الدراما اليمنية.. تطور ومحاكاة للواقع (طريق إجباري نموذجاً)
الاثنين 24 مارس 2025 - الساعة 11:19 مساءً
يعرض خلال أيام شهر رمضان المبارك الكثير من المسلسلات اليمنية التي تنافست القنوات على إنتاجها. أتابع منها: دروب المرجلة من قناة السعيدة ، وطريق إجباري من قناة بلقيس، والجمالية من قناة يمن شباب. في هذه المسلسلات إبداع وتألق للممثلين، وهناك تطور كبير في النص والأداء، والتصوير، والإخراج وكل ما رافقهما من تجهيزات.
أداء أبهرنا، ورسائل وصلت، وحبكات أتقنت، مشاهد أبكتنا، ومشاهد أسعدتنا، ومشاهد شدتنا وحيرتنا، ومشاهد حملت رسائل قوية، وبالطبع إذا وجد هذا التأثير على المشاهد فإنه دليل على التطور في الدراما اليمنية، وأنها استطاعت أن تصنع إبداع وسط هذا الكم الهائل من المسلسلات العربية، وشدّت شغف المشاهد اليمني لها.
حتى وإن وُجد بعض القصور والسلبيات، وهناك من كتب حولها، فهي بالتأكيد تؤخذ بعين الاعتبار في الأعمال القادمة، الكل سيطور من أدائه أكثر، وسيتعلم من أي قصور أو أخطاء.
التجارب كلها تبدأ وفيها قصور وتتطور وتتقدم، وإلا ما وصلت أكثر الأعمال الفنية إلى العالمية. والجمهور اليمني يوم وراء يوم يثبت أنه يستاهل أجود الأعمال الدرامية الذي يرتقي معها..
مسلسل “طريق إجباري” نموذج للإبداع
أسقطت عليه انتقادات وسخرية، وحتى من قبل أن يبث، منها على الممثلين ومنها على حبكة المسلسل، ومنها على الفنان نبيل الآنسي، وارتباطه بشخصية “زنبقة” وغيرها من الانتقادات، وربما نحن شعب يجيد أغلبه الانتقاد أكثر من أي شيء آخر، ويحكم على الأشياء قبل أن يعرف حيثياتها..
تابعت المسلسل وكمشاهد تهمه التفاصيل كلها خاصة تلك التي تتعلق بالمرأة والحقوق والعدالة.
أقدر أقول إنه عمل ضخم وأداء رائع تألق فيه النجوم، تقمصوا الشخصيات كأنها حقيقية. عشنا معهم كل لحظة، دخلنا كل بيت في القرية، لامسنا معاناتهم، أبكتنا قصصهم، أوجعتنا غطرسة وظلم من يملك المال والقوة. عشنا قصة التحدي والدفاع عن الحقوق، والبحث عن العلم. عشنا أجواء القرية وما يدور فيها من صراع وعنف وبؤس وتراحم ومحبة وماضٍ قاتل..
عشنا مع دور جمال (بكار باشراحيل)، وجشع الآباء والذين لا تهمهم إلا أنفسهم، وما يهمهم ماذا في بيوتهم، وكيف يعيش أولادهم، وكيف يتعاملون مع زوجاتهم، وكيف يجبرون بناتهم وهن طفلات على الزواج طمعاً بالمال، وما أكثرهم!
ومع دور محفوظ (محمد الهتار)، الأب المكافح الحنون الذي يخاف على أسرته ويحاول بكل السبل حمايتهم، ولقلة الحيلة وهيمنة القوي يقع فيما وقع به البقية، وما أقل مثل هذا الأب في المجتمع..
ومع دور الأم (نجيبة عبد الله)، التي ربت وكبرت وعلمت، وجاء اليوم الذي ترتاح فيه، فقد صارت ابنتها دكتورة، لتكتشف أنها دخلت دائرة الخوف والقلق على فلذات كبدها، وتتألم كل لحظة على طفلها الذي دفع ثمن مواقف أخته.
عشنا مع دور منى (رأفة صادق)، الزوجة الصابرة الساكتة والراضية بنصيبها.. ولقد جسدت أنيسة (ياسمين ياقوت)، ورقية (تسنيم المقطري)، وجع وقهر وبؤس الأمهات في القرى.. الأمهات اللاتي يبكين بصمت خلف الجدران دونما أحد يحس فيهن، مستسلمات للظلم والعنف والذل والظروف القاسية.
وعشنا مع دور غانم (نبيل الآنسي)، الذي خرج من عباءة “زنبقة”، ليتقمص دور الشاب المريض نفسياً، الذي يعيش بين صراع الماضي وفقدان الأم والجريمة وجبروت الأب والزوج المحب وأوهامه المدمرة، ولقد أتقن دوره وقدم لنا شخصية أخرى بأسلوب جديد.
عشنا مع دور حارث (نبيل حزام)، وهو المخضرم الذي لا يختلف حوله اثنان. جسد شخصية من يملك المال والسلطة على أحسن ما يكون، بغطرسته، وهيمنته، وكبريائه واستعباده للضعفاء، وبالمال والقوة تخفى الجرائم، وتشترى الذمم، وتزوج الطفلات، وتؤخذ الممتلكات.
الدكتورة أروى (سالي حمادة)، صوت الحق، قدمت نموذجًا جميلًا للفتاة القوية المثابرة، والناجحة، والطموحة، والمدافعة عن العدالة والحق. أدت دورها بدون تكلف أو تصنع، وكالعادة كانت حاضرة بشخصيتها الجميلة القريبة إلى القلب.
الدكتور عياش (حسن الجماعي)، الذي يعتبر شريكًا في الجريمة بسكوته عن المرض النفسي الذي يدمر الأسر وليس الشخص وحده، ورغم معرفته بخطورة ذلك أقدم على تزويج غانم من بنت أخته، وتستر على مرضه حتى بعد الجريمة.
سحر الأصبحي، أحمد جبارة، خالد اليوسفي، أنسام المقطري، وكل ممثل في المسلسل كلهم تألقوا وقدموا أدوارًا جميلة، حتى الأطفال والوجوه الجديدة كان لهم حضور جميل..
بالفعل تألق الكاتب أحمد يحيى والمخرج عبد العزيز حشاد في تجسيد واقع معاش في الأرياف، وما خفي كان أعظم.
ويبقى مقارعة الظلم وتعزيز احترام الحقوق، وتعميق قيم المجتمع والأسرة، وإرساء مبادئ العدالة مسؤولية الجميع من الفرد داخل الأسرة إلى المجتمع، ودور الدراما مهم في هذا الجانب، وخاصة أن أغلب الناس يميلون إلى مشاهدة المسلسلات ويتأثرون بها..
فليتم تحويل البوصلة على القضايا المجتمعية، وتسليط الضوء عليها، ورفع الوعي المجتمعي باحترام قيم الأسرة، والقيم المجتمعية، واحترام الأفراد وحقوقهم، وتعزيز المواطنة المتساوية والعدل، ورفض العنف بكل صوره وأشكاله وتعزيز أهمية العلم والعمل لأجل الوطن من خلال الدراما والفن وكل ما له علاقة بالثقافة.
وليتنافس المتنافسون في هذا المجال لإحداث التغيير الإيجابي، ونبذ العنف بكل وسائل السلام.
ليبدع المبدعون وليتألقوا، والساحة للجميع، فقد تصنع الدراما ما عجز عنه صناع القرار.
بالفن والثقافة والدراما نتقارب ونتوحد، وما مشاركة كل هؤلاء الممثلين ومن كل المحافظات إلا دليل على التنوع الجميل والحضور القوي والتكامل في هذا البلد.