ما الذي يجمع بين الإخوان والخوارج؟ تحليل من واقع دراما رمضان

الاحد 23 مارس 2025 - الساعة 11:11 مساءً

 

طالما ارتبط تفكير الإخوان بمصطلح (خوارج العصر)، نظراً للتقاطعات الفكرية الكثيرة بينهما، وقدرتهما على صناعة الفتنة والفوضى لصالح مشروعهما؛ في ضوء ذلك تتناول دراسة حديثة صادرة عن مركز (رع) للدراسات للباحثة أسماء دياب، أوجه الشبه بين الخوارج وجماعة الإخوان المسلمين، وبيان ماهيّة المفاهيم التي تأسست منذ زمن الخوارج واستمرت ضمن إيديولوجية الإخوان حتى عصرنا.

 

تستهل الدراسة مقدمتها باستعراض الحلقة الـ (15) من "مسلسل معاوية" ضمن دراما رمضان 2025 الذي تناول قضية الخوارج، وتعرّفهم بأنّهم فرقة بدأ تأثيرها في الظهور خلال أحداث الفتنة الأولى، أهم عقائدهم تكفير المسلمين بالذنوب والمعاصي، واستحلال الجهاد ضد المسلمين واستحلال أموالهم ونسائهم.

 

وتشير إلى تطرق المسلسل لدور الخوارج في إثارة الفتنة والتحريض ضد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، مروراً بدورهم في تأجيج الصراع بين المسلمين، ثم دورهم في رفض التحكيم خلال الحلقة والتحريض ضد الإمام علي، وصولًا إلى التآمر والتخطيط لقتل كلٍّ من معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب، ولم يفلحوا إلا في قتل علي بن أبي طالب نهاية الحلقة الـ (15).

 

*كيف يُشبه الخوارج الإخوان؟*

 

بحسب الدراسة، تحمل راية الخوارج عبارة "لا حكم إلا لله"، وهي سياسة استخدام الشعارات الدينية نفسها التي تستخدمها الجماعات المتطرفة، على رأسها جماعة الإخوان المسلمين حتى حينه. فقد برر الخوارج قتل المسلم المخالف لهم في الفكر، وأقاموا الحجج على شرعية أفعالهم الإجرامية، ومن الوقائع الشهيرة الشاهدة على ذلك في التاريخ الإسلامي، قتل شخص يُدعى عبد الله بن خباب، فعندما سألوه عن رأيه في علي بن أبي طالب، وعندما مدحه على خلاف رغبتهم، قاموا بقتله وشق بطن زوجته الحامل، مدّعين أنّهم يتقربون إلى الله بهذا الفعل الإجرامي، وهو ما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين، فقد أكد المرشد السادس لجماعة الإخوان (مأمون الهضيبي) نصًّا بقوله: "نحن نتقرب إلى الله بعمليات التنظيم السرّي".

 

وقد بدأت نشأة الخوارج في سياق فتنة مقتل عثمان، وكان لهم الدور الأبرز في تأجيج الصراعات واحتدام حدة الفتن والتحريض في زمن عثمان، ثم استمرت خططهم على التحريض لخلق الفتنة في زمن علي، وهذا برفضهم التحكيم واستخدام الآية الكريمة: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، وردّ عليهم الإمام علي بن أبي طالب بقوله: "القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق، وإنّما يتكلم به الرجال". 

 

بذلك أعلنوا الخروج على الإمام علي، بزعم أنّه خالف كتاب الله، وساروا بين الناس بتكفيره ومن معه، والدعوة إلى قتاله. ومن وقائع التاريخ التي تعرّض لها المسلسل مناظرة الخوارج وإقامة الحجة عليهم، لكنّهم أصروا على بغيهم بالخروج على الإمام وتكفير المسلمين واستباحة دمائهم، وهو المسار نفسه الذي اتبعته جماعة الإخوان وأخواتها حتى الآن.

 

*تقاطعات فكرية*

 

أخبر النبي عن الخوارج، وأوصى بطريقة التعامل معهم، فقال ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: "سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية، يقتلون أهل الإسلام، قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم فسيقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة، (لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد)". 

 

تشير الباحثة في ضوء ما سبق إلى أنّ الخوارج يحملون عقيدة تشتمل على تكفير المسلمين والخروج على الحاكم، تلك العقيدة تشمل عدة مفاهيم فكرية باطلة رسخ لها الخوارج، وامتدت آثارها في عقيدة الجماعات التكفيرية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان حتى حينه، وتتمثل أهم تلك المفاهيم التي تشاطرها الإخوان مع الخوارج، فيما يلي:

 

*مفهوم التكفير*

 

يُعدّ الخوارج أول من أسسوا لمفهوم التكفير في التاريخ الإسلامي، حيث اعتمدوا مبدأ تكفير المسلمين بالذنب، وتكفير كل من يخالفهم الرأي، وقد تعرض المسلسل لهذه القضية بتجسيد من أشخاص خرجوا وكفروا عليّاً ومعاوية لقبول التحكيم، وعارضوا وقف القتال وحقن دماء المسلمين. وهو ما تفعله جماعة الإخوان بتكفير الحكام العرب، ومن يعاونهم والشعوب العربية والدعوة لقتالهم. 

 

أسس حسن البنا للتكفير بشكل مباشر وغير مباشر في عدة رسائل منها: "نعلن في وضوح وصراحة أنّ كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهج (منهج الجماعة)، ولا يعمل لتحقيقه، لا حظّ له من الإسلام". وأكد على عقيدة التكفير سيد قطب من بعده بقوله: "ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد لا إله إلا الله...، إنّه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله، ولا المجتمع الإسلامي".

 

*الحاكمية*

 

أسس الخوارج لمفهوم الحاكمية باستخدام الآية {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وقد ردّ عليهم الإمام علي بن أبي طالب، وهي الآية نفسها التي استخدمتها جماعة الإخوان، وكل الجماعات المتطرفة، كحجة على مفهوم الحاكمية وفق رؤيتهم. 

 

وقد أصّل البنا لمفهوم الحاكمية في رسائله بقوله: "مهمتنا تفصيلًا: هي أن يكون في مصر، بحكم أنّها في المقدمة، نظام داخلي يتحقق به قول الله تبارك وتعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله}. ثم رسخ قطب لمفهوم الحاكمية بقوله: "والذين لا يفردون الله بالحاكمية في أيّ زمان وفي أيّ مكان هم مشركون، لا يخرجهم من هذا الشرك أن يكون اعتقادهم أن لا إله إلا الله مجرد اعتقاد، ولا أن يقدموا الشعائر لله وحده".

 

*الخروج على الحاكم*

 

الخوارج أول من دعوا إلى الخروج على الحاكم والجهاد ضده، واستحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وسعوا لإثارة الفوضى بين المسلمين، وبث الفتن والشائعات وتقليب الناس. وهو ما دفع الإمام علي لقتالهم في معركة "النهروان"، ممّا نتج عنه أنّ من بقي الخوارج تشتت في الأمصار. تلك الأحداث التاريخية تتشابه مع ما تقوم به بعض الدول العربية في مواجهة عناصر جماعة الإخوان التي قامت بإحداث المخططات لوقوع الفتن والقلاقل وارتكاب أعمال عنف. 

 

وقد أصّل البنا لهذا المفهوم في رسالة التعاليم ضمن أركان البيعة (الركن الرابع): "الجهاد… بقول كلمة حق في وجه سلطان جائر، أو الجهاد الفعلي أي القتال في سبيل الله". ورسخ قطب لهذا المفهوم في قوله: "إنّ الحركة هي قوام هذا الدين، ومن ثم لا يفهمه إلا الذين يتحركون به ويجاهدون لتقريره في واقع الناس وتغليبه على الجاهلية بالحركة العملية... لا تقوم الأمّة الإسلامية إلا من خلال تجمع عصبة مؤمنة تقوم مقام الطليعة التي تقود المجتمع نحو الدولة ثم الأمّة الإسلامية التي تقود البشرية".

 

 *التقيّة*

 

أباح بعض الخوارج استخدام مبدأ التقيّة مع المسلمين الذين يحكمون عليهم بالردة لمخالفتهم، وبعضهم رفض المبدأ من الأصل، وهو ما تبقى عليه الجماعات المتطرفة في الوقت الراهن، حيث يجيزها البعض ويرفضها البعض الآخر. وقد أسس حسن البنا لمفهوم التقيّة في عدة رسائل منها: "إيثار الناحية العملية: ما كان يخشاه الإخوان من معالجة الدعوة بخصومة حادة أو صداقة ضارة ينتج عنهما تعويق في السير أو تعطيل عن الغاية"، وقد دعا البنا في رسائله أتباعه إلى التعامل وفق مبدأين، أحدهما ظاهر والآخر باطن، كنوع من الخداع. على الجانب الآخر رفض قطب العمل بصفة شخصية بمفهوم التقيّة، وقال: "لا يجوز أن يعمل القائد بالرخصة"، وأباح جواز أن يعمل بها الأتباع. وتجدر الإشارة إلى تلازم مفهوم التقيّة مع مفهوم التكفير، بحيث يدوران معًا وجودًا وعدمًا، فإباحة الجماعات التكفيرية للتقيّة نتيجة لتكفير المجتمعات المسلمة.

 

وتخلص الباحثة إلى التأكيد على أنّ الخوارج هم من بدؤوا اعتماد سياسة اغتيال الحكّام والمعارضين، فقد قاموا بعدة اغتيالات منذ أحداث الفتنة الأولى وأحداث الفتنة الثانية، وصولاً إلى اغتيالات حدثت بتخطيطهم وبأيديهم في عهد الدولة العباسية. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ سياسة الاغتيال التي تبررها وتؤصل لها جماعة الإخوان وأخواتها، ما هي إلا امتداد وصدى لما بدأه الخوارج عبر التاريخ الإسلامي. فقد شهد التاريخ مئات حوادث الاغتيال لسياسيين ومعارضين، حتى طالت الاغتيالات عناصر إخوانية حاولت معارضة الجماعة في فترات تاريخية مختلفة.

 

▪︎ صحفية مصرية وباحثة مختصة بالإسلام السياسي والإرهاب

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس