فوبيا الأحزاب..
الاحد 01 يونيو 2025 - الساعة 08:58 مساءً
كثر الحديث حول الأحزاب وتوصيفها بمواصفات لاتمت للعمل السياسي بصله ؛ وهو بلا شك حديث فيه عوار كبير ؛ فهذا المتحدث الناقم على الأحزاب لايفرق بين الحزب المدني صاحب الرؤية والفكرة وبين المليشيا ذات الطلقة والبارود .
تواتر هذا الموضوع عمل لايخضع للصدفة ويخلو من العفوية بالتأكيد ؛ ومؤداه يقود إلى العودة والحنين إلى الحكم الشمولي والحاكم المطلق والتوريث كبديل (شرعي) للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة (وإن أتخذ من الديمقراطية شكلا ديكوريا لإغتصاب العقول والظهور أمام العالم بالمظهر الديمقراطي).
ومن أخطر الاساليب المعادية للديمقراطية والتعددية السياسية في اليمن هو أسلوب تفريخ الأحزاب وتخريب الملعب السياسي من أجل إحتكار السلطة منذ إعلان العمل بمبدأ التعددية الحزبية والسياسية الذي كفله دستور الجمهورية اليمنية .
وفي محاولة للتوضيح : ببساطة ..الحزبية نشاط مدني سلمي ؛ وليس أكثر من "فكرة ومشروع" في إطار التنافس لإدارة الحكم ؛ ومقياس النجاح أو الفشل يخضع لمدى قناعة الناخبين .
هكذا هي طبيعة العمل السياسي في كل العالم ، ولم تصل هذه الشعوب إلى هذا المستوى من الرخاء الإجتماعي والاقتصادي إلا بعد أن (انتزعت) حقها في السلطة والثروة والحكم (إنتزاعا) لذلك فتلك الشعوب المتحضرة تعي وتعرف معنى الحرية والديموقراطية .
في المقابل فإن الخلط المخل بين مفاهيم العمل السياسي الديمقراطي الفكري المدني السلمي وبين ممارسات العمل المليشاوي المسلح المشين وإعتباره مظهر من مظاهر العمل السياسي في الوضع اليمني الراهن ؛ لاريب أنه شكل يشوه العمل السياسي ويعكس صورة مخالفة لما يفترض أن يكون عليه ؛ وهذا الخلط خلق مفاهيم قاصرة راحت تصب جام غضبها على الأحزاب السياسية وتنسف التجربة الديمقراطية وتصدر الأحكام القاصرة دون وضع البدائل الممكنة ؛ إنما نقد لمجرد النقد الهدام الذي لايكترث لخطورة النفايات الفكرية المتربصة بعدوانيتها للمشروع الوطني والدولة المدنية والديمقراطية والحقوق والحريات لفرض الحكم الشمولي وتستعدي أوهام عفى عليها الزمن كبديل جاهز للديمقراطية والدولة المدنية .
تجدر الإشارة والتنويه إلى أن التجربة الديمقراطية في بلادنا جاءت على العكس ومغايرة تماماً لتجارب بقية الشعوب . فالشعب اليمني بشطريه عاش تحت نير الحكم الشمولي والحزب الحاكم المطلق حتى 22 مايو 1990 ؛ حين أفاق اليمنيون يومها وقد تحولوا فجأة من نظام شمولي إلى نظام ديمقراطي(بارد مبرد) لم يكن يحلم به ؛ وفي الغالب لايدرك أبسط مفاهيمه ليأتيه على طبق من ذهب كجوهرة بيد فحًام ، وللأسف ذهب ليتعامل مع الديمقراطية كظاهرة صوتية فقط وأخذها فرصة لتصفية حسابات بينيه مابين قدح ومدح ؛ وأطلق لالسنته العنان ؛ وصدرت خلال السنة الأولى للوحدة ماتجاوز عدده 500 صحيفة ومطبوع .
من جانب آخر لم يكن بث كوميديا جلسات مجلس النواب سوى عرض مأساة إفرازات التجربة الديمقراطية وتشويهها أمام الناخبين لمعاقبتهم جزاءا بما إقترفت أيديهم .
الخبثاء دمروا الملعب السياسي وحرفوا المفاهيم وعملوا على تشويهها لإقناع العوام أن الحزبية والديمقراطية رجس من عمل الشيطان ؛ عليهم نبذها والتخلي عنها في مقابل بقاء الحاكم الفرد المقدس ..
لتستمر الغيبوبة ونصل إلى مانحن عليه ونظل نرقب العالم من حولنا يتطور ونحن بحسراتنا متخلفون قابعون في ذيل القائمة نتسول المعونات والهبات ونؤمن بعد الإمام وندعو الله أن يؤيد الخليفة بنصره على القوم الكافرين ..