الصرافين وحسابات العملاء بين الحاجة والخرق القانوني

الاربعاء 06 أغسطس 2025 - الساعة 07:18 مساءً

 

يحظر القانون فتح حسابات للعملاء لدى الصرّافات باعتبار أن هذا الدور من اختصاص البنوك، وتشكل هذه الحسابات أحد الأسباب الجوهرية لتسرّب السيولة النقدية خارج النظام المصرفي الرسمي، إذ تشير التقديرات إلى أن معظم السيولة باتت خارج المصارف، وقد أدى هذا الواقع إلى تفشي المضاربات وازدهار السوق السوداء للعملات.

 

لكن في ظل هذا الوضع، فإن التنفيذ القسري والصارم للقانون من قبل البنك المركزي قد يؤدي إلى نتائج عكسية أكثر من تلك المرجوة، بل إنه قد يدفع الكثير من الأفراد والتجار إلى سحب أموالهم بالكامل والاحتفاظ بها نقدًا ما يُعرف بالادخار في الشنطة، وهو أخطر أشكال تسرب السيولة من الدورة الاقتصادية.

 

في الوقت الراهن، الثقة الشعبية والمجتمعية تميل نحو الصرافين، فبالنسبة للمواطن أو التاجر فإن الصراف هو الأقرب، الأسهل، الأسرع في التعامل، يكفي إرسال رسالة نصية منه لإجراء تحويل مالي لدفع مشتريات أو سداد التزامات، بل إن بعض الصرافين قد يقدمون تسهيلات تمويلية قصيرة الأجل لحين التوريد أو وصول الحوالة، وهو ما لا توفره الإجراءات البنكية الطويلة.

 

نصف الاقتصاد يقوم على الثقة، واستعادة الثقة بالنظام المصرفي لن تتم عبر الإكراه، بل عبر إصلاحات تدريجية تتطلب عاملين أساسيين:

 

1. استقرار طويل الأمد في أسعار الصرف، بما يعزز ثقة المواطنين بالادخار بالعملة المحلية، وعدم تأكّل قيمة الأموال.

 

 

2. تعديلات جوهرية في سياسات وإجراءات البنوك تضمن السهولة والسرعة والمرونة في التعامل مع العملاء.

 

 

 

وفقًا لذلك قد ينبغي تعديل اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم أعمال الصرافة، بما يحقق توازنًا واقعيًا بين مقتضيات القانون وحقائق السوق، ومن بين الحلول الممكنة:

 

إلزام شركات الصرافة التي تدير حسابات للعملاء بالاحتفاظ بنسبة 30% من قيمة أرصدة هذه الحسابات كاحتياطي إلزامي لدى البنك المركزي، على أن تُراقب وتُدار هذه الأرصدة بشكل يحد من تسرب السيولة، دون أن يُجهض دور الصرافات كأداة مالية واقعية في ظل ضعف الثقة بالمصارف.

 

رفع الحد الأدنى لرأس المال القانوني الحالي لشركات الصرافة إلى الضعف وعلى مرحلتين مدروستين، بهدف استبعاد الكيانات الصغيرة والعشوائية التي تفتقر للقدرات المؤسسية والضوابط المالية، والتي تحوّلت من أدوات مالية إلى منصات للمضاربة والتحويلات غير الرسمية.

 

وضع سقوف يومية لعمليات شراء وبيع العملات الأجنبية لكل من شركات تجارية وصرافين وحتى الأفراد، وأن تُحدّد هذه السقوف بناءً على حاجة السوق الحقيقية، وبما يتناسب مع الاحتياطيات المتوفرة لدى البنك المركزي من النقد الأجنبي، إذ لا يعني التقييد أو التضييق على النشاط التجاري، بل هو أداة مرنة لإدارة التدفقات وتوجيهها، وتتيح للبنك المركزي مراقبة وضبط السوق والحد من المضاربات، وتوجيه العملات الأجنبية إلى الأولويات الاقتصادية الحقيقية لا إلى المضاربة والاكتناز.

 

مثل هذه الإجراءات ستعمل على إعادة هيكلة قطاع الصرافة وتنقيته من الفوضى والتضخم العددي، عبر تعزيز الحد الأدنى من المتطلبات المالية، وتحفيز بقاء الشركات القادرة على العمل وفق الأطر الرقابية والمحاسبية، وضمان إعادة تركيز السيولة وتحجيم قدرات الصيارفة على المضاربات.

 

كما يجب أن يترافق هذا التوجّه مع تفعيل دور البنك المركزي في الرقابة اللحظية والتحليل المستمر لحجم التعاملات وهيكل السوق وتدفقات السيولة.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس