صرخة مواطن في زمن تجار الحروب

الاثنين 23 يونيو 2025 - الساعة 09:08 مساءً

 

من أين أبدأ في صياغة هذه الكلمات التي تصف واقعًا مريرًا يعيشه المواطن اليمني؟ إن الصراع والأزمة الدائرة في بلادي لا يُراد لهما أن ينتهيا، وكأن هناك من يتآمر على هذا الشعب. لا يريدون له أن يعيش بسعادة، أن يعلّم أطفاله، أن يلبسهم ويطعمهم كما يأكل ويشرب أطفال "المسؤولين". لا يهمهم أن يستلم المواطن راتبه الذي بالكاد يكفي متطلباته الأساسية. هكذا هم، من يتحكمون بالبلاد، من صنعوا الصراع وأوقدوا نيران الحرب، إنهم تجار الحروب المستمرون في استنزاف الوطن، الرافضون لكل سلام، الرافضون لصرف الرواتب.

 

كل الخدمات التي كانت تقدم سابقًا مجانية أو بأقل تكلفة، أصبحت في طي النسيان. الطرقات، التعليم، المستشفيات، الرواتب، التوظيف، المياه، الكهرباء، الصرف الصحي، الضمان الاجتماعي... كل ذلك أصبح من زمن كان. لا يهم من يتحكمون بمصير البلاد من يموت أو يجوع، لا تهمهم انهيار الطرقات، ولا انقطاع الكهرباء، ولا تأخر الرواتب. في زمنهم، انهارت العملة الوطنية وتدهورت الأوضاع، وانقسمت البلاد نقديًا. ذابت الفوارق وانتهى النسيج الاجتماعي، وكثرت أقذر الأعمال، وأصبح العزيز يُهان وابن السوق شيخًا وحاكمًا. نحن نعيش في زمن الغاب، بدون ضمائر إنسانية.

 

فارق العهدين: من المحاسبة إلى فساد مستشرٍ

 

كان في حكم الأنظمة السابقة، عندما تُكتب كلمة عن مسؤول فاسد، يتحرك القضاء في استدعائه ويُهان. كان المسؤول في ذاك الزمن يخاف من الإعلام ولا يستطيع أن يمارس الفساد ويتخلى عن الأمانة. اليوم، نحن أمام مستنقع قذر، صنعه هؤلاء من يتحكمون بمصير اليمنيين، من يمارسون حياتهم بالرفاهية ويسكنون القصور ويستلمون بالعملات الصعبة. هؤلاء من يكدسون العملات وتفتخر نساؤهم بالذهب والمجوهرات وإقامة أجمل الحفلات والمناسبات، وبيوتهم مفروشة بالحرير، يسافرون ويقيمون، ويعلّمون أولادهم في أفخم الجامعات الغربية.

 

أبناؤهم، أقاربهم، وأصدقاؤهم المقربون يمسكون الوظائف المهمة. ابن الوزير يصبح وزيرًا، وابن الدبلوماسي دبلوماسيًا، وابن البرلماني برلمانيًا، وابن السفير سفيرًا. يتقاسمونها فتصبح قطاعات مقسمة بين شخصيات وبيوت محددة. لن يصل الدكتور الذي يدرس لسنوات أن يجد له وظيفة في مجال دراسته، وذلك المواطن وعياله سيبقون عساكر أو مرافقين لهم ليصرفوا لهم الفتات.

 

لنقول الحقيقة بلا مجاملة  البلاد تصل اليوم إلى فوضى عارمة أحدثتها هذه الشخصيات النتنة التي اشترت الشهادات الجامعية من جامعات أوروبية ليحكموا أحرار اليمن. خدعوا التحالف والغرب وكتبوا أسماءهم وعوائلهم وأقاربهم في كل الوظائف والإعاشات، بل أصبحوا "شحاتين" يطلبون المنح ومن يصرف لأطفالهم كفالة تعليمية في دول أوروبية.

 

كان الوزير في عهد الأنظمة السابقة لليمن يفتتح المشاريع التنموية ويضع حجر الأساس، وتنافس عملي في الوزارات، والرقابة والمحاسبة والشفافية كانت في صميم أعمالهم. اليوم لا ندري ما هي أعمال هؤلاء، وتصرف لهم رواتب بالعملة الصعبة دون أن يستفيد المواطن أي خدمة. بل أصبح المواطن مشتت التفكير، منهارًا، يبحث عن كسرة الخبز التي هي الأهم، وغاز وزيت الطبخ ليسد رمق أطفاله.

لا حياة في عهد الأوباش صانعي الأزمات والنزوح والتشريد، ليصبحوا هم يشحتون ويأكلون بكشوفات تجمعات النازحين في الخيام المهترئة. يأتون زائرين ويأخذون لقطات لصور مؤثرة ليصنعوا فيلمًا إنسانيًا، وكأنهم بلا ضمير وبلا إنسانية. هؤلاء من يتصورون على آلام الناس.

 

مواطنون بلا حرية. أنهت الميليشيات الحوثية كل جميل، ونفذت عمليات القتل والتفجير والإرهاب والاغتيال والتدمير والاختطافات والسجن، وأدت إلى تقسيم نقدي. يراوغون ويمارسون التقية، يصنعون الحفلات ويتذكرون أحداث ألف وأربعمائة عام ويثأرون من اليمنيين. يتواصلون بالبعيد والعدو للعودة إلى مناطقهم وتحت حكمهم الذي لا يجد فيه صاحب المهنة عملًا. دمروا الموانئ وصنعوا الحروب وشردوا وهجروا وفجروا واستباحوا وأدخلوا اليمن في دوامة يفرحون بالتهمة ويجلبون الدمار على اليمنيين، إنهم عملاء.

 

وها نحن في عهد الولاءات والمحسوبيات والمناطقية، في عهد ظلامي استبدادي، نهّابة، مدمرين للبلاد والدور والعبادة والعباد. يتطاولون في البنيان ويتفاخرون بالسيارات والموديلات والبدلات والأحزمة الفاخرة والمسدسات. يستلمونها دولارات لهم هم فقط: الرواتب والإعاشات والوظيفة الدسمة والزوجة الجميلة مثنى وثلاث. تصرف لهم النثريات والحوافز والمكرمات والحج والعمرة. هم من يوظفون ويعينون ويقررون، يمارسون طبعهم الانتقام والحسد والنفاق، ويجيدون التطبيل لمن فوقهم، وبالتداول تجد لهم أوجهًا متعددة..

 

فلا جميل يا يمن في عهدهم، ولا مواطن يرتاح في ظل حكمهم، ولا راتب منتظم، وهم في الحكم الحاسدون الناقمون الباغضون المتزمتون. في عهدهم انتشرت الأمراض والأحقاد والنفاق والكذب وطغت البلاد فلا نور ولا سرور بل أحزان وفتح للقبور. شباب اليمن أصبحوا مشردين مهجرين، ضاعت أحلامهم وشهاداتهم، أصبحوا ضحايا ووقودًا للحروب. ظهر الشيب وتقدم العمر وهم ينتظرون أعوامًا ويبحثون عن يمن جديد جميل. التحرير تأخر في أحضان صانعي الأزمات، من يريدون الاستمرار في الصراع، لم يحلموا أن يصلوا إلى هذه المراتب العليا التي أوجدت لهم ولأهاليهم وأبنائهم الوظائف الدسمة، وأصبحوا تجارًا وصرافين. يعيشون الرفاهية وتخلوا عن المسؤولية والأمانة الموكلة لهم.

 

لا بد أن يترك هؤلاء المناصب ويغادروها ويتيحوا للشباب المجال ليصنعوا يمنًا جديدًا، جميلًا، سعيدًا.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس