غياب الملف اليمني عن جولة ترامب الخليجية: قراءة نقدية في الدوافع والدلالات
الاربعاء 14 مايو 2025 - الساعة 07:09 مساءً
بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب (في ولايته الثانية) جولة خليجية بدأها بالمملكة العربية السعودية،ثم الإمارات، وقطر، وسط تحولات حادة في المشهدين الإقليمي والدولي.
وبينما تصدرت ملفات مثل التهديد الإيراني، مشاريع التطبيع، والشراكات الدفاعية جدول أعمال الزيارة، غاب الملف اليمني بصورة لافتة. وهو غياب لا يمكن قراءته بوصفه تجاهلًا عرضيًا، بل تعبيرًا عن تحوّل استراتيجي مقصود.
فما الذي يبرر هذا التغييب؟ وكيف يمكن فهمه في سياق التفاعلات بين الأطراف المعنية، وخاصة واشنطن، والرياض، وأبو ظبي، وصنعاء.
أولًا: أجندة الزيارة وتوقيت تغييب اليمن
رغم استمرار الحرب في اليمن منذ نحو عقد، وتصاعد التوترات في البحر الأحمر، فقد غاب هذا الملف كليًا عن التصريحات الرسمية الأمريكية خلال زيارة ترامب. وبدلًا من ذلك، ركزت الزيارة على:
تعزيز الردع الإقليمي ضد إيران
التعاون الاقتصادي والتقني
توسيع مسار التطبيع مع إسرائيل
تأمين طرق الملاحة والتحالفات البحرية
إن تغييب اليمن وسط هذه الأولويات يشير إلى رؤية أمريكية تعتبر أن الملف لم يعد يحتل موقعًا متقدمًا في أولوياتها الجيوسياسية.
ثانيًا: غياب اليمن… بين التقصير المحلي والحسابات الدولية
إضافة إلى الأسباب المرتبطة بالاستراتيجية الأمريكية، يمكن تفسير تغييب الملف اليمني بعامل داخلي أساسي، يتمثل في فشل الدبلوماسية اليمنية الرسمية في توصيف الصراع وتدويله بشكل ناجح. ويظهر ذلك في عدة جوانب:
1. عجز الدبلوماسية اليمنية عن إقناع الحلفاء بأن ما يجري في اليمن ليس مجرد نزاع داخلي، بل تهديد إقليمي مباشر يشمل الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ويمنح إيران نفوذًا جيوسياسيًا عبر الحوثيين.
2. فشل المجلس الرئاسي اليمني في استثمار الضربات الجوية الأمريكية الأخيرة ضد مواقع الحوثيين، والتي مثّلت فرصة سياسية للتأكيد على وجود تحالف جدي ضد التهديد الحوثي. بدلًا من البناء عليها، عجز المجلس عن صياغة موقف موحّد، ما عزز قناعة دوائر القرار في واشنطن بعدم أهلية المجلس كفاعل سياسي ذي مصداقية.
3. تآكل ثقة الإدارة الأميركية بالمجلس الرئاسي، الذي بات يُنظر إليه كشريك غير قادر على ضبط مناطق نفوذه أو بناء شرعية داخلية حقيقية، في مقابل جماعة الحوثيين التي تمتلك تمركزًا عسكريًا وسياسيًا وإن بدا قمعيًا وغير معترف به دوليًا.
ثالثًا: تجاهل استراتيجي أم سياسة تنصل؟
الغموض الذي يكتنف السياسة الأميركية تجاه اليمن لم يعد غموضًا بريئًا، بل أقرب إلى تنصل محسوب. الإدارة الأميركية تتعامل مع الملف من زاوية إدارة المخاطر وليس منطق الحلول، ما يعني:
الرغبة في تجميد الصراع بدلًا من إنهائه
تفادي فتح جبهة إعلامية حول الكارثة الإنسانية
توجيه الحلفاء نحو ملفات "أكثر أولوية" كالنفط، والطاقة، وإيران، والتطبيع
وبذلك، أصبح اليمن مجرد "تكلفة هامشية" تُدار من الخلف، لا من الطاولة.
رابعًا: الدلالات السياسية والاستراتيجية للغياب
1. تآكل مكانة اليمن في الإدراك الجيوسياسي الدولي
الصراع الذي كان يُرى يومًا ما كبوابة لإعادة تشكيل المنطقة أصبح يُعامل كحالة مزمنة لا تستحق الانتباه الفعلي إلا عند تهديد الملاحة أو المنشآت النفطية.
2. شرعنة الإقصاء الإقليمي لليمن
حين تغيب اليمن عن أجندة واشنطن، فإن ذلك يُشجع الحلفاء على تطبيع التجاهل، واستثمار الموارد في قضايا أكثر فاعلية سياسية وإعلامية.
3. تحوّل الحوثيين إلى "أمر واقع" مقبول ضمنيًا
لا يعني ذلك اعترافًا شرعيًا، لكنه يعني أن كثيرًا من دوائر صنع القرار لم تعد ترى إسقاطهم هدفًا واقعيًا، ما داموا لا يهاجمون المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية.
غياب اليمن عن جولة ترامب ليس ثغرة دبلوماسية، بل تعبير عن فشل مزدوج: فشل التحالف في تقديم استراتيجية خروج مشرفة، وفشل القيادة اليمنية في فرض الملف على الطاولة الدولية. وبينما تُعاد صياغة خارطة الشرق الأوسط، تظل اليمن خارج النص، بلا حلفاء حقيقيين، وبلا أدوات ضغط فاعلة.
إن مواجهة هذا التغييب تبدأ بإعادة تعريف الصراع، وتصعيد الدبلوماسية النشطة، والبحث عن خطاب سياسي جديد لا يستجدي الاهتمام بل يفرض نفسه كقضية إقليمية لا يمكن تجاهلها دون تكلف.