بيت هائل: المحتكر الذي اعتصر بطون اليمنيين

الاحد 03 أغسطس 2025 - الساعة 09:50 مساءً

 

في بلدٍ ينهكه الجوع، تُنهب فيه الودائع باسم الغذاء، وتُخنق فيه بطون الفقراء تحت أكوام الفواتير، تقف "بيوت المال" لا كأعمدة اقتصاد، بل كأنياب تنهش الجسد الهزيل لوطنٍ يحتضر. وعلى رأسها، يأتي بيت هائل سعيد أنعم وشركاه، المحتكر الأكبر، الذي لم يكتفِ بالربح من السوق، بل نصب نفسه حاكمًا خفيًا يتدخل في قوت الناس، ويتلاعب بمصيرهم كما يشاء.

 

تقرير مجلس الأمن، وثيقة S/2021/79، كشف حجم النهب المُشرعن: 872.1 مليون دولار من أصل الوديعة السعودية البالغة 1.89 مليار دولار ذهبت إلى بيت هائل وحده، تحت لافتة "استيراد السلع الأساسية"، لكنها في الحقيقة لم تكن سوى عباءة لعملية مضاربة ممنهجة بالعملة، واستنزاف لاحتياطي الدولة.

 

في وطنٍ يجوع فيه الطفل، وينتحر فيه الأب بسبب علبة دواء أو كيس دقيق، ربحت بيت هائل من فرق أسعار الصرف وحده 194.2 مليون دولار، دون أن تُسأل، أو تُحاسب، أو يرفّ لها جفن.

 

هذا ليس بيتًا تجاريًا. هذا كيان يتغذّى على الجوع، ويُثري من المجاعة، ويتضخّم مع كل وجبةٍ يفقدها الفقراء.

 

بيت هائل لا يبيع الغذاء، بل يحتكر الأوكسجين. يحدّد متى يأكل الناس، ومتى يجوعون، ومتى تُركَع الدولة. يرفع الأسعار متى شاء، ولا يُنزلها ولو انهار الدولار، بل ينتظر حتى تخرج الحكومة راكعة تستجديه التخفيض، ثم يردّ ببيانٍ متعالٍ: "لسنا ملزمين".

 

الدولة، التي يُفترض بها أن تحمي المواطن من الجشع، تحوّلت إلى سمسارٍ بين التاجر والمستهلك. تسوّق الأعذار، وتلعق التصريحات الفارغة، وتعيش في حالة خضوعٍ دائم أمام حفنة من التجار الذين ظنّوا أن اليمن حقيبة نقود، لا شعبٌ له كرامة.

 

والأنكى من ذلك: أن كل هذا الجشع يتمّ باسم "الأمن الغذائي"، بينما الحقيقة أن الأمن الغذائي سُحق بقرارات الاحتكار، وأن الأمن الحقيقي ضاع حين أصبح الشعب مرتهنًا لمزاج بائع أرز وزيت.

 

كل هذه المعاناة ليست مجرد انعكاسٍ للفشل، بل نتيجة مباشرة لتحالفٍ خبيث بين جشع التجار ورضوخ الدولة. ما يحدث ليس سوقًا حرّة، بل عبوديةٌ اقتصاديةٌ مغلّفة بالشعارات، تُدار من مكاتب مكيّفة، وتُدفع فواتيرها من بطون الجوعى ودموع الأمهات.

 

وإن كانت الحكومة عاجزةً عن حماية الناس من حفنة من الطامعين، فلتُعلن ذلك صراحة، ولتُسلّم الراية لمجلس غرفة التجارة، فهم من يقرّرون متى تأكل البلاد، ومتى تجوع، ومن يستورد، ومن يربح، ومن يخسر، ومن يبكي.

 

اليمن لم يمت من الحرب وحدها، بل من تجّارٍ لا يشبعون، وحكوماتٍ لا تجرؤ، وشعبٍ تمّ تحويله إلى سوق استهلاكٍ لثرواتٍ لا يملكها.

 

وإن لم يُكسر هذا الاحتكار الآن، فسنُكتب في كتب التاريخ لا كضحايا حرب، بل كضحايا تاجر

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس