معركة البوبجي، من اليمن إلى فلسطين!!

الجمعه 23 مايو 2025 - الساعة 09:28 مساءً

 

بعد ساعات مقيتة لزّجة بلعاب الفيس بوك، محشية باليأس، قررت تنزيل لعبة  "الـبوبجي"!!

 

لأكثر من ساعة، أخذ تحميل اللعبة، هذا النت الأكثر بؤسا مني قادم من مناطق يدعي من يحتلونها أنهم يصنعون صواريخا فرط صوتية، ويرددون " وأما بنعمة أيران فحدث".

 

ساعة وأكثر لأجدني  بـقلب جبهة تحرير الديجيتال!! 

كنت بحاجة لحرب بلا قضية، ولبطولة لا تلطخها زيف القيادة، ولا يناصرها شعب مغفل، بطولة لا تحتاج لأكثر من مهارة استخدام الأزرار.

 

 

 قلت لحنين، دخلت عالم البوبجي، ردت محتدّة: هذا ما كان ينقصك!!

 

بدأت بخوض مجزرة محترمة ضمن فريق لا أعرفه ولا يعرفني. كان اسمي واضحا كما هو على صفحتي في فيس بوك، NagmAlmorir، وبالانجليزية نفسها، كانت أسماء زملائي في الفريق، لكنها مبهمة، كما لو أنها مجرد أحرف رصّتها أنامل في لحظة عراك.

 

انطلقت شارة اللعب، كانت حنين تسألني عن خططنا للغد، وكنت اسألها عن خطط ما قبل النوم، اقتربتْ من الشاشة وهي تنبهني إلى أن زملائي في الفريق قد يسمعون حديثي، إذا كان زر "المكرفون شغال"،  فصرخت: أنا هنا… أين أنتم؟

 

بعد حشرجة بسيطة أتاني صوت بشري بلكنة شامية" أهلين... من وين إنت؟!".

- من اليمن، أجبته.

من فوره رد بحماس من تذكّر شيئًا نسيه منذ وعد بلفور: والله كنت حاسس إنك يمني... يا الله كم نحن فخورون بكم يا أصل العرب."

 

كان صوته ممتلئًا بحمولة وجدانية أكثر من كونه تعبيرًا عن هوية سياسية أو جغرافية، سألته عن سبب إحساسه، فتهرّب من الإجابة، فقلت في نفسي: " ربما كان صلاح الدين يمني". همست لحنين أسألها فقالت أنها لا تعلم، ربما لسنا وحدنا من يجهل ذلك، فهويته العربية كانت تكفي رؤوسنا رفعة، لتأخذنا إلى مكان شاهق يتجاوز بنا الخرائط والديموغرافيات.  

 

سألته بابتسامة مستغربة: بالله.. إيش اللي خلاك تحس بيمنيتي ؟!

 

تهرّب من الإجابة، فعلقت مازحًا:

- وأنا عندي إحساس إنك فلسطيني!.

- صح! فلسطيني... وإحنا مديونين لإلكم يا أهل اليمن.. عنجد ما منعرف كيف بدنا نشكركم، ولا بأي لغة لازم نحكي شكراً.. شكراً.

 

أمام وقع كلماته، لم أكن أدري، أأعيش نشوة أعلم أنها كاذبة، أم أرتدي قبعة المفكر السياسي داخل حلبة البوبجي. 

 

بحماسه نفسه قطعت حبل امتنانه وسألته: ليش ما سألتني عن سبب إحساسي؟

 

لم يكن ليسأل فسارعت للإجابة: لأننا نمتلك اليأس نفسه وهو ما يجعلنا هنا، نمتلك دوافع الانسلاخ ذاتها، كحاجتنا لمساحة حقيقية نخوض فيها نزالا حقيقيا، حاجتنا لأعداء حقيقيون وأصدقاء حقيقون، حاجتنا لمعركة لا تخبي في داخلها خدعة متفجرة، حاجتنا لحليف لا يذر الرماد على أعيننا، حاجتنا لحلبة لا يخبو أوارها تحت سطوة توظيف الوجع لخدمة مشاريع دخيلة. حاجتنا لوجهة أخلاقية لا يسقط فيها القاتل والبطل من نفس الطائرة وبنفس الصاروخ.

 

هل تصدقون؟! لقد سردت كل هذا كما لو انني احفظه عن ظهر قلب، وإن بدوت واعظا.

 

صمتُ قليلا كما لو أنني انتظر تصفيقا حارا من جمهور افتراضي، غير أن ما أتاني هو رد صاحبي في المعركة، وهو يتظاهر بعدم انتباهه  لتعقيبي، ليواصل تقديم حمولة زائدة من شكره لليمنيين، حمولة لا يستوعبها المكيال الذي أحمله. 

 

 

- " أنتم أصل العرب والله! بس تضربوا صواريخ على تل أبيب، ويصيروا يقصفوكم متل ما بيقصفونا"

 

أردت أن أشرح له أن الصواريخ التي تُطلق ليست امتدادًا لأي معركة فلسطينية أو عربية، بل نتيجة تقاطع المصلحة الإيرانية مع الخراب اليمني. أكدت له- وأنا في الحقيقة اخفي احساسي بالخجل- أن من يطلق تلك الصواريخ لا يمثلنا، وأن من يدّعي الحرب ضد إسرائيل بدأها بذبح الأطفال في عدن وتعز ومأرب، ثم أدار الفوهة شمالاً ليرسل صواريخ إيران باسمنا جميعًا. 

 

سألته: من لم يكن عونا لأهله كيف سيكون عونا لكم؟! وأضفت: "اليمني حين يقرر النصرة سيستيقظ صباحًا ليجد نفسه على أبواب غزة، تمامًا كما فعل في العراق، أو حتى في أفغانستان، وإن عاد ملوّثًا بالتطرّف، لكنه على الأقل كان يعرف العدو من الصديق.

 

عبرت له عن اعجابي وإعجاب العالم بصمودهم، غير أنني لم أذهب بعيدا، إذ أكدت له أنني كيمني أتمنى لو أكون جنديًا فلسطينيًا في مواجهة إسرائيل، لكن تحت مظلة شرعية فلسطينية لا باسم مليشيا. ولأوضح له الصورة قلت: حين نحارب كدولة، قد نخسر معركة… لكننا لن نخسر الأرض، او على الأقل ليس كلها. أما حين نحارب كميليشيا، فنحن نمنح العدو أسبابًا جاهزة لابتلاع ما تبقى.

 

وبينما كنت في ذروة تنظيري، عاد صوت الفلسطيني ليقاطع تحليلي بجولة جديدة من الشكر: والله نحن مديونين لكم… والله لا نعرف كيف نرد لكم الجميل.

 

قلت في نفسي مشكلتنا اليوم أننا لم نعد نفقد الطريق فقط، بل فقدنا الطريقة، وأننا جميعا غرقى في زجاجة ماء.

 

أمام هذا النتيجة فقدت حماسي باللعب، قتُلت في أول جولة، وهو مصير زميلي الفلسطيني في الفريق.

 

كان كلانا يبحث عن انتصار افتراضي، غير أننا لم نفز لا في البوبجي، ولا في الواقع.

 

وأنا أهم بمغادرة اللعبة شعرت بأنني كنت بحاجة لذلك الحوار، ولو بدى لا مفهوما لأخي الفلسطيني.

 

قلت في نفسي أنني وجدت في ساحة إلكترونية ما لم أعد أجده في الواقع: رفيقًا عربيًا... يحلم.. يشكر.. لكنه كما في الواقع لا يعرف الفرق بين من يُطلق النار دفاعًا عن الأرض، ومن يطلقها كي يُوقّع صكا مع طهران.

 

لمَ كل هذا الواقع المزيف؟! ماذا لو كان وزير إعلام الشرعية يخوض حربه في البوبجي بدلا من تويتر؟! لربما حقق نتيجة!!

 

اطفأت الهاتف تماما، بينما بقي اليمني والفلسطيني يحاربان داخل خريطة افتراضية، يجدان في الإنترنت وسيلة للنجاة، يهربان من واقع مزيف ومحبط ويائس، بحثا عن حرب شريفة وموت شريف، عن بقاء، وإن كان بقاءا رمزيا وبوبجيا ...!!

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس