تعويم العملة في اليمن... القرار الخطأ في الوقت الخطأ... وإشاعات تدخل البنك بحديد اسعار العملات الاجنبية

الخميس 31 يوليو 2025 - الساعة 10:19 مساءً

 

في الوقت الذي يتأرجح فيه الريال اليمني بين صعود خجول وتحسن مفاجئ، يتكرر سؤال الشارع:

 

ما قصة تعويم العملة في اليمن؟ هل هو حل؟ أم أحد أوجه الأزمة؟ وما علاقته بما نعيشه اليوم؟

 

لنبدأ من البداية...  ما هو تعويم العملة؟

التعويم يعني ترك سعر صرف العملة المحلية يتحدد بحرية وفقاً للعرض والطلب، دون تثبيت او تدخل رسمي من البنك المركزي.

وهناك نوعان رئيسيان:

-  تعويم حر: السوق يتحكم بالكامل في السعر.

- تعويم مُدار: البنك يتدخل جزئياً عند الحاجة لتقليل التقلبات.

 

أهداف التعويم.. على سبيل المثال:

1. تقليص العجز في ميزان المدفوعات وهذا مستحيل في ظل اقتصاد الحرب.

2. تشجيع الاستثمار الأجنبي وهذا لا يمكن في ظل المواجهات المسلحة .

3. دعم الصادرات مقابل الواردات وهذا ايضاً صعب في ظل توقف القطاع الاقتصادي العام.

4. تخفيف الضغط على احتياطي النقد الأجنبي وهذا هو الهدف الاساسي وخصوصاً بعد نقل البنك من صنعاء الى عدن.

5. توحيد السعر الرسمي والموازي للعملة وهذا ما تحقق من خلال المزادات ووصول سعر اخر مزاد الى 2704ريال.

 

المنافع المحتملة (عندما يكون الاقتصاد مستقر):

- تقليص السوق السوداء وتحويل الأموال عبر القنوات الرسمية وهو الذي لم يتحقق.

- تحفيز الإنتاج المحلي وتقليل الاستيراد وهذا ايضاً لم يتحقق بل فتح مجال للتهريب في ظل تواطئ او اخفاق الاجهزة الحكومية في هذا المجال.

- مرونة أكبر في التعامل مع الأزمات الخارجية.-

- جذب استثمارات بتكلفة منخفضة نتيجة انخفاض العملة.

- تقليل التهريب إذا ترافقت مع ضبط المنافذ.

وجميعها لم تتحقق بقصد أو بدون قصد ... لا أدري.

 

الأضرار (خصوصاً في الاقتصادات الهشة مثل اليمن):

- إرتفاع الأسعار بشكل جنوني (تضخم).

- تآكل القدرة الشرائية للمواطنين.

- إزدياد الفقر والبطالة.

- تراجع الثقة بالعملة المحلية.

- عجز البنك المركزي عن التدخل لعدم توفر الاحتياطي.

وجميعها تحققت بامتياز مع مرتبة الشرف.

خلفية بسيطة تعويم العملة في اليمن...

منذ نهاية 2016، بدأت ملامح التعويم تتضح، حين حرر البنك المركزي في عدن سعر صرف الدولار، وتركه للسوق.

لكن الكارثة لم تكن في القرار نفسه، بل في أنه جاء:

- في ظل انقسام سياسي ومصرفي بين صنعاء وعدن.

- دون أي سياسة نقدية مصاحبة.

- شحة الموارد اللازمة لدعم الريال.

فبدل أن يكون التعويم أداة للإصلاح، صار أداة لزيادة الفوضى.

فقد أصبح الريال يُسعّر وفق إشاعات، شحنات واردة، أو شائعات عن وديعة... لا وفق قوة الاقتصاد أو الإنتاج.

 

 السؤال الجوهري....

كيف تُعوَّم عملة لا تدعمها دولة قائمة؟

الحرب عطّلت كل الموارد الذاتية التي كانت تمثل العمود الفقري للعملة:

- صادرات النفط والغاز شبه متوقفة.

- الإيرادات الضريبية والجمركية مبعثرة بين جهات متعددة.

- الإنتاج المحلي ضعيف ومهمّش.

- تحويلات المغتربين تواجه مصاعب في التحويل والوثوق بالقطاع المصرفي.

 في هذه الظروف، بات التعويم أشبه  بمعركة دخلتها الدولة بدون سلاح.

ايضاً علينا ان نقف لمعرفة أثر التعويم على الواقع اليمني:

- تضاعف سعر الدولار أكثر من ١٠ مرات منذ 2015.

- انفصال سعر الصرف بين المناطق في حكومة الشرعية وحكومة صنعاء.

- انفلات السوق دون رقابة.

- المواطن يدفع الثمن في كل شيء: الخبز، النقل، الدواء، التعليم، .......

 

وهل هناك أمل الآن؟ ما علاقة التعويم بارتفاع أو انخفاض الدولار حالياً؟ نعم، خلال الأيام الأخيرة شهدت الأسواق بعض التحسن.

 

وقد يكون أحد الأسباب هو تحركات لجنة تنظيم الاستيراد وتمويل التجارة، التي عقدت اجتماعها الأول في الخميس 17 يوليو 2025 بمقر البنك المركزي بعدن.

 

لكن السؤال الكبير يبقى:

هل هذا التحسن مستدام؟ أم مجرد انتعاشة قصيرة؟

الجواب مرتبط بإصلاح المنظومة كاملة، لا فقط بقرارات جزئية.

نصيحة للمواطن المحوش قليل عملة اجنبية:

 

الجواب:

لا أنصح بالتحويل الكامل حاليا، للأسباب التالية:

 - التحسّن هش ومربوط بإجراءات مؤقتة

- لا توجد مؤشرات على استقرار طويل الأجل

- الأسواق ما زالت مزدوجة ومضطربة

- وهناك دائماً احتمال ارتداد عنيف للعملة في أي لحظة.

 

عليك تنفيذ ما يلي:

- حوّل فقط ما تحتاجه من عملة للضروريات

- راقب السوق من أسبوعين إلى شهر

- احتفظ ببقية مدخراتك كأمان ضد أي انتكاسة مفاجئة

 

 توصيات عملية للبنك المركزي اليمني:

1. إدارة التعويم بذكاء (تعويم مُدار): تدخل مرن ومدروس لكبح التقلبات، رغم ان هناك شائعات عن صدور قرارات من البنك المركزي بتحديد الاسعار الدنيا والعليا للعملات الاجنبية وهي معلومات خاطئة لعدم وجود نسخه منها على موقع البنك المركزي اليمني عدن، للتحقق زور موقع البنك المركزي عدن.

 

2. إعادة توجيه الموارد السيادية إلى البنك المركزي: النفط، الجمارك، الضرائب، وهو ما تسعى إليه الحكومة الحالية مشكورة.

 

3. ضبط سوق الصرف والمضاربة: رقابة صارمة على الصرافين وشركات الحوالات.

 

4. فتح قنوات لتحويلات المغتربين بطريقة سلسلة، وتشجيع البنوك التجارية التي تشجع هذه الخطوة مثل بنك التضامن الإسلامي.

 

5. دعم الإنتاج المحلي بدل الاعتماد على الاستيراد بالكامل، وعمل قيود على الواردات من السلع التي تتوفر محلياً بالتنسيق مع وزارة المالية ومصلحة الجمارك  ووزارة الصناعة والتجارة.

 

6. تفعيل أدوات السياسة النقدية الحديثة (مثل شهادات الإيداع ان امكن مع اعتقادي بضعف هذه السياسة لعدم ثقة المواطن بالقطاع المصرفي العام والخاص).

 

7. شفافية مطلقة في نشر البيانات المالية والنقدية لتعزيز ثقة السوق.

 

8. تنسيق حقيقي بين البنك المركزي ووزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة

 

من الاخير ...

التحسُن في اليمن، جاء بلا مقدمات وبلا انذار مسبق، وبلا حوار، وبلا اتفاق الا اذا كان من تحت الى تحت، لان الصرافين هم انفسهم صناع القرار السياسي.

 

التحسن في ظل عدم ربط السياسة النقدية بالموارد، والإنتاج، والثقة، سنبقى ندور في نفس الحلقة: تعويم، تضخم، فقر، وعود، صعود، هبوط... بلا أثر حقيقي.

 

 

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس