أسئلة الثورة السورية.. مشروعية الفعل الثوري وشرعية السلطة الثورية

الثلاثاء 08 ابريل 2025 - الساعة 07:20 مساءً

 

معضلة الثورة في سياق التجربة التاريخية للعرب تكمن في أن الثورة قابلة للتعريف بفعلها الثوري وليس بـمشروعها السياسي وكأن إسقاط الحاكم هو المنجز الثوري. 

 

في الماضي البعيد، حاولت بعض النخب التعاطى مع سؤال المشروع (اقصد علماء الدين) وعندما تبين لهم أن الخروج على سلطة الحاكم أو الخليفة يكلف آلأمه الكثير من أمنها واستقرارها دون أن يحدث تغيير ملموس في واقع الناس، ذهبوا للقول بتحريم الخروج على الحاكم الظالم وإن أخذ مالك أو جلد ظهرك. 

 

فبدلاً من قيام هؤلاء بخلق الوعي بالمسألة السياسية أغلقوا الباب على فكرة التغيير الثوري فكانت النتيجة تقول: آن للاستبداد السياسي أن يمد رجله بفتوى دينيه، لهذا تحولت الثورة إلى كفر بالعقيدة والثائر باغي على الجماعة.

 

صحيح الثورة ليست غاية بذاتها بل وسيلة تلجأ إليها القوى السياسية والاجتماعية لا سيما حين يتمكن الحكم من إغلاق المجال السياسي العام، وهذا يعني أن الثورة بقدر ما هي « من زاوية المشروعية » معنية بفتح أبواب التحريم السياسي التي اغلقها الحاكم خلال فترة حكمه، بقدر ما هي « من زاوية المشروع السياسي » معنية بتحقيق المشروع الوطني.

 

بناء على هذا المدخل العام يجدر بنا أن نطرح بعض الأسئلة على طاولة الثورة السورية وهي القائلة على سبيل المثال وليس الحصر : هل كانت مشكلة الاسدين مع الشعب السوري مشكلة طائفية أو مذهبية أم سياسية ؟

 

وهل كانت الثورة في سوريا لازمة ضد نظام الأسد؟

وماذا كانت تحتاج سوريا قبل الثورة وحتى بعدها لكي تكون حره ؟ 

لاسيما وأن التغني بـ « سوريا الحرة » بدا هو العنوان التبشيري المكثف سياسياً للثورة.

واخيراً : هل حرية السوريين «بمفهوم الخلاص التاريخي من نظام الاستبداد » سيتحقق في ظل سلطة الثوار أم في ظل فكرة الثورة؟

 

من نافلة القول أن الشعوب التي شهدت تحولات ثقافية عميقة هي التي أصبحت تتعاطى سياسياً مع الثورات وتنتصر لفكرتها دون دفع أثمان باهضة في مسار الثورة، لكن العرب وحدهم ما يزالون يعيشون مرحلة المجتمعات التقليدية، وهو ما يجعل العربي بأمس الحاجة إلى التعاطي المعرفي مع الثورة، لكن هذا التعاطي المعرفي يتطلب استحضار الغائب في ثقافة العربي وهي العقلانية والتجرد من اثقال الانتماءات.

 

الانتليجنسيا التي أصبحت "ثقافياً" معنية بقيادة حركات التغيير أو الثورات في العقود الماضية تقول إن المعرفة هي مطاردة الحقيقة، والتعاطي المعرفي مع الثورة السورية يعني مطاردة الحقيقة السياسية الغائبة في زمن الأسدين ={ حرية الشعب السوري} وليس مطاردة فلول بشار الأسد كخصوم للثورة ومن ثم تحويل هذه المطاردة إلى مشروع للثورة تحت عناوين مصطنعه: { العلويين} على هامش أحداث الثورة بدلا عن المشروع الحقيقي المتعلق بمستقبل التعايش في سوريا . 

 

وإلا ماذا يعني تبرير الكثيرين للفعل المسلح الآتي من خارج سوريا في سبيل حرية الشعب السوري؟!

 

بيت القصيد على المتباكين على سقوط الأسد أن يدركوا من باب المعرفة الحقائق المتعلقة بمشروعية الفعل الثوري في سوريا وهي على النحو الآتي:

1-الحقيقة الأولى :- الاستبداد السياسي للحاكم يغلق المجال السياسي العام.

 

لم تكن مشكلة الأسدين مع السوريين تتعلق بوجود سلطة طائفية أو مذهبية، بل بوجود سلطة سياسية استبدادية عائلية، فالثورة في سوريا تجد مشروعية فعلها الثوري في تغول الاستبداد السياسي وفي القمع المفرط للحريات السياسية التي مارستها سلطة الأسدين ضد تطلعات الكثيرين من السوريين.

 

إذا كنا نتفق أن تغول الاستبداد سمة عامة للأنظمة العربية فعلينا أن نسلم معرفيا دون انتقائية بأن الاستبداد السياسي هو المشروعية الأولي للفعل الثوري في زمن الربيع العربي الذي اجتاح عدداً من الدول العربية، ومنها سوريا.

 

2- الحقيقة الثانية:- الاستبداد السياسي يبتلع الدولة الوطنية والحزب والنظام الجمهوري.

انقلاب الأسد الأب كان يعني سيطرة حزب البعث على مقاليد السلطة في سوريا فـالحزب في ادبياته السياسية يعرف وجوده بأنه حزب انقلابي، أيّ أنه ينقض على السلطة من أجل تنفيذ مشروعه السياسي والقومي، وهذا يعني أن حزب البعث كان معني بقيادة سلطة الدولة السورية، لكن سيطرة الأسد الأب على مفاصل السلطة حولت البعث من حزب حاكم إلى حزب لسلطة الاسد الحاكمة في سوريا.

 

هذا الاستبداد السياسي الذي بدأ بتعطيل دور الحزب لم يمكن سلطة الأسد من ابتلاع المؤسسات الوطنية للدوله، بل مكنها من تنفيذ المشروع العائلي للأسد الأب حيث تم تسليم مقاليد السلطة للأسد الإبن ما يعني أن الاستبداد السياسي لم يعيق تحول سوريا إلى دولة وطنية ديمقراطية فقط بل ذهب للانقلاب على محتوى الجمهورية وتحويلها إلى نظام وراثي وهذا يمثل مشروعية سياسية واجتماعية للفعل الثوري في سوريا ضد الاسد.

 

3- الحقيقة الثالثة :- الاستبداد السياسي يتشبث بالسلطة و يفرط بالسيادة. 

كان من الطبيعي أن تندلع الثورة في سوريا ضد بشار كما اندلعت ضد بن على وضد مبارك وضد صالح والقذافي و البشير، كل هؤلاء صنعوا  ـ باستبدادهم ـ مشروعية الفعل الثوري في بلدانهم مع الفارق أن بعض هؤلاء كان له ادواته الناعمة وبعضهم كان له ادواته الخشنة في مسألة ابتلاع مؤسسات الدوله، كما أن بعضهم نجح بشكل نهائي في ابتلاع المؤسسات الوطنية للدوله، وهو ما يفسر انتقال بلدانهم للفوضى والانهيار التام بعد رحليهم مثل صالح والقذافي و البشير، وبعضهم لم ينجح بشكل كبير مثل مبارك وبن علي، لهذا لم تنتقل مصر وتونس للفوضى والانهيار  التام.

 

صحيح أن الثورة في سوريا لم تكن قد اكتسبت زخمها الشعبي والجماهيري مقارنة بالثورة اليمنية أو المصرية، وصحيح أن الفعل الثوري في سوريا تم التقاطه مبكراً من قبل دول إقليمية ترغب في إسقاط الأسد بدوافع الخصومة السياسية وليس بدوافع الانتصار لفكرة الدولة الوطنية الديمقراطية الغائبة في سوريا، الأمر الذي أدى إلى تسليح الثوره السلميه و عسكرة سوريا بين داعمين للثورة و داعمين للاسد المتشبث بالسلطة. 

 

ومع ذلك فإن المؤكد أن بطش الأسد بسلمية الثورة، وتشبثه بالسلطة وفي المقابل تسليح الثورة و عسكرة سوريا والتفريط بسيادتها ما كان ليحدث لو أن في سوريا مؤسسات جيش وطني قادرة على اتخاذ القرار في وجه الأسد وتصدُر المشهد والعمل على نقل السلطة مثل ما حدث مع بن على ومبارك.

 

وفي مقابل ذلك على مناصرين الثورة في سوريا أن يدركوا، من باب السياسة،  الحقائق المتعلقة بشرعية السلطة الثورية في سوريا وهي على النحو الآتي:

1- الحقيقة الأولى : 

على هؤلاء أن يدركون أن سوريا قبل الثورة كانت بلداً منتجاً، فالمعروف أن سوريا قبل الثورة كانت دوله مكتفية، بل مصدره للقمح كما أن منتجاتها الصناعية كانت الأفضل عربياً، كما أن اقتصادها كان ينمو واسعارها ثابته وفيها جوده ممتازه في التعليم والثقافة والفن والمعرفة، وفي المقابل فإن نظام الأسدين كان داعم لفصائل المقاومة الفلسطينية باعتراف قادة حماس والجهاد، ولم يعترف بالوجود الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، ناهيك عن أن الصورة التي عرضتها قناة الجزيره للمنزل الذي تعيش فيه عائلة بشار الأسد تظهر أن الرجل كان يعيش في منزل بسيط ومتواضع جدآ ( بيت مدير عام في اليمن أفضل منها بكثير ) وهذا يعكس عدم الاستئثار بالمال العام من قبل بشار الأسد، ما يعني ان انتشال سوريا إلى ما كانت عليه إيجابياً قبل الأحداث، لا يعني منح الشرعية للسلطة الثورية.

 

2- الحقيقة الثانية : 

صحيح أن قمع المعارضة والتنكيل بها في سوريا كان شديداً، لكن ذلك كان صادراً عن سلطة سياسية استبدادية وليست مذهبية أو طائفية وفي نفس الوقت ترى أن المعارضة وفي مقدمتها الحركة الإسلامية هي جماعة سياسية معارضة تفكر في السلطة السياسية وليس جماعة دينيه تنشر المذهب أو العقيدة. وهذا يعني أن سوريا لم تكن محتاجه الى سلطة سنية أو حاكم سني يطلق لحيته أو جماعات مسلحة تصدح بالتكبيرات في وجه بعض المكونات في سوريا ثم يذهب الكثير من أفرادها لتكريس انتصار مذهبي طائفي يعبرون عنه بممارسة جرائم القتل في حق العلويين السوريين انتقاماً من بطش الأسد الذي كان في حقيقة الأمر بطش لجماعات سياسية تفكر بالسلطة.

 

كم كان سؤال الرئيس التركي سمجاً في خطابه المتعلق بالحديث عن ما تعرض له العلويين حين قال ( اين كان هؤلاء عندما كان الأسد يقتل السوريين) يقصد أين كان هؤلاء الذين يتحدثون اليوم عن قتل العلويين ولماذا لم يتحدثون عن جرم الأسد، وكأن لسان حاله يقول: هذه بتلك!

 

ربما كان سؤال أردوغان متناغماً مع ما يجب أن يكون عليه الحال في سوريا من زاوية المصالح التركية في سوريا في ظل سلطة الشرع، كما كانت عليه المصالح الإيرانية في زمن الأسد، لكن شرعية السلطة الثورية في سوريا يجب أن لا تكتسب وجودها السياسي من ممارسات الأسد القمعية ضد شعبه، بل من استحضار ما كان غائب ومحرم ولم يسمح الأسد بممارسته كحق سياسي للسوريين، أقصد الحريه السياسية والتعدديه الحزبية والتداول السلمي للسلطة، بمعنى آخر الثورة التي أسقطت سلطة بشار الأسد بسلاح الخارج ستظل شرعية سلطتها السياسية مرتبطة وجوداً وعدماً ليس بتحقيق الأمن أو الاستقرار ولا حتى باستعادة السيادة الوطنية، بل بقدرة هذه السلطة على تحويل المكونات الإجتماعية في سوريا إلى شعب سياسي وتحول السلطة في سوريا إلى دوله وطنية ديمقراطيه تؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وهو ما سوف يحول سوريا إلى وطن للسوريين.

111111111111111111111

Lolita

2025-May-21

Undeniably believe that which you stated. Your favorite reason appeared to be on the web the easiest thing to be aware of. I say to you, I definitely get irked while people consider worries that they plainly don't know about. You managed to hit the nail upon the top as well as defined out the whole thing without having side-effects , people could take a signal. Will likely be back to get more. Thanks casino en ligne This is my first time visit at here and i am really pleassant to read everthing at alone place. casino en ligne Having read this I believed it was extremely enlightening. I appreciate you finding the time and energy to put this short article together. I once again find myself spending a lot of time both reading and commenting. But so what, it was still worthwhile! casino en ligne Hi there! This is my first visit to your blog! We are a group of volunteers and starting a new project in a community in the same niche. Your blog provided us beneficial information to work on. You have done a marvellous job! casino en ligne fiable It's perfect time to make some plans for the future and it's time to be happy. I have read this post and if I could I want to suggest you few interesting things or advice. Perhaps you can write next articles referring to this article. I wish to read even more things about it! casino en ligne France What's up colleagues, nice piece of writing and good urging commented here, I am truly enjoying by these. casino en ligne fiable If you are going for most excellent contents like myself, only pay a quick visit this website daily as it offers feature contents, thanks casino en ligne francais Heya i am for the first time here. I came across this board and I in finding It truly useful & it helped me out a lot. I am hoping to provide something again and aid others such as you helped me. casino en ligne I'm amazed, I must say. Seldom do I encounter a blog that's both equally educative and engaging, and without a doubt, you've hit the nail on the head. The problem is an issue that too few men and women are speaking intelligently about. I am very happy that I found this in my hunt for something relating to this. casino en ligne France Fastidious response in return of this query with solid arguments and describing all concerning that. casino en ligne


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس