التوجيه المعنوي لمحور تعز.. منهج فكري في سبيل تفخيخ العقول (الحلقة السابعة)
الخميس 06 فبراير 2020 - الساعة 03:54 مساءً
المصدر : متابعات
يستمر الكتاب الصَّادر عن شعبة التوجيه المعنوي بمحور تعز والمعنون بـ”الإعداد الفكري للمقاتلين للعام التدريبي 2018”، بسرد مواضيعه الفكرية المتضمنة للخطاب الديني التكفيري، والذي يحوِّر الصِّراع السِّياسي إلى صراع ديني، يستند على ما يسميه بالعقيدة التي يدافع عنها المجاهدون من أبناء الجماعة دفاعاً عن الأمة.
يتحدث الكتاب في صفحة 61 عن مبحث جديد بعنوان ”الوسطية” محدِّداً أنَّ ”القرآن الكريم هو المعيار الذي توزن من خلاله الأمور ونبصر العواقب”. ويضيف إنَّ ”أهلية النظر والحكم عليها واكتشاف سبل الانحراف والتحريف إنما توزن بقيم القرآن، لأنه يشكل دستور هذه الأمة”.
ويلاحظ أنّ الفقرة السابقة التي تؤكد أنّ القرآن هو الدستور، تدعو بشكل ضمني إلى عدم التعامل مع الدساتير التي يسميها المتطرفون بالدساتير الوضعية والتي تعد من صناعة البشر، وهي دعوة أيضاً لرفض دستور اليمن الاتحادي المزمع كتابته والاستفتاء عليه ضمن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
كما يلاحظ أيضاً أنّ أول من حرَّم التعامل مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ودستور اليمن الاتحادي الذي سيتم كتابته والاستفتاء عليه وفقاً لهذه المخرجات هو البرلماني عن حزب الإصلاح الشيخ عبدالله أحمد علي، والذي يعلن مواقفه هذه من على منبر مسجد النور في مدينة تعز.
في صفحة 62 يقول الكتاب، إنّ مفهوم الوسطية ”هو مسؤولية وتكليف وأمانة ودلالة شرعية هي إطار مرجعي لفعل الإنسان يتطلب سلماً من القيم يرتكز بعضها إلى بعض في مقدمتها الإيمان بالله والتوحيد”، ويستدل الكتاب على ذلك بمقولة ابن القيم ”الشريعة عدل كلها”.
فالكتاب يبحث، إذن، في الدلالات الشرعية التي توصل المجتمع إلى تطبيق ”الشريعة” بدلاً عن النظام والقانون، وهذا يقود إلى أنَّ من أعدوا هذا الكتاب هم المؤمنون بتنظيم الشريعة الذي يهدف في جهاده إلى إقامة الدولة الإسلامية حيث لا دستور ولا قانون إلا القرآن.
في نفس الصفحة 62 يتحدث كتاب التوجيه المعنوي التابع للجيش عن ”أهمية الوسطية في الإسلام”، ويسرد خصائص ما أسماه بالتيار الوسطي في ”فقه الدين فقها يتميز بالشمولية والاتزان والعمق، فقه الواقع (الحياة) دون تهوين ولا تهويل واقع المسلمين وواقع أعدائهم، فقه سنن الله وقوانينه التي لا تتبدل ولا تتغير، فقه مقاصد الشريعة وعدم الجمود على ظواهرها، الحوار بالحسنى مع المخالفين من المسلمين وغير المسلمين، اتخاذ الجهاد وسيلة للدفاع عن حرمات المسلمين وديار الإسلام”.
هذه الفقرة تجعلنا نتساءل عن أهمية الفقه للجندي في الجيش النظامي، وعن الشريعة ومقاصدها التي يتحدث عنها الكتاب، غير أن السؤال الأهم هو معيار المخالفة التي تنطبق على بعض المسلمين وغير المسلمين، ومن له الحق في تحديد المخالفة والمخالفين وعقوبتهم، وهل غاية الجيش الوطني هو الجهاد، وما هي حدود ديار الإسلام التي يدافع عنها جيشنا الإسلامي المجاهد!!
أليس هذا الخطاب هو الخطر الأكبر على عقول أفراد الجيش والذي يبعدهم عن وطنيتهم للخوض في أوهام إقامة المجتمع الإسلامي، وهل نحن مسلمون فلا نحتاج لجيش يقيم المجتمع الإسلامي، أم أننا كفار وأن على يد هذا الجيش ستقام دولتنا الإسلامية؟!!
دعونا لا نكثر من التساؤلات التي تقود إلى الشّك، ومن الشك إلى الكفر -والعياذ بالله- ولنكمل قراءة الكتاب الذي يتحدث في صفحتي 63 و64 عن أنّ الوسطية تكسب أهميتها من المعاني الآتية ”الوسطية تعني العدل، الوسطية تعني الاستقامة، الوسطية دليل الخير، الوسطية أمان، الوسطية دليل القوة، الوسطية مركز الوحدة”، ثم يؤكد أنَّ ”وسطية الإسلام تقتضي شخصية إسلامية متزنة مطلوب منها: وسطية في العقيدة ووسطية في العبادة”، وفي شرح هذه المفاهيم يسترسل الكتاب في الحديث عن قضايا فقهية مثل ”القصر في الصلاة، وإبدال الوضوء بالتيمم، وتقديم وتأخير الصلاة، وأكل الميتة للمضطر”.
لكن ألا يستغرب القارئ مثلي أنَّ الكتاب الذي تحدث عن الوضوء والتيمم وتقديم وتأخير الصلاة قد تجاهل عمداً أو سهواً الحديث عن حكم ”الضراط”، لأنه بلاشك لا يقل في أهميته بالنسبة للفرد المنتسب إلى قوام محور تعز من معرفة حكم التيمم، ولذا فنحن نتمنى ألا يتم تجاهل ذلك في الإصدارات الفكرية القادمة الصادرة عن شعبة التوجيه المعنوي.
في صفحة 65 يتحدث الكتاب بعقلية جماعة الإخوان المسلمين عن مفهوم الوسطية والتي يعرفها بأنها ”توازن بين الفردية والجماعية، وفي النظام الإسلامي تلتقي الفردية والجماعية في صورة متزنة تتوازن فيها جدية الفرد ومصلحة الجماعة وتتكافأ فيه الحقوق والواجبات وتتوزع فيها المغانم والتبعات بالقسطاس المستقيم”.
هل نحن أمام واقع جديد نستبدل فيه مفهوم ”الشعب” بــ”الجماعة”، و“النظام الجمهوري” بــ”النظام الإسلامي”، و“المغانم” بــ”السلطة والثروة”، و“القانون” بــ”القسطاس المستقيم”!!
ويذهب الكتاب في صفحة 65 للحديث عن ”الغلو والتطرف وخطره على المجتمع”، ويقول في ذلك ”إن طرف الغلو والتشدد والتطرف والإفراط نسميه ما نسميه، المهم أنه الطرف الذي يرهق الأمة من أمرها قترا، ويوقعها في الحرج، ويعسر عليها ما يسر الله، ويعقد ما سهله الدين، ويضيق ما وسعه الشرع، فلا يسمح لها برخصة، ولا يبيح لها ما توجبه الضرورة، ولا يعايش الحاضر، بل ينكفئ على الماضي بدون بصيرة وفهم”.
ويضيف الكتاب بنفس الصفحة، ”الدين كله من عبادات ومعاملات وضع على نسق ومنهج وسط فوق التقصير ودون الغلو، وبيان ذلك من أوجه عديدة: الصراط المستقيم وسط بين طريقين طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين، المنهج النبوي القصد وقد تجلى ذلك في حياته صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا كالاقتصاد في المواعظ وفي المعيشة وفي خطبه ووصاياه وفي كلامه ومشيه، رفع الأغلال والآصار التي كانت في الشرائع السابقة عن هذه الأمة”.
وفي صفحة 66 يتحدث الكتاب عن ”الغلو الذي أهلك من قبلنا من أهل الكتاب ممن غلا في العقيدة، أو غلا في العبادة، أو غلا في السلوك”. ويضيف بنفس الصفحة ”كل من تعبد الله في غير ما شرع نوعا أو عددا أو صفة فهو من الغلاة، ومن هنا أصبحت البدع في الدين من الغلو والتطرف، إلا أن الإعلام الغربي استعمل مصطلح التطرف أكثر للربط بينه وبين الإسلام”.
يستمر الكتاب بالحديث عن الغلو في صفحة 67 فيقول إن ”الغلو مجاوزة الحد، ومن مظاهره الانحراف، ومن تلك المظاهر التي وقعت فيه بعض الطوائف: انحراف عقدي وهو غلو كلي، وهو ما يتعلق بكليات الشريعة وأمهات مسائلها كالغلو في الأئمة وادعاء العصمة لهم والبراء من العصاة وتكفرهم، انحراف عملي وهو غلو جزئي يتعلق ببعض جزئيات الشريعة كالتشديد على النفس وتحريم الطيبات والخروج على الحكام واباحة الاغتيال وهكذا”.
يتذاكى مُعدّو الكتاب حين يربطون الغلو والتطرُّف بالأمور التعبديّة، وكأنما المتطرِّف هو من يكثر من العبادات فوق اللازم، أو من يثور ضد الحاكم، وكأنَّ هذه هي مشكلة المجتمع مع التطرف والتعصب الديني ومع جماعاته الإرهابية والتكفيرية، وتناول الغلو والتطرف بهذا المفهوم هو دفاع من مُعدي الكتاب عن الغلو والتطرف الحقيقي الذي يتجلى بجماعات التكفير والإرهاب والقتل.