غياب القيادة والعقل السياسي في اليمن: جوهر الكارثة الوطنية
الثلاثاء 01 يوليو 2025 - الساعة 11:18 مساءً
تمر اليمن بأكثر مراحلها التاريخية قتامة، حيث تتعاظم الأزمات وتتعقد التحديات في ظل غياب العقل السياسي وقيادة وطنية فاعلة. لم تعد المعاناة تقتصر على الجوانب الاقتصادية أو الأمنية فقط، بل أصبحت انعكاسًا لانهيار شامل في بنية القرار والسيادة، ونتيجة مباشرة لفراغ سياسي قاتل.
العقل السياسي الغائب جعلنا وطناً بلا بوصلة، فاليمن بوضعها الحالي تفتقر إلى عقل سياسي جمعي يوازن بين مصلحة الدولة وطموحات القوى الفاعلة، ايضاً، ذلك العقل غابت معه الرؤية الاستراتيجية، واستبدالها بردود الأفعال والانفعالات اللحظية، خلق بيئة خصبة للتشرذم والانقسامات، لم تعد هناك قيادة تملك مشروعاً وطنياً موحداً، بل باتت الساحة السياسية تتقاسمها جهات متنازعة لا تملك من الحكمة سوى ما يخدم بقائها لا بقاء الوطن.
المشكلة الحقيقية لليمنيين هي قيادة غائبة، وأزمة شرعية ممتدة. ففي بلد يعيش حرباً منذ سنوات، تغيب القيادة التي تمثل الجميع، وتُغيّب معها أدوات التوافق الوطني. الفصائل المتعددة تفشل في تقديم نموذج إداري أو سياسي موحد، مما يُبقي اليمن رهينة لفراغ إداري ومؤسسي قاتل، إنه غياب ليس عن الكرسي فقط، بل عن المسؤولية والقرار والالتزام.
إن غياب القيادة والعقل السياسي اليمني خلف كوارث فظيعة في مجالات كثيرة، منها:
اقتصاديا: انفلات غير مسبوق في سعر الصرف، رواتب متوقفة، وبطالة متفشية. لا وجود لسياسات مالية أو نقدية تُدار بعقل الدولة.
اجتماعيا: تصاعد معدلات الفقر والجوع، وتآكل النسيج الاجتماعي لصالح الانتماءات المناطقية والطائفية.
أمنيا: تفكك في مؤسسات الضبط، وانتشار للمليشيات والجماعات المسلحة، وغياب أي مظلة أمنية يشعر المواطن في ظلها بالأمان.
لنعترف بالحقيقة: الأسباب الجذرية لذلك تتمثل في:
- فشل النخب السياسية في الاتفاق على مشروع وطني بعد 2011 بمختلف مسمياتها.
- التدخل الإقليمي والدولي الذي عمّق الانقسام.
- ضعف ثقافة الحكم الرشيد، وسقوط معيار الكفاءة لصالح الولاء.
- تهميش العقول والخبرات الوطنية واستبدالها بحاملي الأجندات الضيقة، وجميع التيارات السياسية للأسف مارست هذا التهميش بدرجات متفاوتة.
لا خلاص لليمن دون:
- إعادة بناء العقل السياسي على أسس وطنية شاملة.
- اختيار قيادة توافقية حقيقية تعبّر عن الشعب لا تمثّله شكليًا.
- تمكين الكفاءات الوطنية من رسم السياسات بعيدًا عن الاستقطاب.
- الالتزام بالعقد الاجتماعي الجديد المتمثل في مخرجات الحوار الوطني، الذي يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية قائمة على التوازن والشراكة.
وإن كنا نصرخ اليوم من هول ما نحن فيه، فإن الصراخ وحده لا يكفي، اليمن بحاجة إلى وعي سياسي جديد، يقوده عقل وطني ناضج، لا غرائز متصارعة تحكمها مصالح ضيقة.