وسيلة للتغلغل في المجتمعات، ونشر أفكارها، وتجنيد الأتباع، مستخدمة أساليب متنوعة، إلا أنّ الوعي المتزايد بخطورة هذه الجماعة، واتخاذ الحكومات والمجتمعات إجراءات لمواجهة تغلغلها، يمثل عقبة أمام استراتيجياتها، ويحدّ من قدرتها على استغلال الدين لأغراض سياسية وتنظيمية.
كانت خطب الجمعة في رمضان تشكل منصة دعائية للتنظيم، وقد عمل أعضاؤه المتغلغلون في المؤسسات الدينية على تمرير خطابات تتماشى مع إيديولوجية الجماعة. وكثيراً ما تضمنت هذه الخطب رسائل تدعو إلى "إحياء الأمة الإسلامية"، و"العمل الجماعي لنصرة الدين"، وهي شعارات تحمل في مضمونها دعاية غير مباشرة للجماعة، وتصويرها على أنّها الحامل لمشروع "النهضة الإسلامية".
*التحريض السياسي تحت غطاء ديني*
لم يكن استغلال الإخوان لشهر رمضان يقتصر على الجانب الدعوي والخيري فحسب، بل امتد إلى التحريض السياسي، مستفيدين من طبيعة الشهر كفترة يكثر فيها الحديث عن قضايا الأمة الإسلامية، وقد استغلت الجماعة هذا الزخم لتمرير خطابات تحريضية ضد الأنظمة الحاكمة، متذرعة بقضايا مثل نصرة المظلومين أو الدفاع عن القيم الإسلامية، بينما كان الهدف الحقيقي هو بث الفتنة وإثارة الفوضى.
على سبيل المثال، خلال ثورات "الربيع العربي"، استخدمت الجماعة شهر رمضان كمنصة لتعزيز الاحتجاجات ضد الأنظمة، حيث كثفت من حملاتها الإعلامية، وروجت لفكرة "الجهاد ضد الطغاة"، في محاولة لتجييش الشارع ضد الحكومات. وفي بعض الحالات لجأت إلى إثارة المشاعر الدينية لتحريك أنصارها، مستخدمة آيات وأحاديث دينية بشكل انتقائي لدعم مواقفها السياسية.
*التنظيم الدولي للإخوان واستغلال رمضان عالمياً*
لم تقتصر محاولات الإخوان لاستغلال شهر رمضان على الدول العربية فقط، بل امتدت إلى أوروبا والولايات المتحدة، حيث تنتشر الجاليات المسلمة، وقد عملت الجماعة عبر واجهاتها المختلفة، مثل المراكز الإسلامية والمنظمات الشبابية، على استخدام الشهر الكريم لنشر فكرها، مستغلة حاجة المسلمين المغتربين للارتباط بهويتهم الدينية.
في العديد من العواصم الغربية نظمت الجماعة إفطارات جماعية وفعاليات دعوية لجذب الشباب، وكانت هذه اللقاءات فرصة للترويج لخطابها، وتقديم نفسها على أنّها الممثل "الحقيقي" للإسلام في الغرب. كما استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لبث محتوى ديني مُسيَّس، يستهدف المسلمين حول العالم، ويسعى إلى توجيههم نحو تبنّي أفكار الجماعة.
*مواجهة محاولات الإخوان لاختراق المجتمعات في رمضان*
في الأعوام الأخيرة تصاعدت الجهود الحكومية والمجتمعية في عدد من الدول لمواجهة محاولات الإخوان استغلال شهر رمضان لأغراضهم السياسية والتنظيمية. واتخذت بعض الدول إجراءات للحدّ من أنشطة الجماعة داخل المساجد، من خلال فرض رقابة على الخطب الدينية، ومنع الأنشطة غير المرخصة.
كذلك جرى تفكيك العديد من الجمعيات الخيرية التابعة للإخوان، التي كانت تستخدم العمل الخيري كغطاء لتمويل أنشطتها الدعائية. كما تم التصدي لاختراق الجماعة للفضاء الرقمي، عبر حظر منصاتها الإعلامية، وفضح خطابها المزدوج الذي يسعى إلى استغلال الدين لأهداف سياسية وتنظيمية.
ورغم ذلك لم تتوقف جماعة الإخوان عن استغلال شهر رمضان وسيلة للتغلغل في المجتمعات، ونشر أفكارها، وتجنيد الأتباع، مستخدمة أساليب متنوعة، إلا أنّ الوعي المتزايد بخطورة هذه الجماعة، واتخاذ الحكومات والمجتمعات إجراءات لمواجهة تغلغلها، يمثل عقبة أمام استراتيجياتها، ويحدّ من قدرتها على استغلال الدين لأغراض سياسية وتنظيمية.
▪︎ صحفية مصرية وباحثة مختصة بالإسلام السياسي والإرهاب