ماذا لو ..!؟
الخميس 06 مارس 2025 - الساعة 12:15 صباحاً
منذ فيصل إلى عبدالله ، ومن أجل تحقيق مصالحها ؛ بددت السعودية في اليمن أموالاً طائلة لاتُعد ؛ سخرتها لشراء ولاءات جهات وذمم أشخاص بعينهم ؛ ظناً منها أنها بذلك ستكسب الرهان وتظل اليمن حديقتها الخلفية الساكنة بلا منازع ؛ ولكن الظن خاب حين إستفاقت المملكة فجأة لتجد أن خصمها الإقليمي وبتواطئ من حلفائها وربائبها قد مد أذرعه خلسة من تحتها ويعبث ؛ وأن مليشياته المسلحة قد بدأت بنتفيذ مناوراتها على أبوابها الجنوبية ؛ ثم تتمدد وتطوق خصرها المرتخي في مناطق ظنتها خاضعة لنفوذ المشيخ المرتبط بحبلها السري لعقود ؛ كما ظنت انها مناطق تقع تحت سيطرة (الدولة) وهي التي جعلت من هذه الدولة شكلا مجوفا هشاً آل إلى السقوط في أول إختبار لوجود الدولة في اليمن ؛ لتجد السعودية نفسها متورطة في حرب طاحنة تهدد وجودها وتسلب أمنها وتقلص أمامها فرص النفوذ والسيطرة ؛ ومنذ أن دقت طبول الحرب وألقت السعودية بكل ثقلها في اليمن ؛ إلا أنها ولأسباب من صناعتها لم تستطع إسكاتها وفقدت القدرة على الإمساك بخيوط اللعبة والتحكم بها ووجدت نفسها تغرق في المستنقع اليمني .
واذا عدنا لتأصيل المشكلة ومتابعة أسبابها وبداياتها ؛ سنجد أن الخطيئة كانت حين إرتأت السعودية الدخول إلى اليمن من بوابة المصالحة وإعادة (خصوم اليوم حلفاء الأمس) إلى سدة الحكم في اليمن ثم التمدد بما سمي "بالصحوة" والإنطلاق في كل إتجاه على صهوة الأقرع الشجاع والضرب بسوط العقيدة والمذهب وسنن الوضوء وشروط الطهارة ومبطلات الصلاة ودعاء دخول الحمام ؛ ثم التوجه نحو أقامة مزارع تسمين المشائخ ورعايتهم لضمان أمنها الجنوبي .
كما خالفها الصواب عندما توسعت في إنشاء المعاهد الدينية ، ومدارس التحفيظ والحلقات ، ودعم أنشطة الجمعيات الخيرية والمخيمات الدينية التي إنتشرت فى كل مدن وأرياف اليمن وجاهرت بالدعوة لنشر الإسلام على مذهب الإمام المجدد .!
ولما إشتعلت شرارة هذه الحرب القذرة التي لازالت رحاها تطحن القلوب والاكباد في اليمن ؛ إكتشفت السعودية أنها لم تستفد من ولاءات تلك الجهات والأشخاص ولم يحقق لها المشائخ شيء مما سخرتهم لأجله ؛ بل تضاعفت الخسارة أكثر وأكثر حين لسعتها السنة نيرانهم ؛ كما تيقنت أنهم يبدلون ولاءاتهم علناً وبكل سهولة وخفة ويميلون مع الريح حيث تميل ؛ وليتها إستفادت من هذا الإكتشاف ؛ بل أصرت على الإثم وأستمرت في ضلالها القديم ومازالت .!
وبالعودة إلى تلك البدايات ؛ وفكرنا بطريقة مختلفة وإفترضنا جدلا أن السعودية حينها تعاملت مع الملف اليمني بعقلية الدولة وتجاوزت محنة الإطار المحدد بالأشخاص ودخلت اليمن من أوسع أبوابه ؛ من باب المصالح المشتركة بين البلدين وتحقيق الرخاء والأمن المستدام في المنطقة والإقليم .؟
فماذا لو أنها كانت إتخذت حينذاك أسلوباً مغايراً في التعامل مع اليمن واليمنيين يختلف عما حدث ؛ وقدمت المصلحة العامة لليمن وشعبها عن المصالح الشخصية الضيقة والمصالح الفئوية التي رعتها وكرستها على حساب شعب ووطن .؟
وعلى سبيل المثال .. ماذا لو كانت الشقيقة الكبرى بادرت وأقامت على حدودها الواسعة مع اليمن (إستثمارات مختلفة /مصانع/مزارع .. إلخ) تلبي احتياجاتها واحتياجات اليمن ؛ وهي بطبيعة الحال تمتلك القدرة على ذلك وأكثر ؛ وبدلا من العمل على تسوير الحدود وكهربتها لمنع التسلل إلى أراضيها ؛ فمن الطبيعي أنه لن يضطر المواطن اليمني إلى المرور في مسالك التهريب في وجود هذه الإستثمارات التي توفر له فرصة العمل وتكفل له لقمة عيشه وتحقق له مصالحه ؛ ولامحالة أنه في حال وجود مثل هذه الإستثمارات المتخيلة فإنها بالتأكيد ستستقطب معظم العمالة اليمنية بالملايين وبمختلف التخصصات والمهارات والمهن ؛ وبذلك يتحقق للجانبين المصلحة المرجوة ويضمن إقامة علاقات أخوية ودية بين البلدين والشعبين تستقيم على قاعدة صلبة من المصالح المشتركة بينهما .
وبإعتبار اليمن العمق الإستراتيجي للسعودية_كما يقال_ فماذا لو كانت السعودية تجنبت السبل الملغومة وتوجهت مباشرة نحو خلق تنمية حقيقية في اليمن ؛ وكانت تلك المعاهد الدينية والحلقات المفخخة ؛ جامعات ومعاهد ومدارس متخصصة بالعلوم والتقنيات والتكنولوجيا الحديثة ومراكز للبحث العلمي ومراكز ثقافية .
لو أنها فعلتها في حينه لاختلف الوضع تماما وكانت قد نأت بنفسها وبنا وتجنبا جميعا هذه المأساة وهذه الحرب اللعينة ؛ ولكانت اليمن اليوم أحد أهم واقوى النمور الاسيوية مثلها مثل كوريا ج إذا تواضعنا ولم نقل الصين/اليابان ؛ ولكانت السعودية بثرواتها قوة ضاربة عابرة للقارات تبسط نفوذها وتتحكم في إقتصاد العالم وسياساته متحررة من أي تبعية لأحد أو وصاية تفرض أجندها وتملي عليها الأحكام والشروط المذلة .
إذا كان الأمر قد تم كما إفترضنا أو كشيء من تخيلنا ؛ فيقيناً لن يكون وضع السعودية كما هي اليوم ؛ رغم ثرائها الفاحش محشورة في زاوية الإبتزاز الضيقة وتجد نفسها مجبرة على تقديم التنازلات تلو التنازلات لتنجو ؛ وفي نفس الوقت تستجدي العالم لحمايتها وتأمين خاصرتها الجنوبية المهددة ؛ وهي بنفسها التي تركتها رخوة منذ البداية حين ركنت بها إلى جهات وأشخاص تنكروا لها وغرسوا أصابعهم في عينيها ..
إذا .. بعد كلما حدث ويحدث اليوم ؛ لابد للسعودية أن تستوعب الدرس جيدا وتستدرك خطاياها في اليمن ؛ وهي التي تدرك وتعرف حق المعرفة أن اليمن ماتزال أرض بكر وفيها شعب حي يستحق الحياة ولعله يعرف ماذا يريد ؛ لكنهم بسياستهم التي يبدو أنها لاتقبل التجديد وبأموالهم الطائلة مازالوا يختارون بعناية فائقة من هم أسوأ بل واكثر سوء من غيره ؛ يختارون الإمعات والعاهات وفقراء الخيال وعديمي الرؤية ومسلوبي الارادة لينصبونهم ويمنحونهم السلطات ويفرضونهم حكاما علينا دون إكتراث ؛ ويكفيهم أن تكون مؤهلاتهم وكل إنجازاتهم أنهم لهم طائعون ؛ فيطلقوهم يأكلون ويشربون ويرتعون في فنادقهم كقطعان سائمة لايملكون من أمرهم شيء .
إلى هنا وكفى .. فإنكم بهؤلاء وأمثالهم تغامرون ؛ وبإصراركم على الإستمرار بسياستكم البالية تقامرون ؛ وبذلك أنتم تفرطون بعمقكم الإستراتيجي لصالح عدونا وعدوكم المتربص بنا وبكم ؛ وبإصراركم على الإثم ستخسرون مملكتكم قبل أن تخسروا اليمن ومصالحكم في اليمن ..