سياسات الاسترضاء أوصلتنا إلى الانهيار

الثلاثاء 15 ابريل 2025 - الساعة 06:37 مساءً

 

لتجاوز واقع اليوم، الذي لم يعد أحد من العقلاء على استعداد للدفاع عنه أو السكوت عليه، فليس أمامنا من خيار إلا أن نعترف جميعًا أن سياسة التوازنات، القائمة على الاسترضاءات في القرارات والتعيينات، التي أدارت بها سلطة الشرعية المعركة الوطنية لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، كانت سياسات خاطئة، فشلت في إقامة نموذج رائد وملهم للدولة، قادر على تلبية متطلبات المرحلة وتوفير احتياجاتها، وتلمس معاناة الناس، والعمل على حلها، بما يولد قبولًا ورضا شعبيًا، يوفر المشروعية لمن يتولون زمام السلطة، ويعزز شرعية وجودهم، كما فشلت في بناء قوة عسكرية للشرعية، قادرة على إحداث تعديل جوهري في ميزان القوة لصالح الشرعية، يجبر المليشيات الانقلابية على العودة إلى طاولة المفاوضات، للاتفاق على حل يرسي سلامًا عادلًا ومستدامًا تحت سقف المرجعيات الثلاث، أو مواصلة الحرب لدحر الميليشيات الانقلابية، لاستعادة الدولة.

 

إن الاستمرار في مواصلة تلك السياسات، هو ما أوصلنا إلى ما نعيشه اليوم من أوضاع مأساوية، سُدَّت فيها الآفاق، وقُتِلَت فيها الآمال، وأفقدت اليمنيين الثقة بالمنظومة السياسية كاملة، وأتاحت الفرصة لظهور مشاريع خاصة، متصادمة ومتباينة بين أطراف الشرعية، الأمر الذي يُحيل اليمن، يومًا بعد يوم، إلى ساحة للتنافس الحاد على النفوذ، وصراع المصالح بين الدولتين الفاعلتين في تحالف دعم الشرعية، ويمكنهما، كما يمكن أطرافًا إقليمية ودولية أخرى، من التدخل في الشأن اليمني، وبناء تحالفات داخلية، تُعمِّق الانقسام، وتوفر أسبابًا للصراع بين مكونات الشرعية، وتُضعف عوامل قوتها في مواجهة المليشيات الانقلابية، ويُقدِّم لها خدمة مجانية، تمكنها من توسيع نفوذها، وبسط سيطرتها، وفرض مشروعها العنصري.

 

نحن أمام مرحلة تستوجب أن يكون دحر الانقلاب، واستعادة الدولة، هو الهدف الاستراتيجي الذي يتقدم على غيره من الأهداف والمشاريع الخاصة، الأمر الذي يقتضي منا جميعًا أن نقر ونعترف بفشلنا جميعًا، وفشل تلك السياسات التي تماهينا معها، أو سكتنا عنها، وأوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم.

 

إن المسؤولية الوطنية، والأخلاقية، تلزمنا اليوم (مجلسًا رئاسيًا، وحكومة، وبرلمانًا، وأحزابًا، ومكونات مجتمعية)، بمواجهة النفس قبل مواجهة العدو، ومواجهة النفس بالحق تقتضي أن نقر ونعترف، أننا جميعًا نتحمل القدر الأكبر من المسؤولية تجاه ما تعيشه بلادنا من أوضاع، إما بتراخي البعض، أو توهم البعض لقدرته على صناعة النصر منفردًا، أو بقفز البعض إلى اغتنام الفرصة، لتحقيق مكاسب ومصالح ذاتية، الأمر الذي خلق فجوة بين مكونات الشرعية، وانعكس سلبًا على علاقة وخطاب كل منها تجاه الآخر، وجعل المعارك الجانبية بين القوى المساندة للشرعية، أشد وطأة من معاركها في مواجهة الانقلابيين ومشروعهم الكهنوتي الاستبدادي، تلك الميليشيات الانقلابية تحاصرنا وتواجهنا بإرادة واحدة، ومشروع واحد، فكيف لنا أن ننتصر عليها بإرادات ومشاريع متعددة؟

 

تواجهنا الميليشيات بقيادة واحدة، تحدد الأولويات، وقيادة واحدة تخطط، وقيادة واحدة تنفذ، ونواجهها بالفرقة والتناحر، بل وننشغل عنها بمعارك جانبية في مواجهة بعضنا.

 

لا وقت للعتب، أو تحميل هذا الطرف أو ذاك، مسؤولية وصولنا إلى هذا الوضع الكارثي، يكفي أن يعترف الجميع بالخطأ وبالفشل، فالاعتراف بذلك هو بداية أساسية، وبوابة لتحقيق النجاح.

 

أما إن كان هناك من لا يزال يرى أن الوقت لم يحن للاعتراف بالخطأ، والعودة إلى مسار التوافق، والشراكة الوطنية، لإنتاج، وإقرار سياسات تحقق الهدف الاستراتيجي في دحر الانقلاب، وهزيمة مشروعه، واستعادة الدولة، فعلينا أن نقر ونعترف بأننا نحن، ولا أحد سوانا، من يتحمل مسؤولية انهيار ما تبقى من ملامح الدولة، وتشظي البلاد.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس