حكاية الجوع في مخيمات عبس
الخميس 31 يوليو 2025 - الساعة 06:41 مساءً
في مخيمات النزوح بمديرية عبس محافظة حجة، لم يكن الصمت إلا صرخة مكتومة. هناك، حيث أكل الجوع أجساد الصغار والكبار من أهالينا أبناء محافظتي ، رحلت الطفلة أشواق في عتمة الليل، تاركةً خلفها سؤالاً يثقب الضمير الإنساني، وتبعها رجل مسن أنهكه العوز. كانت قصصهما، وقصص آلاف النازحين، قد كشفها الزميل الصحفي عيسى الراجحي في تحقيق مصور، أظهر فيه وجه المأساة الحقيقي.
أجساد نحيلة، وخيام ممزقة، وأيادٍ ممدودة لا تصلها المساعدات، لم يكن هذا المشهد وليد اليوم. إنه إرث ثقيل من الجوع والمرض٨ والخوف، ورثته هذه الميليشيا لأهل اليمن، وكأن المعاناة قدر محتوم لا فكاك منه. ففي عام 2019، وفي السابع من شهر نوفمبر، أُنشئ ما سمي بـ "المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية"، لم يكن مجلسًا إنسانيًا بل قفازًا مخابراتيًا محكمًا خنق العمل الإغاثي وزاد الحياة بؤسا وجحيم.
أصبحت أيادي العاملين في المنظمات الدولية مكبلة. كان على كل منهم أن يحصل على "تزكية" من هذا المجلس ليمر بسلام، ومن لم يفعل، كان مصيره المساءلة والسجن. لقد أدى هذا التعنت إلى وفاة عاملين إنسانيين في السجون الحوثية، منهم هشام الحكيمي، مسؤول الأمن والسلامة في منظمة "إنقاذ الطفولة"، الذي توفي في أكتوبر 2023 بعد اعتقاله. وكذلك محمد باعلوي الموظف الأممي الذي توفي في سجون صعدة.
في فبراير 2024، وصل منسق الأمم المتحدة جوليان هارنيس إلى صنعاء، وفي لقائه الأول مع القيادي الحوثي إبراهيم الحملي، رئيس "المجلس الأعلى"، سمع منه كلامًا بجحًا: "لن يعمل أي أحد إلا عبر مجلسنا الموقر". كل ذلك بذريعة "المخاوف الأمنية" و"وضع الحرب". لكن جوليان لم يفلح في الإفراج عن المعتقلين، ولم يجد طريقًا معهم. حتى أن العديد من النساء العاملات في المجال الإنساني تعرضن للاختطاف في حجة وعمران، مما دفع بالمنظمات إلى مغادرة البلاد.
واليوم، عندما تحدثت وسائل الإعلام عن المجاعة في عبس، خرج "المجلس الأعلى" في حجة ببيان يبرر المأساة بـ"القرارات الأمريكية"ويبرر الواقعة ووفيات الجوع بأنها بسبب "القرارات الأمريكية". أقول لهم: القرارات الأمريكية كانت نتاج أعمالكم الصبيانية ومضايقاتكم للعاملين في المجال الإنساني.
فالمساعدات لا تزال تصل عبر مطار صنعاء، وجوليلن لا يزال موجودًا بكامل موظفي الامم المتحدة. حجتهم واهية ومكشوفة. أين هي الأموال التي كانت تُصرف على المحتاجين؟ هل هي التي بنت القصور الفارهة في صنعاء وعمران؟ أم هي التي استقطبت الشباب للقتال معهم، بينما من يرفض يموت جوعًا؟
إنها حكاية الألم في عبس، قصة أجساد نحيلة، وأحلام مسلوبة، وقيادات تستخدم الجوع كسلاح، بينما تبرر جرائمها بذرائع لا تنطلي على أحد.