الحصاد الاولي لحملة ترامب: مدى فاعلية الضربات الامريكية، وهامش المناورة الحوثية
الاربعاء 02 ابريل 2025 - الساعة 12:28 صباحاً
نظرا للتكتم الحوثي الشديد ؛ فان المعلومات الاولية الواردة حول نتائج الضربات الامريكية في اليمن تساهم بالكاد في رسم جزء يسير من المشهد.
ولاستكمال تركيب باقي اجزاء الصورة ؛ فانه ينبغي تحليل مؤشرات السلوك الحوثي الراهن ، ومقارنتها مع نمط سلوك الجماعة خلال حقبة بايدن ،وفترة ما قبل ضربات ترامب.
وفي هذا السياق يمكن تسجيل خمسة ملاحظات مهمه ، طرأت خلال النصف الثاني من شهر مارس ٢٠٢٥:
١- تراجع نشاط الحوثيين في الجبهات المحلية ، فمنذ بداية الضربات الامريكية دخلت القوات الحوثية على خطوط التماس في حالة صوم قتالي ولم يسمع لها اي تحرك.كما ان عمليات التحشيد الحوثي بشريا وتسليحيا قد واجهت معضلة حقيقية لاسيما بعد ضرب مخازن السلاح ومراكز القيادة والسيطرة في الجوف ومارب وضرب معسكرات التدريب في ذمار و صنعاء وصعدة.
٢- تدني كثافة الضربات العابرة للحدود ؛ و التي شهدت منحى تنازلي وصولا الى توقف العمليات ضد الاصول العسكرية الامريكية خلال اخر يومين.
و تجنب الحوثيون استخدام اسلحة نوعية مثل القوارب و الغواصات الانتحارية غير المأهولة ، وهو الامر الذي قامت به الجماعة دون تردد خلال حقبة بايدن.
٣- التزام الحوثيين بقواعد الاشتباك الترامبية وتجنب استهداف الملاحة التجارية حتى الان ، سواء السفن التابعة لاسرائيل او المتجهة اليها. وكذلك السفن التجارية الامريكية.
قد يكون السبب في ذلك هو عدم مرور سفن امريكية او اسرائلية في البحر الاحمر ، وهذا امر لم يتسنى لي التاكد منه بعد.
لكن في جميع الاحوال فان سلوك الحوثي الراهن يعد موشر تراجع لانهم في العام ٢٠٢٤ وحينما تعذر عليهم ضرب السفن الاسرائلية والامريكية ، قامت الجماعة باستهداف السفن الغربية دون تمييز ، وهو الامر الذي تتجنبه اليوم.
٤- التراجع عن الخطاب التصعيدي ضد السعودية. فبعد ان اطلق الحوثيون بالونة اختبار من خلال بيان البنك المركزي الانقلابي في صنعاء ، تجنب زعيم الجماعة الحوثية في اخر خطابين له الاشارة باي سوء الى الرياض ، ولا يمكن فصل هذا التريث الحوثي عما ورد في التسريبات الامريكية الاخيرة لمجلة ذا اثلانتك والتي تضمنت رسالة واضحة مفادها ان مصادر النفط الخليجية خط احمر.
٥- انفتاح طهران والحوثيين على جهود الوساطة وهو ما يمكن رصده منذ زيارة عراقجي الى مسقط عشية الضربات وتسريب رويترز عن تسليمه رساله الى محمد عبد السلام يحث فيها الحوثيين على خفض التوتر. ثم زيارة رئيس الوزراء العراقي السابق الى صنعاء.
واخيرا استضافة طهران للمبعوث الاممي الى اليمن للمرة الثانية خلال شهرين. وقد كانت الزيارة الاولى لهانس في يناير ومثلت رسالة ايرانية عن جديتها في لجم الحوثيين عن الهجمات ، وهو ما حدث.
اذن في المحصلة يمكن القول ان الضربات الامريكية - وبخلاف الانكار الحوثي- تعتبر موجعة للغاية بالمعنى العملياتي . لكنها ليست قاضية بالمعنى الاستراتجي.
تتجلى فاعلية الضربات الامريكية من خلال بنك الاهداف النوعي والذي تضمن عملا منهجيا على قطع الرؤوس القيادية ، استهداف البنية التحتية العسكرية.
وهذا النهج الامريكي حتى وان لم يقضي تماما على قيادات الحوثي فانه يجعلها تعيش في عزلة امنية تنعكس سلبا على قدرتها في صناعة القرار السياسي والعملياتي. كما انها تقوض قدرة الحوثيين على استخدام اصولهم العسكرية و مخزونهم التسليحي.
ومن زاوية اخرى تتجلى فاعلية الضربات الامريكية من خلال تأثيرها على طبيعة السلوك السياسي الحوثي الذي اصبح اقل مجازفة. و على سلوكهم العملياتي الذي اصبح اكثر حذرا بحيث لا تتجاوز هجماتهم "عتبة التصعيد الرمزي" عبر توجيه الصواريخ والمسيرات الى اهداف يسهل للدفاعات الجوية التعامل معها.
غاية الحوثي من التزام التصعيد الحذر ، هو شراء الوقت لامتصاص الضربات ، مع الحفاظ على ماء الوجه عبر عمليات رمزية ، وامعان التفكير في الخطوة القادمة .
وقد تكون الخطوة القادمة بدء النزول التدريجي عن الشجرة ؛ و افساح المجال امام جهود الوساطة الاقليمية .
وقد تكون حسابات الحوثي تقوم على شراء الوقت استعدادا للذهاب الى حافة الهاوية ؛ عبر استهداف مصالح واشنطن وحلفائها بصورة مؤذية.
وسوف يمثل هذ الخيار سلاحاً ذا حدين؛ فمن جهة يرفع كلفة التصعيد الامريكي في اليمن ، و من جهة اخرى فانه قد يدفع واشنطن والرياض و ابوظبي و عدن الى الاجماع على ضرورة القضاء على الحوثي كتهديد مشترك.
وفي الوقت الرهن، يظل السينايو الامثل بالنسبة لعبدالملك الحوثي هو ان تتوقف الحرب في غزة بسرعة ، وان يكون قادرا على اعلان وقف عملياته مع انتزاع صورة نصر. لكن ذلك وان ادى الى وقف الهجمات الجوية ،فانه لن يوقف العقوبات الناجمة عن قرار تصنيفهم كجماعة ارهابية. لان هذا القرار مرتبط باذعان طهران لشروط ترامب.
وعلى الارجح فان نتنياهو سوف يحرص على افشال هذا السينايو ، وبمساعدة الحوثي نفسه!!
وقد نرى مستقبلا نجاح المسيرات و الصورايخ القادمة من اليمن في اختراق منظومات الدفاع الاسرائلية و بلوغ اهدافها في قلب تل ابيب وايقاع الخسائر المادية والبشرية ، وذلك بالتزامن مع احتياج الحكومة الاسرائلية الى تنفيس الضغوط الدولية والعربية التي ستمارس عليها لوقف الحرب في غزة.