انهيار الريال اليمني: خنجر يمزق وجوه الكادحين ويُيتم المستقبل

الثلاثاء 29 ابريل 2025 - الساعة 08:41 مساءً

 

لم يعد التدهور المتسارع للعملة الوطنية في اليمن مجرد انزلاق مؤلم في مؤشرات الاقتصاد، أو انخفاضًا رقميًا باهتًا في الحسابات البنكية. لقد تحول هذا الانهيار إلى خنجر حاد ومسموم يُغرس بعمق في وجوه الكادحين والفقراء من أبناء هذا البلد الذي مزقته الحرب. فمع كل انحدار جديد للريال اليمني أمام العملات الأجنبية القوية، تتآكل القدرة الشرائية لأولئك الذين بالكاد يتمكنون من التقاط أنفاسهم، لتتحول أبسط مقومات البقاء من مأكل ومشرب وعلاج إلى أحلام بعيدة المنال، تلوح في الأفق كسراب خادع.

 

إن هذا الانهيار المريع ليس مجرد أزمة اقتصادية عابرة يمكن تجاوزها بسهولة، بل هو واقع يومي قاسٍ ومُذل يواجهه ملايين اليمنيين الذين يئنون تحت وطأة الحرب المستمرة، والنزوح القسري، وانعدام الأمن الغذائي الذي بات يهدد حياتهم بشكل مباشر. فمع الارتفاع الجنوني والمستمر في أسعار السلع الأساسية، يصبح كل انخفاض إضافي في قيمة العملة بمثابة ضربة قاصمة أخرى على ظهورهم المثقلة أصلاً بأعباء الحياة ومشاقها.

 

إنها ليست مجرد أرقام باردة تتداولها البنوك وشركات الصرافة، بل هي قصص إنسانية مؤلمة وحقيقية تتجسد في عائلات تجد نفسها عاجزة عن توفير وجبة العشاء لأطفالها الجائعين، وفي مرضى يفارقون الحياة بصمت لعدم قدرتهم على شراء الدواء المنقذ، وفي أطفال يُحرمون من أبسط حقوقهم الأساسية في التعليم والرعاية الصحية، ليصبح مستقبلهم أسيرًا لدوامة الفقر واليأس.

 

حتى أولئك الذين كانوا يعتمدون على رواتبهم الضئيلة، باتوا اليوم يواجهون كابوسًا مرعبًا، فراتب الموظف الذي كان بالكاد يكفي لسد رمق أسرته، لم يعد يفي بأبسط متطلبات الحياة لأبناء أولئك الذين يعتمدون عليه. قصص مؤلمة ترويها الأرامل اللاتي فقدن معيلهن في الحرب الدائرة التي فرضتها المليشيا ومن هم في المناطق المحررة، يتحدثن عن زوايا مظلمة تركها لهن المستقبل، إذ بات راتب الشهيد، كما تروي أم عبدالله بقلب يعتصره الألم، غير قادر على تلبية الحاجات الأساسية لأطفالها بعد الارتفاع الجنوني في سعر الصرف.

 

إن انهيار العملة الذي تشهده المناطق المحررة ليس مجرد فقدان لرقم باهت في الحسابات المصرفية؛ بل هو تجريد قسري ومُهين من الكرامة الإنسانية، وسلب لحق الحياة الكريمة الذي كفلته الشرائع والقوانين، وتحويل لمستقبل بأكمله إلى يأس وظلام دامس يخيم على حياة الملايين الذين يدفعون الثمن الأغلى لصراعات عبثية لا ناقة لهم فيها ولا جمل. إنها صرخة مكتومة تختنق في حناجر الملايين من اليمنيين المغلوبين على أمرهم، الذين يدفعون يوميًا فاتورة باهظة لأزمات لم يكونوا طرفًا فيها، ويشاهدون أحلامهم تتلاشى أمام أعينهم مع كل انخفاض جديد للريال اليمني.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس