بين إسرائيل وإيران.. هل يسافر الحوثي على بساط الريح 2؟!

الثلاثاء 17 يونيو 2025 - الساعة 08:02 مساءً

 

أنا من اليمن، ومن غالبية شعب وجد نفسه مشرّدًا، مُهانًا، منفيًا من أرضه، نتيجة تدخل إيراني كان أعمق من الغزو، تدخل يُمارس سطوته عبر وكلائه باسم العقيدة، تمامًا كما تمارس إسرائيل هيمنتها باسم التاريخ وباسم الرب.

 

غير أن هذه الحقيقة لا تمنعني من القول إن لإيران كدولة الحق في الدفاع عن نفسها عندما تتعرض للهجوم. لكن ما بين حقها في الرد على إسرائيل ومشروعها التوسعي في المنطقة العربية، ثمة مسافة أخلاقية لا تتسع لها العواطف ولا الصواريخ.

 

كما أنه من حق إسرائيل أن تدرأ الخطر عن نفسها بالطرق التي تراها فاعلة ومناسبة.. لكن ماذا عن حقنا نحن؟!

 

ما بين إسرائيل وإيران، يتوه الشارع العربي، مثقفون يتبنون وجهة نظر العامة ذاتها، يفرّون بجلودهم من الموضوعية، ينسلخون من ذواتهم ليتصالحوا مع حالة الرقص الشعبي، وهو وهمٌ يمارسه المفكرون حين لا يرغبون في مواجهة ما يعتمل في داخلهم.

 

الجميع، حكام ونخبة ومثقفون، يسامرون شاشات الأخبار بفرجة بالغة، كما لو أنهم يشاهدون سجالًا رياضيًا، وكما لو أن الحكاية ستقف عند حدود طهران أو تل أبيب.

 

الحقيقة أن الصراع يمس الجلد العربي مباشرة، صحيح لم نكن طرفًا في الصراع، غير أننا، في المحصلة، فريسة له.

 

إن وضعنا كشعوب عربية أشبه بفريسة في قفص تتناوشه وحشان، كلٌ منهما يدّعي أنه الأحق بافتراسنا. إسرائيل لن تكون طريفة معنا، لم تكن يومًا كذلك، كما أن إيران لم تكن أمًّا رؤومًا بقدر ما أنهكتنا ودفعتنا للتشرد. ومن سينتصر منهما أولًا، سيبدأ بسحقنا ثانيًا.

 

كيمنيين، يجب أن لا تذهب أنظارنا اليوم أبعد من هذا السؤال: ماذا يجب أن نفعل؟ ما الذي يمكن أن يوقف طاحونة الدم قبل أن نستفيق على تحالفات جديدة لنُسحق بما تبقى من تراب وهوية؟

 

الجواب واضح منذ عقد حرب، مع كل فرصة كان الجواب أوضح، علينا أن نسارع إلى إسقاط أدوات إيران في اليمن، وما لم نسقطهم اليوم، في ظل احتدام الصراع الإيراني الإسرائيلي فسنسقط غدًا في فخ جديد.

 

لا أدري كيف يغيب عن مداركنا أن هذه الأداة الإيرانية قادرة على إعادة إنتاج نفسها كأداة إسرائيلية إذا ما سقطت طهران، ولن يكون ذلك مستغربًا، فالإمامة التي أتت منها الميليشيات الحوثية سبق أن شاركت في تأسيس إسرائيل دون أن يشعروا بأي تناقض، كان ذاك حين ساهموا في ترحيل آلاف اليهود اليمنيين إلى إسرائيل في عملية "بساط الريح" لتبدأ أوسع مراحل الاستيطان.

 

هؤلاء أنفسهم لن يترددوا في خدمة المنتصر الجديد، سواء كان إسرائيل أو غيرها. فما داموا أداة، فإنهم مستعدون لأن يبيعوا ذاتهم لمن يملك الريح، حتى وإن كانت الريح قادمة من مروحيات طائرات تل أبيب.

 

إن معركتنا اليوم يجب أن تبدأ من امتلاك ذواتنا أولًا، وهذا يعني أن نتوقف عن التصفيق، والانقسام المرح بين إيران وإسرائيل، علينا أن نكون يمنيي فقط.

وهذا وحده يتطلب أن نُخرج أنفسنا من قفص الوكالة، قبل أن يلتهمنا الوحش المنتصر، أيًّا كان اسمه، وقبل أن نطير في الهواء على بساط الريح 2.

 

وما بين إسرائيل وإيران، علينا أن ندرك أن ما تفعله إسرائيل اليوم في إيران، هو ذاته من حيث البنية ما فعلته إيران في اليمن وسوريا والعراق ولبنان: تصدير الفكرة عبر القذيفة، وفرض المعنى عبر الوكيل، وتبرير التوسع بأسانيد مقدسة. كلاهما يعتقد أنه حامل رسالة، أحدهما ينهل من توراة مُستعادة، والآخر من موروث شيعي مؤوّل، وفي الحالتين نُصبح نحن ضحايا الأطراف بين مطرقة الجغرافيا وسندان العقائد المسلحة.

 

ولأن الأسوأ في هذا الصراع أنه محكوم بمرايا مقلوبة، فإن الضحية في خطاب كل طرف هي الذات. إيران ترى في اغتيال علمائها وانفجارات منشآتها عدوانًا على السيادة، لكن ماذا عن سيادة العراق ولبنان وسوريا واليمن؟! أليست تلك دولًا ذات سيادة أيضًا؟!

وفي المقابل، إسرائيل تصرخ من خطر "البرنامج النووي الإيراني"، لكنها لم توقّع قط على معاهدة حظر الانتشار النووي، وتمتلك ترسانة كاملة لا تخضع لأي رقابة.

 

لقد تحوّل الصراع بين إيران وإسرائيل إلى ما يشبه رقصة الموت بين اثنين، لا يتصارعان على التهامنا فحسب، وإنما على تعريف معنى وجودنا.. فكلاهما يرى في نفسه ظلًا إلهيًا على الأرض، وما بينهما تحوّل الشرق الأوسط إلى مختبر للتجريب العسكري بالوكالة، وفضاء للفوضى المنظمة.

 

ولذلك، فإن الصراع بين إيران وإسرائيل ليس مجرد خصومة عقائدية أو تنافس نووي، إنما هو في حقيقته تجلٍّ لصراع مفاهيم على خرائط جغرافية هشّة.

 

والأمر المشترك أن هذه الخرائط تُرسم بدمائنا، بانحيازنا بعيدًا عن قضايانا، وعن واقعنا الراهن، لنبقى في انتظار واقع ملتهب يُرسم لنا.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس