كيف شكلت جماعة الإخوان مرجعاً فكرياً لتنظيم القاعدة؟ دراسة تجيب
الثلاثاء 18 مارس 2025 - الساعة 01:53 صباحاً
تقول الأدبيات التاريخية إنّ جماعة الإخوان هي المرجع الأول لكافة التنظيمات الإرهابية، في القلب منها تنظيما داعش والقاعدة، وقد وفرت الجماعة أطراً شرعية لتوظيف العنف والصراع المسلح لتحقيق الأهداف. في هذا السياق تكشف دراسة حديثة صادرة عن مركز (تريندز) للبحوث والاستشارات أوجه العلاقة الفكرية بين الإخوان وتنظيم القاعدة، في ضوء بعض السياقات المشتركة مثل مفهوم "الخلافة الإسلامية" وشرعنة العمل المسلح.
تقول الدراسة الصادرة قبل أيام تحت عنوان: "العلاقة بین إيديولوجية الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة": إنّ العلاقة الإيديولوجية بين الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة هي جزء من علاقة الإخوان بكل التنظيمات الإسلاموية العنيفة في العالم.
*مفهوم الخلافة كسياق فكري مشترك*
تشير الدراسة إلى أنّ دعوة الإخوان لإقامة "الخلافة الإسلامية"، ومن ثم توليهم أمر دين جميع المسلمين ودنياهم، بالإضافة إلى تطبيق نظرية استمرار الجهاد إلى يوم القيامة، وما يستتبع ذلك من الغنائم، فكرةٌ أغرت كل الجهاديين بطريقة جعلت كل الجماعات الإرهابية، ذات العقلية الإخوانية، تحاول التفوق على بعضها بعضاً بالمزيد من العنف ونشر الخوف والرعب في المجتمعات.
ولا يوجد فرق كبير بين "الإخوان" وسائر الجماعات "السلفية الجهادية"؛ لأنّ الفريق الأول يرى أنّ الأنظمة الرسمية ظالمة ومعتدية على حق الله تعالى، وترى "السلفية الجهادية" هذه الأنظمة كافرةً أو مرتدةً، ويؤدي كلا النهجين إلى نتيجة واحدة، تتجلى عادة في الرغبة في الإطاحة بالحكومة ومؤسسات الدولة.
وعليه، يتم في هذه الدراسة بحث نوع العلاقة والمواقف بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة، وفق الدراسة.
*الأبعاد الفكرية العامة بين الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة*
يمثل الإخوان المسلمون السلفَ الإيديولوجي لجميع مؤسسي (القاعدة)، وفق الدراسة. وعلى الرغم من الاختلافات القائمة بين "الإخوان" و"القاعدة" في استراتيجيات المواجهة العامة، فإنّ أوجه التشابه تفوق بكثير الاختلافات بينهما؛ نظراً لاشتراكهما في الاستناد إلى إيديولوجية المُنظِّر الإخواني سيد قطب ونظرياته، في إقامة دولة إسلامية عالمية تحكمها الشريعة الإسلامية.
ويُعدّ عمل "الجماعة" بمنزلة جسر يربط بين الإسلاميين الشباب، بصرف النظر عن اختلاف توجهاتهم الثانوية بين المتشدد والأكثر تشدداً فيما يتعلق بالعمل الجهادي؛ بدليل ما كتبه القرضاوي عن أنّ جماعة الإخوان المسلمين "ليست فقط أكبر حركة إسلامية، لكنّها أمّ كل الحركات الإسلامية". ولذلك "فإنّ دور الجماعة كجسر للمنظمات الجهادية أكثر وضوحاً في علاقاتها بتنظيم القاعدة".
وتذكر الدراسة، على سبیل المثال لا الحصر، أنّ کل الذین أسسوا تنظيم القاعدة، أو نفذوا عمليات إرهابية كبرى حول العالم، بشکل مباشر أو غیر مباشر، کانوا في الأصل أعضاء في جماعة الإخوان، بمَن في ذلك أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وعبد المجيد الزنداني، وخالد الشيخ محمد، العقل المدبر لهجمات 11 أيلول (سبتمبر).
ولذلك تتبنّى جماعة الإخوان عموماً تشدد القاعدة وهجماتها على أمريكا وإيديولوجيتها. ولعل أبرز دليل على توافق موقفهما ما طرحه رجب هلال حميدة، عضو الإخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري (2009) قائلاً: "في رأيي أنّ أسامة بن لادن أو الزرقاوي أو الظواهري ليسوا إرهابيين كما يظن أغلب الناس، أنا أؤيد كل نشاطاتهم وأعمالهم ما دامت ضد أعداء الإسلام؛ لأنّهم يشكلون إزعاجاً للأمريكيين والصهاينة. ولكن حين يقتلون المواطنين المسلمين، فلا ينبغي اعتبارهم جهاديين أو حتى إرهابيين، بل مجرمين".
يأتي ذلك بالتزامن مع سعي جماعة الإخوان إلى تفادي ردود أفعال الحكومات بالحفاظ على مسافة بينها وبين القاعدة، بانتقادها على مضض.
*المرتكزات الرئيسية*
توضح الدراسة أنّ علاقة الإخوان المسلمين بتنظيم "قاعدة الجهاد" ممتدة ومستمرة؛ فمؤسس التنظيم أسامة بن لادن كان من الإخوان المسلمين، وكذلك زعيمه الثاني أيمن الظواهري، كان هو الآخر من الإخوان منذ أن كان عمره (15) عاماً، وقد سافر إلى أفغانستان بناء على طلب "الإخوان".
وحتى تسمية هذا التنظيم باسم "القاعدة" كانت من قِبل "الإخوان"، عندما نسّق عبد الله عزام، أحد قيادات الإخوان، (فلسطيني)، بالتنسيق مع أسامة بن لادن، باستخدام قاعدة البيات المسجلة للمجاهدين العرب في "مكتب خدمات المجاهدين" (أسسه عزام عام 1982 لاستقبال شباب العرب الراغبين في قتال الروس في أفغانستان)، لتأسيس تنظيم "قاعدة الجهاد"؛ ممّا يعني أنّ العلاقة بين الإخوان والقاعدة ليست على مستوى الأفكار التي يؤمن بها كلا التنظيمين فقط، ولكنّها علاقة عضوية وتنظيمية.
*العمليات الانتحارية*
تشترك الجماعة مع القاعدة في إضفاء المشروعية على ما يُعرف بالعمليات الانتحارية/ الاستشهادية، التي صارت الأداة الأكثر فتكاً التي تستخدمها التنظيمات الجهادية ضد المسلمين وغيرهم، ممثلة بفتوى مُنَظِّر الإخوان يوسف القرضاوي، في كتابه "فقه الجهاد"، وبتأكيده أنّ "تفجير المجاهدين المسلمين أنفسهم ضد المحتلين مقاومة شرعية، ومن أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله".
وفيما يستند الإخوان في مشروعية العمليات الاستشهادية/ الانتحارية إلى ما يسمونه "الفقه المقاصدي"، فإنّ الأسس النظرية للعمليات الاستشهادية/ الانتحارية لدى القاعدة تُعدّ من "النوازل المعاصرة"، التي لم تكن معروفة في السابق بطريقتها الحالية اليوم، مع تأكيد "عدم الالتفات لمن يخالفهم الرأي، بما في ذلك جواز قتل الرهائن للتفرغ لقتال خاطفيهم".
في حين أنّ العمليات الانتحارية محرَّمة تحريماً قطعيًاً جازماً، أصّلته النصوص الشرعية.
في هذا الصدد تشير الدراسة إلى أنّ دار الإفتاء المصرية ردَّت بشكل علمي ومهني على تأويلات "الإخوان والقاعدة" الباطلة فيما يخص "العمليات الانتحارية"، وأوضحت ذلك في نص واضح يقول: "لا شكّ أنّ هذه العمليات التفجيرية والانتحارية التي تستهدف الآمنين من المسلمين وغير المسلمين حرام شرعاً، ولا علاقة لها بالإسلام ولا بالأديان، لا من قريب ولا من بعيد".
*المواطنة: مفهوم غائب*
بحسب الدراسة، ينظر إلى مفهوم المواطنة على أنّها رابطة وعلاقة اجتماعية داخل الوطن، قائمة على الاعتراف بكرامة الفرد، واحترام حقوقه الإنسانية، على أساس مبدأ المساواة.
ويرى الإسلامويون هدم الدولة المعاصرة، ومحو كل معاني المواطنة، غايةً إيمانية يُتقرب إلى الله تعالى بها. فالدولة، من منظور الإخوان والقاعدة، هي الصنم الذي تناقض سيادته حاكمية الله؛ فـ "الإسلام"، من منظورهما، هو الوطن الذي يتجنَّسون به.
*نظرية التكفير*
تقول الدراسة: إنّ استخدام "الإخوان المسلمين" للتكفير وإقصاء المنافسين هو وليد المنهج الذي وضعه المؤسس حسن البنا، ونظَّر له سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق"، وقد كان له أكبر الأثر في نفوس قادة الحركات الإسلاموية بمختلف مسمياتها.
وتخلص الدراسة إلى أنّ الرابط الأهم والأوثق بين كل التنظيمات الإسلاموية العنيفة، خاصة بين "الإخوان" و"القاعدة"، هو وحدة الهدف فيما بينها.
▪︎ صحفية مصرية وباحثة مختصة بالإسلام السياسي والإرهاب